الجزائر

المتشرد
تنهدا بعمق يحتبس البكاء
تقذفه الأمواج كفلك، أنهكه العناء
ترجى السماء بصبر كي تقبل الرجاء
فسخت لرجائه السماء بقطرات من سخاء
راح يسأل البحر عن الأسرار والخفاء
فردت عليه النوارس بصرخات من ثناء
حدق في الأسفان وهي راسية بالميناء
فاستحوذته الميول للمغادرة والبقاء
حذرته الخواطر من المغامرة والغباء
فتدلى كدلو بئر بين الأعماق والفضاء
لازم المكان حزينا، يستنشق الشقاء
فلو درى ما راح ليدري، فالفكر ألقاه للوراء
تاه بين الأيام، يلعن الأعداء والعداء
ينشد رباعيات الخيام وينتظر حكم القضاء
تذكر عوليس والبحر فاستدرجته أصداء النداء
يتخيل الأساطير والدهر ويرجى الإبحار والجلاء
تذكر بائعة الورود لما قالت ذات مساء
يا ليت الغريب يعود ليخلصني من هذا العناء
تذكر وتفكر حتى تذكر كوب الحساء
كان يقدمه لهر يتيم، ينتظره دوما في غروب المساء
راح يحلم بأنس شقيق ، يبادله الود وطول البقاء
وراح يحلم بصداقة رفيق، يجيد الإصغاء وزهو اللقاء
راح يحلم بكوخ بسيط بيه كتب وأقلام وصفحات بيضاء
وبرفيقة درب تشاركه الأحلام والأنغام ونفحات المساء
ما لي وملك دقيوس وهامان ومعيشة الرخاء
وما لي وعرش بلقيس وزنوبيا وناطحات السماء
مكسبي عظيم، غنمته من مدرسة الشقاء والعناء
وأبقيته عفيفا بين العراة والغلاة وأنصاف الكساء
مطلبي شريف كتبته بدماء البسوس ودموع الخنساء
ووضعته على عواتق الأرحام والأنساب والأعداء
حلمي نبيل، حمله أرسطو وابن رشد والأطفال والعظماء
وخيبتي ناحت على ندرة الرجال والنساء وقلة الحياء
صرختي أطلقتها للفقهاء والحكماء والعلماء
ومزجتها بآهات التائهين والهائمين في المساء
أقول للأغنياء القاعدين في طرف الولاء
تمعنوا بهجة طفل يتيم، لما تضمه أحضان العطاء
أقول للقابعين في قبضة الغفلة والهراء
تدبروا الأيام وهي تداول الثناء والهجاء
أقول للمستضعفين الخاضعين للذل والبلاء
العقرب إذا ما حوطتها النار تنال من نفسها من وراء
أقول للوافدين إلى بقاع رحلة الصيف والشتاء
إفراج هموم وإشباع بطون يستحسنهم رب السماء
يا أمة الكتاب والرسول والشفاعة والنزول والثراء
ويا أمة الغاز والبترول والمياه والبقول والسقاء
أما كفانا الشتات وذلة المحيى والممات والعراء
وإسكات الآهات وأسر الموتى والأحياء والهواء
أما تخومنا شهوات وسهرات الرقص والغناء
أما شبعنا حفلات وجلسات النبيذ والبغاء
كم هدرنا من أموال في سبيل الفخر والرياء
وكم سفكنا من دماء من أجل السلطان والعلاء
كم أفسدنا من أحلام لأطفال هرموا بالشقاء
وكم فرقنا من أرحام ليضرب الشتات بالوباء
يا للصخرية والعجب أصبحت الغوغاء دهاء
ويا للنكبة والندب صارت الإباحية دواء
يا للعار واللهب عاهدنا الجهالة بالوفاء
ويا لبخس العرب فقدنا الكرامة بالرجاء
غادر الميناء عائدا إلى واقع الفراغ والهباء
يجر أطرافه كالكسول وهو يتسلق أشجارا السماء
كبت غيظه مرغما أخاك لا بطل ولا رياء
ينتظر بدء الأسطورة مع البحر والمجهول والخفاء
احتمى من تحت جسر، يجتنب مطر الشتاء
يتقاسم رغيف خبز مع الصبيان والكلاب والنساء
هذا هو وكرهم، ليس فيه زاد ولا بيع ولا شراء
يتعايشون فيه كرهط، ألف الفقر والتشرد والعراء
كم هو جميل أن نرى الأفراد يبتسمون ابتسام السخاء
وكم هو جميل أن نرى الأحقاد تلاطفها دموع الإخاء
كم هو مريح أن نرى الأرحام تعانقها أشواق اللقاء
وكم هو مريح أن نرى الأسقام تخففها أذكار الدعاء
رجع مهبطا فاستلقى على حصير يصارع سهاد المساء
يتخبط بين الرحيل والبقاء في ديار الشؤم والشقاء
لعن الأشقاء والأعداء ونخبة الخفاء ومن جاء بالوباء
وكذالك صانعات الحزن والمغضوب عليهم وهادمات اللقاء
شتم باستحياء شياطين الإنس والجن والإخوة الأعداء
وتبرأ من ضياع الأمة ومهازل الساسة وسخافة الأنباء
خرج في ليله متسكعا، تناديه صيحات الأصحاب والغرباء
يحمل همومه وهموم شعب، يكابد العناء والشقاء
مسح الأزقة والطرقات وزار مقابر الأحياء
فاستوقفته بطون الجياع وهي تلتهم رائحة الشواء
قابل أشباها أموات ومشردين يعزفون البكاء
ولمح أطفال الشتات الضائعين في العراء
جالس بعض الهماة، يشاركهم دفء اللقاء
يناقشهم مغزى الحياة ويقاسمهم برد الشتاء
سمعهم بعض الأبيات، فأنساهم عبء الشقاء
وسمع منهم كلمات، خففت له من وزر الأعباء
عاد بعد أن طل الشعاع، إلى وكره يفترش العناء
يحلم بسقوط القناع، لتتجلى الحقيقة من السماء
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)