الجزائر

الماكثة في البيت ثروة خفية تبحث عن فرصة



* email
* facebook
* twitter
* google+
لم يعد نشاط النساء الماكثات في البيوت يقتصر اليوم على مجرد العناية بالمنزل وتربية الأبناء فحسب، لأن الواقع الحالي يقدم لنا نماذج ناجحة توحي بتغير التصور التقليدي للمرأة الماكثة في البيت، بعدما أيقنت أن وجودها في المنزل لا يمنعها من ممارسة ما تتمتع به من مواهب وقدرات، والعينة استقتها "المساء" من ولاية بجاية، لسيدة استطاعت الجمع بين مواهب مختلفة ومارستها جميعها، وتطمح بعصاميتها إلى ولوج عالم الكتابة والتأليف، بعد نجاحها في إصدار مؤلف عنوانه "صرخة امرأة".
بساطة السيدة نورة بلحبيب وهدوؤها لا يوحي مطلقا بأنها سيدة موهوبة، ولم يكن لنا أن نكتشف ما تخفيه من إبداعات، لولا أننا خضنا حديثا على هامش تواجدها في معرض الصناعات التقليدية، الذي احتضنته مؤخرا ساحة الشهداء بالعاصمة، إحياء لليوم الوطني للقصبة، حيث كانت تقاسم سيدة أخرى الجناح المخصص للعرض، وشاركت بمجموعة متميزة من اللوحات التي تعكس الحياة الريفية لمنطقة القبائل. ولأنها غير متعودة على المشاركة في مثل هذه التظاهرات، لم تلق بالا حتى للطريقة التي ينبغي بها عرض رسوماتها لتجلب انتباه الزوار، حيث كانت مركونة على جنب.
بكثير من التواضع، استرسلت في حديثها أنها لم توفق في إكمال دراستها، حيث انتهى بها المشوار التعليمي في المستوى الثانوي، وبحكم انتمائها إلى منطقة ريفية، حيث تنتشر بعض الصناعات التقليدية، كان لزاما عليها تعلم بعض الحرف، فبرعت في خياطة الألبسة التقليدية القبائلية التي سرعان ما أبدعت فيها بإدخال بعض التفاصيل العصرية عليها، كما راحت تتقن عددا من الأشغال اليدوية كحياكة الصوف، الطرز باليد والآلة، وذهبت إلى أبعد من هذا، حيث أتقنت أيضا تحضير كل أنواع الأكلات التقليدية.
من عالم الحرف إلى النشاط الفني
التحكم في عدد من الحرف والصناعات اليدوية التي تحولت إلى شيء عادي ومألوف بالنسبة لمحدثتنا، دفعها إلى التفكير فيما يمكن القيام به أيضا، وكان من نتائج بحثها في داخلها، أن اكتشفت مواهب أخرى مارستها عندما كانت تلميذة وتخلت عنها، فقررت خوض التجربة، وكانت النتيجة أن أبدعت في رسم مجموعة من اللوحات التي جمعت فيها بين التراث الأمازيغي والبيئة الريفية، رغم أنها لم تروج لأعمالها الفنية، إلا أنها اكتفت بالمشاركة بها في بعض المعارض المحدودة، وقناعتها في ذلك أنها امرأة طموحة ويمكنها القيام بعدة أنشطة فنية وتقليدية، وهذا يكفيها.
من بين العوالم الإبداعية التي شدت بدورها اهتمام المبدعة نورة، عالم الرسكلة واسترجاع واستغلال كل ما يمكن، وتحويله إلى شيء مفيد، حيث يدخل هذا النشاط الذي لا تكف عن ممارسته يوميا، في إطار المساهمة من جهتها في الحفاظ على البيئة، التي تعد من التحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم، والاستثمار في عالم النفايات، حسبها، يعد من أنجح المشاريع التي تسعى من ورائه إلى إيصال رسالة لكل أفراد المجتمع، مفادها المساهمة في الحفاظ على بيئة نظيفة، من خلال عرض ما تقوم بتحويله وجعله يقدم خدمة للعائلة ولو كان ذلك في الجانب الجمالي أو النفعي.
عالم الكتابة فجر موهبة خفية
عاشت المبدعة نورة معاناة في حياتها، كامرأة تنتمي إلى مجتمع ريفي تحكمه جملة من العادات والتقاليد، فما كان منها إلا أن ترجمت ما تشعر به من أحاسيس ومشاعر وتجارب في كتيب عنوانه "صرخة امرأة"، عرضته على مفتش التربية والتعليم بالمنطقة، وقد كان له الفضل حسبها في لفت انتباهها إلى هذه الموهبة التي كانت كامنة بداخلها، إذ تقول، إنه بعد أن أشرف على تصحيح بعض الأخطاء، نصحها بتنمية هذه الموهبة والعناية بها.
لم تكتف محدثتنا بشهادة مدير التربية والتعليم بالمنطقة، واتصلت ببعض المختصين في عالم الأدب، حيث عرضت مؤلفها على واحد من الكتاب المعروفين في ولاية بجاية، وهو الكاتب علي مسعودي الذي ردد هذه العبارات على مسامعها "لو أنني كنت أكتب في بداياتي مثلك، لحققت اليوم إنجازات كبيرة في عالم الأدب"، بالتالي دفعتها هذه الكلمات إلى تنمية مهارتها من خلال البحث في بعض المؤلفات لتوسيع آفاقها الفكرية، وتتطلع اليوم، بعد أن نجحت في تسويق مؤلفها الأول، إلى الشروع في تأليف كتاب آخر يحكي خلاصة تجارب عاشتها النساء في حياتهن.
الكتابة بالنسبة للمرأة ليس العالم الوحيد الذي أثار اهتمام محدثتنا، إذ شد اهتمامها عالم الطفولة الذي يحتاج حسبها إلى المزيد من الاهتمام، وبحكم أن التكنولوجيا تلعب دورا كبيرا في تراجع المقروئية، ترفع التحدي وتختار التأليف أيضا لهذه الفئة في مواضيع مختلفة، كالنظافة والتربية بأسلوب بسيط وشيق.
تتمنى الحرفية والمبدعة العصامية السيدة نورة في ختام حديثها، أن يلتفت إلى أمثالها المسؤولون، سواء على مستوى غرفة الحرف أو وزارة الثقافة، وأن تمنح لها الفرصة كي تفيد غيرها بما تتمتع من مواهب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)