الجزائر

المؤرخ محمد بن مدور ل "المساء"



المؤرخ محمد بن مدور ل
قليلة هي الاحتفالات التي أضحت تقام بمناسبة استقبال السنة الامازيغية الجديدة التي على الرغم من دلالاتها الاجتماعية المرتبطة بالأرض والفلاحة إلا أنها لم تعد تحظى بالاهتمام المطلوب، بدليل اقتصار هذه الاحتفالات على بعض القرى والمداشر التي يتمركز بها الأمازيغ حسب محمد بن مدور مدير مكلف بالاتصال بالديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، مؤرخ ومهتم بكل ما هو عادات وتقاليد.عرف محمد بن مدور في بداية حديثه ل”المساء” يناير بالاحتفال، ونفى عنه الصفة الدينية قائلا: ”لا يعتبر يناير احتفالا دينيا، وإنما هو احتفال سنوي يعرف به الأمازيغ ويعكس بداية تقويم السنة الأمازيغية أو كما يسمى ”أقرار” أي التقويم الفلاحي، وتتجلى مظاهر الاحتفال به في المداشر والقرى التي يتمركز بها السكان من القبائل المنتشرة بالأطلس الجزائري وهو يصادف 13 يناير حيث أخذ تسمية شهر يناير.من أهم مظاهر الاحتفال بالسنة الأمازيغية، أن تقوم النسوة بإخراج كل ما له علاقة بالأشغال اليدوية لعرضه يوم الاحتفال، أي أنهن مطالبات بإنهاء ما بدأنه من أشغال يدوية في ذلك اليوم فمن كانت تعد البرنوس، زربية أو الحنبل لابد من أن تفرغ منه عشية يناير، وهنالك مظهر آخر خاص بالأثاث المنزلي الذي يعرف به سكان منطقة القبائل مثل الفنيق، والصندوق ومع حلول السنة الأمازيغية يتم استبدالها بأخرى جديدة ليستقبل الناس السنة الجديدة بنفس جديد يعكسه ديكور المنزل، بينما تلزم النسوة والأطفال بارتداء لباس جديد لاستقبال العام الجديد.على خلاف ما يحدث اليوم، فإن الأصل حسب محمد بن مدور هو إحياء السنة الأمازيغية باحتفالية تدوم سبعة أيام، وليس يوما واحد فقط، حيث كان الأمازيغ من عهد الفرس يأكلون في اليوم الأول الخضروات فقط حيث يتم تفويرها وتقديمها مع بعض العجائن والدليل على ذلك ما كان يسمى ”الكسكسو فورو”، والذي أصبح من أهم الأطباق التقليدية التي يتم إعدادها بيناير، أما في اليوم الثاني فكانوا يأكلون اللحوم فقط أي، الطيور، لحم البقر أو الغنم، وفي اليوم الثالث فكان يخصص لأكل الحبوب كالعدس، الفول واللوبيا. أما في اليوم الرابع والذي يمثل نصفية الاحتفال بالسنة الأمازيغية فكان يخصص لأكل كل ما هو عجائن، حيث تقوم النسوة بعجن الخفاف، المسمن والبغرير وما إلى ذلك من العجائن، التي تحوي على الخميرة تفاؤلا بسنة فيها الكثير من الخير والرفاهية، أما خامس يوم فيخصص لأكل الحلويات ولا نقصد الحلويات التي يتم تصنيعها، وإنما يتعلق الأمر بالتمر القرباعي، التين المجفف، الخروب والمكسرات على اختلاف أنواعها وهو التقليد الذي مازال متداولا اليوم. من أجل هذا نجد في الأسواق عشية الاحتفال بالمناسبة، خلط المكسرات مع بعضها وبيعها لتكون السنة الجديدة حلوة، أما اليوم السادس فيخصص لتجتمع القبائل مع بعضها البعض، ويقوم الأفراد بعرض ما عندهم من غلة متبقية من السنة الماضية.وحول اليوم السابع يوضح بن مدور: ”يخصص للرقص والغناء، حيث تظهر وحدة الأفراد إذ أن كل فلاح يبرز غلته وقدراته الإنتاجية، وفي آخر النهار يتم توزيع الغلة على الفقراء والمساكين وتعد هذه من أهم المظاهر الاحتفالية التي كانت تصل الروابط الاجتماعية بين الأفراد وتقويها”، دون أن أنسى ما كان يعتبر من أهم مظاهر التضامن الاجتماعي وهي ”الوزيعة” يقول بالمدور، حيث يستفيد الفقراء من وجبات غذائية من غلة السنة الماضية تسد حاجتهم.من بين الدلالات الاجتماعية للاحتفال بالسنة الأمازيغية يقول بن مدور، الحلي أيضا التي تتزين بها النسوة، ومن المغالطات الكبيرة التي وقع فيها البعض اعتقادهم أن النسوة كن يضعن الحلي للتزين بها على اعتبار أن الامازيغ يعرفون بالحلي الفضية، إذ أن الناظر إلى الحلي والباحث في مدلولاتها يجد أنها ترمز إلى السنة، وما جادت به من إنتاج فمثلا نجد أن الحلي تحوي العديد من الأشكال، وكل شكل يرمز إلى نوع معين من الغلة مثل القمح، البلوط، الشعير والزيتون وأن كانت الحلي لا تحوي بعض الأشكال معنى ذلك أن السنة الفلاحية جاءت ناقصة من بعض الخضروات أو الفواكه.فقدت الاحتفالات بالسنة الأمازيغية قيمتها ودلالاتها الاجتماعية لابتعاد الأفراد عن خدمة الأرض وظلت منحصرة ببعض القرى بأعالي الجبال من تلك التي لا تزال تعيش على ما تدره الأرض من خيرات، وهو للأسف الشديد، يقول بن مدور مؤشر سلبي لأنه يذهب جملة من التقاليد والعادات التي تمثل هوية الشعب الجزائري.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)