ملخص المداخلة لم تكن قبائل صنهاجة التي تواجدت المجال الجغرافي لموريتانيا الحالية قبائل معمرة فقد طبعت البداوة والظعن نمط عيشها، مما قد يفسر تواضع الموروث العمراني لهذا البلد، ولذلك فإن حواضر أودغست وغانه وآزوكَي التي ظهرت في الحقبة الوسيطة تُمثل استثناءا حضريا بهذا المجال البدوي نتيجة ازدهار تجارة القوافل ابتداء من القرن 2ه/ 8م بين بلاد المغرب مع بلاد السودان، ومن المعلوم تاريخيا أن التجارة مع بلاد السودان ازدهرت في الحقبة الوسيطة المتقدمة على أيدي تجار مغاربة كان جلهم من وافدا من تاهرت وتلمسان وسجلماسة. وبفضل تجارة القوافل تحولت أودغست وغانه إلى مستوطنات تجارية مفتوحة تتلقى التأثيرات من بلدان المغرب وبلاد السودان. والواقع أن تعاظم حركة استيطان التجار المغاربة بأودغست ثم بغانه منذ الربع الأخيرمن القرن 4ه/ 10 م قد أحدث
نقلة في الأنماط المعمارية وطرق استغلال الفضاء، وهذا ما يستشف مما ذكرته بعض المصادر؛ فابن حوقل (منتصف القرن 4ه/ 10 م) ذكر أن جُل مساكن أودغست خلال الحقبة الصنهاجية قبل استيطان التجار المغاربة كان خيام من نواله وخص، مما يعني أن عمرانها كان بدويا. في حين أمدنا البكري بصورة مغايرة للمشهد العمراني بأودغست خلال القرن 5ه/ 11 م فقد ذكر أن بها مبان حسنة ومنازل رفيعة وأن سكانها من إفريقية وبرقجانة وزناته ونفوسة ونفزاوة.
وقد كشفت الحفريات الأثرية التي قام بها جان دوفيس وفريقه بداية توظيف الحجارة في البناء بالموقعين ابتداء من الربع الأخير من القرن 4ه/ 10 م. والواقع أن استقرار جاليات التجار بأودغست وغانه كان وراء دخول تقنيات العمارة التي تعتمد البناء بالحجارة إليهما، فالقوافل التي كانت تصل إلى هذه الحواضر لم تكن تحمل السلع التجارية فحسب، بل كانت تَبُثُّ أفكارا وتحمل تقنيات، ورغم بساطة هذا النمط فقد شكل هوية معمارية ولّدت في تكيفها مع المقتضيات البيئية الصحراوية خصوصية معمارية فريدة جمعت بين مميزات العمارة المغربية والصحراوية وهو ذات النمط الذي ورثته حواضر موريتانية عتيقة لاحقة مثل شنقيط وودان وولاته وتيشيت. بهذا الطرح يكون التراث المعماري الموريتاني منقول بواسطة التجار من بلاد المغرب إلى غرب الصحراء.
وفي يرى هنري ترّاس هذا السياق أن عمارة الحواضر موريتانيا العتيقة تمثل نموذجا أصليا لعمارة شمال إفريقيا أثناء أطوارها الأولى، قبل دخول المؤثرات الفنية الأندلسية على الفنون ببلاد المغرب، معتبرا أن هذه العمارة تعد من أجمل الأنماط التي كانت سائدة بشمال إفريقيا وأكثرها عراقة وأصالة؛ إذ أن الصحراء بعزلتها شكلت صمّاما واقيا لهذه العمارة من عدوى المؤثرات الأندلسية التي دخلت إلى الفن ببلاد المغرب ابتداء من القرن 5ه/ 11 م مع حكم المرابطين للمغرب والأندلس.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/03/2011
مضاف من طرف : tlemcenislam
صاحب المقال : د. أحمد مولود ولد أيده - أستاذ علوم التراث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط باحث بمركز الدراسات والبحوث حول الغرب الصحراوي بنواكشوط موريتانيا
المصدر : ملتقى دولي حول الإسلام في بلاد المغرب ودور تلمسان في نشره خلال " تظاهرة تلمسان 2011 عاصمة الثقافة الإسلامية "