حققّت الجزائر، بعد عامين من استحداث السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (11 أوت 2022)، وعام من دخول القانون رقم 18-07 حيز التنفيذ عدّة مكاسب، في مجال حماية المعطيات الشخصية للأفراد والمؤسسات.ملف: زهراء بندحمان وأم الخير سلاطني وسعاد بوعبوش وحبيبة غريبسمحت المقاربة التشاركية التي اعتمدتها سلطة حماية المعطيات الشخصية منذ تأسيسها بمرافقة وتحسيس مختلف الهيئات العمومية والخاصّة، على اعتبار أن العمل المشترك الداخلي يشكّل أرضية صلبة لبناء بيئة رقمية ناجعة تحفظ فيها كل الحقوق، وتتصدى لمختلف الهجمات السيبرانية، التي تعاظمت في ظل تزايد استخدام التكنولوجيا في مجالات الحياة اليومية للأفراد والمؤسسات، مما جعل هذه الحماية أمرا ضروريا وأكيدا للمحافظة على خصوصية الأفراد وضمان أمنهم في البيئة الافتراضية الرقمية.خبراء لـ”الشعب”: القانون 18-07 إطار شاملٌ لتأمين خصوصية الأفراداتجهت الجزائر نحو سنّ تشريعات قانونية جديدة، -أصبحت سارية المفعول- بشأن حماية البيانات الشخصية للأفراد، ضمن القانون 18-07 الذي تزداد أهميته في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا، لاسيما مع تزايد جمع واستخدام البيانات الشخصية من قبل الشركات والمؤسسات، حيث يضمن القانون حماية خصوصية الأفراد ويمنع الاستغلال غير المصرّح به لمعلوماتهم، كما يفرض معايير وإجراءات أمنية لحماية البيانات من الاختراقات والهجمات السيبرانية، مما يقلّل من المخاطر التي تهدّد معلومات الأفراد، ويعزّز من جهة أخرى ثقة الأفراد في استخدام التكنولوجيا والخدمات الرقمية، مما يدعّم الاقتصاد الرقمي والنموّ التكنولوجي.قال الخبير في التكنولوجيا، بشير تاج الدين، في تصريح لـ “الشعب” “إن القانون 18-07 جاء ليكرّس أحكام الدستور الجزائري الذي يتضمن مواد تتعلّق بحماية البيانات الشخصية للأفراد، ضمن المادة 47 التي تنصّ على احترام وحماية البيانات الشخصية للأفراد، عبر جمعها ومعالجتها في إطار الشفافية والأمان، وبموافقة صاحبها وفقًا للشروط التي يحدّدها القانون 18-07، الذي أعطى 4 حقوق للأفراد، أوّلها الحقّ في الإعلام بالهدف من جمع البيانات الشخصية، والحقّ في الولوج إلى البيانات المجمّعة والمعالجة بطريقة مبسطة وواضحة، والحقّ في التصحيح، كما يطبق القانون على المؤسسات التجارية الخاصّة والعمومية الوطنية وحتى الأجنبية التي تكون وسائل معالجتها داخل الوطن والقانون يفرض عليها أن يكون لها ممثل داخل الوطن، زيادة على الدوائر الحكومية، على أن تقوم السلطة الوطنية لحماية البيانات الشخصية بمراقبة مدى امتثال الجهات المشرفة على معالجة البيانات الشخصية للأفراد- للقانون 18-07.”تفادي عمليات الاحتيال والجرائموأكد الخبير بشير تاج الدين، أن الجزائر بسنّ هذا القانون، تكون قد خطت خطوات هامّة نحو تنفيذ نظام معلوماتي وطني آمن، غير أنه من الضروري أن يعرف الأفراد أحكام القانون الخاص بحماية البيانات الشخصية، كل لما يسمح برفع درجة الوعي لديهم بحقوقهم اتجاه مختلف الخدمات الرقمية التي تتطلب إدراج بياناتهم الشخصية، التي يمكن استخدامها لأغراض خبيثة، مثل ارتكاب عمليات احتيال أو جرائم، حيث جاء القانون 18-07 بأحكام تمنع مثل هذه الانتهاكات وتلزم الشركات والمؤسسات الجامعة لبيانات الأشخاص باحترامها وحمايتها من التسريب أو الاستعمال السيء، ما يمكّن من تعزيز الثقة في المجتمع الرقمي، على غرار الشركات والدوائر الحكومية التي تجمع وتعالج بيانات الأشخاص، سواء بطريقة يدوية أو إلكترونية.ويشكّل القانون 18-07 الصادر في الجزائر، بحسب الخبير تاج الدين بشير، إطارًا قانونيًا شاملاً لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، حيث يهدف إلى تأمين الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للأفراد، تمت المصادقة على هذا القانون في 10 جوان 2018، وأصبح ساري المفعول في 10 أوت 2023 وهو يمثل خطوة هامّة نحو تعزيز الحقوق الرقمية وحماية المعلومات الشخصية في الجزائر، والتي تعرّف على أنها أي معلومات تتعلق بشخص طبيعي محدّد أو يمكن تحديده، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتضمن ذلك الاسم، العنوان، رقم الهاتف، البريد الإلكتروني، والمعلومات البيومترية، ويفرض القانون على الجهات التي تقوم بمعالجة البيانات (المسؤولين عن المعالجة) عمومية كانت أو خاصة، عدة مسؤوليات، من بينها، ضمان الامتثال للقانون واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية البيانات، تعيين مسؤول حماية البيانات للإشراف على الامتثال وتقديم المشورة وسمته نقطة الاتصال، زيادة على الإبلاغ عن الخروقات الأمنية التي تؤثر على البيانات الشخصية للجهات المعنية والسلطات التنظيمية.ولفت الخبير المتحدث، النظر إلى أن القانون 18-07 يعطي للأفراد حقوقا عدّة بشأن بياناتهم الشخصية، ومنها: حق الاعلام، الذي يلزم المسؤول عن المعالجة أن يبلغ الشخص عند جمع معلوماته، بغايات المعالجة ومع من سيشارك معطياته، إلى جانب حق الدخول، بطلب من الأفراد للوصول إلى بياناتهم الشخصية ومعرفة كيفية معالجتها، وحق تصحيح البيانات غير الدقيقة أو غير المكتملة. بطلب من الأفراد، وحتى حق الاعتراض على معالجة بياناتهم في ظروف محدّدة، كما ينص القانون على فرض عقوبات صارمة في حالة عدم الامتثال لأحكامه، والتي قد تشمل الغرامات المالية والعقوبات الجنائية للمسؤولين عن المعالجة الذين ينتهكون أحكام القانون- قد تصل هذه العقوبات إلى 5 سنوات سجن.رفع الوعي المواطناتيويعتقد الخبير هادف، أن الجزائر تقوم بعمل جبار من خلال إصلاح وعصرنة المنظومة القانونية والرقمية، من أجل التحوّل الرقمي، بالنظر لما تقوم به المحافظة السامية للرقمنة وحتى الهيئات الامنية من أجل تقوية قدراتنا الدفاعية للتقليل من مخاطر الهجمات السيبرانية، وهو ما يستدعي العمل أيضا على المستوى الأكاديمي ومستويات تعليمية أدنى، بهدف ايجاد مقاربة جديدة في التعامل مع البيانات وخاصّة البيانات الشخصية.وعن تحدّيات وآليات تأمين منظومة البيانات والمعطيات الشخصية في الجزائر، يرى هادف، أنه لابد من تحسين الإطار القانوني والتنظيمي من خلال قانون الرقمنة، سلطة ضبط، وتحفيزات جبائية للفاعلين والمتهمين بمجال الرقمنة وتسهيلات لإنجاز الاستثمارات في أنشطة الأمن السيبراني، زيادة على إعادة النظر في النصوص المرجعية للتشغيل البيني للأنظمة المعلوماتية، التي توجب وتلزم الربط بين كل المؤسسات والإدارات العمومية، موضحا أنه مع التقدّم التكنولوجي وزيادة الهجمات السيبرانية، يوفر القانون 18-07 إطارًا قانونيًا لمواجهة التهديدات وتطوير تدابير حماية فعّالة، كما يساهم في خلق بيئة آمنة وموثوقة للتكنولوجيا، مما يدّعم الاستخدام المسؤول والمستدام للمعلومات الشخصية في العصر الرقمي.خبير الرقمنة حسان درار : المواطنة الرقمية لمواجهة تحدّيات التحوّل الرقميالحديث عن التحوّل الرقمي حديث عن ضرورة بناء مجتمع مدني قادر على مسايرة هذا النظام الذي أدخل العالم في نموذج حياة موّحد، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال لنا كدولة محورية في منطقتنا إلا مواكبة هذه التطوّرات على اعتبار أن الاستثمار الأساسي يكمن في الفرد الواعي بواجباته وحقوقه في هذا العالم الافتراضي، وهذا بطبيعة الحال يمثل صورة واعدة من صور الجزائر الجديدة التي تتغير، بحسب ما أكده الخبير في الرقمنة د. حسان درار والأستاذ المحاضر بالمدرسة العليا الوطنية للمناجمنت في حديث لـ “الشعب” على اعتبار أن بلادنا تتطوّر في عالم متجدّد باستمرار الثابت الوحيد فيه هو التغيّر والتطوّر.أوضح د. درار العالم يعيش عصر التكنولوجيات والاتصال والتدفق العالي للمعلومات، بكل ما يحمله هذا الواقع من انعكاسات على مجمع الحياة العامة، بعدما كان القرن الماضي عهد التنظيم والإدارة، بكل ما عرفته النظم الإدارية من تطور نوعي غـير مسبوق، والناجم بالأساس عن بروز وتبلور مفهوم الدولة الاجتماعية حتى في عمق النظم التي كثيرا ما تبنّت مبدأ الدولة المراقبة غير المتدخلة، في حين يعرف العالم في القرن الـ 21 جملة من التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية استوجبت وضع آليات جديدة لتأطيرها ضمن النمط التكنولوجي المفروض، بما يضمن لها التعايش مع هذا النمط المعلوماتي أولا، وبلوغ الهدف المرجو المتمثل في تحقيق التنمية الشاملة لضمان استمرارية تلبية الحاجيات الاجتماعية، وترقية الخدمات العمومية في مرحلة ثانية.رقمنة وتحسين الخدمة العمومية لتلبية الطلب المجتمعيواعتبر المتحدّث أن الجزائر جزء من المنظومة العالـمية بكل ما لهذه المنظومة من تأثير، بحيث سعت إلى انتهاج التجديد والعصرنة لمواكبة هذه الموجة العابرة للحدود والقارات غيـر أن الواقع ما زال يبرز الحاجة الكبيرة إلى المزيد من العمل لتحقيق الغايات المطلوبة ولو مرحليا، مشيرا إلى أن هذه التحوّلات دفعت السلطات العمومية إلى وضع آليات ترتكز أساسا على استعمال الوسائل الحديثة المادية منها والبشرية لتكون القاطرة الـتي تخوض بها عملية تحسين وتعزيز الإدارة العمومية الجزائرية والقفز بها إلى مستوى المثالية.وأشار المتحدّث أن التوجه الذي أقرّه رئيس الجمهورية في تعميم أنماط التسيير الرقمي والمعلوماتية يهدف بالخصوص إلى عصرنة المرفق العام بالدرجة الأولى، بشكل يمسّ الجانب الهيكلي مثلما تمسّ أيضا الجانب البشري، حيث تجعل من هذا النمط جزءًا من ثقافتنا المؤسساتية، وفي مرحلة ثانية جزءًا من ثقافتنا الاجتماعية والفردية أيضا.ويرى د. درار أن كل ذلك يندرج في مسعى تلبية متطلبات المجتمع وتحسين الخدمات العمومية في الإطار التنظيمي المحدّد لهذا الغرض، قائلا: “إذا كان من الواجب الإقرار بأن هذه العملية قد مكنّتنا خلال السنوات الأخيرة من تحقيق مكاسب نوعية، بالخصوص في مجال التسيير الإداري، من خلال رقمنة الكثير من النشاطات القطاعية والعديد من الخدمات العمومية، إلا أن الوضع مازال يستلزم جهودا أكبر ومساعي أفضل للرقّي بالرقمنة إلى مستوى أعلى وفقا لما تقتضيه التحدّيات المتزايدة وما ينجلي عن التجارب المعاشة.”وبحسب الأستاذ المحاضر بالمدرسة العليا الوطنية للمناجمنت فإن هذه المعاينة ليست سوى وليدة واقع تأثر بعدة نقائص أهمها إشكالية الوعي العام المتمثل في عدم الاقتناع بفكر وثقافة الإدارة الالكترونية وعدم القدرة على التخلي على نمط الإدارة التقليدية البيروقراطية إضافة إلى مشاكل ذات صلة بالأمن المعلوماتي سيما مخاطر اختراق المنظومة المعلوماتية، ناهيك عن ترسيخ النظام التقليدي فكرا وممارسة لدى بعض المتعاملين العموميين والخواص وعدم القدرة وربما الرغبة أيضا في مجاراة التحوّلات والتطوّرات الرقمية في العالم، إلى جانب نقص العمل التوعوي والإعلامي الموجّه لتعميم فكر الرقمنة لدى عامة المواطنين.بنـاء مجتمع رقمي هادف يسرّع التحوّلويؤكّد د. درار أنّه أمام أهمية هذا المجال، وشدّة الحاجة الماسة لمجتمعنا للاندماج في الرقمنة بشكل أوسع وأسرع في آن واحد، قصد تقليص الفارق الرقمي ولما لا تداركه، فإنه يستوجب مواكبة هذه التغيرات العميقة في مجتمعنا وفي ثقافته عن طريق العمل في بناء مجتمع رقمي هادف من شأنه دعم جهود الدولة في الإسراع في إنجاح التحوّل الرقمي المنشود، مما يستدعي – بحسبه – إحداث ثورة ذهنية توعوية وتكوينية وتعليمية لدى المجتمع المدني حتى يكون الدرع الحامي للهوية والسيادة الوطنية، مشيرا إلى أن الجزائر تزخر بالكفاءات والطاقات الشبانية ذات الميول لعالم الرقمنة إلى درجة وجود ثروة معتبرة من المؤهلات ذات القدرة العالية، وهي الثروة التي تستدعي تأطيرا وتأهيلا مناسبين – على حد قوله – حتى نجعل منها الوعاء الحقيقي لإنجاح هذا التحوّل.إعداد مخطط عمل يرسّخ المواطنة الرقمية كمرجعوبحسب الأستاذ فإنه أصبح ضروريا أكثر من أيّ وقت مضى مجابهة التحدّيات التي يفرضها الوضع الراهن، وذلك عن طريق إعداد مخطط عمل يكون بمثابة مرجع لترسيخ المواطنة الرقمية على أسس المُكتسبات المُحقّقة والعقبات التي ينبغي تجنّبها، حيث يضطلع هذا المخطط بشكل أساسي إلى وضع آليات من شأنها ضمان تعاون والتنسيق بين جميع الجهات الفاعلة من المؤسسات، والشركات والكفاءات والمواطنين..، وذلك بهدف إقحام كافة شرائح المجتمع في سياسة الرقمنة باعتباره عنصر فعّال في عملية التوعية وتعميم أهداف الرقمنة لدى عموم المواطنين.وأشار محدّثنا أن المواطنة الرقمية التي تعني القدرة على الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا والمشاركة الفعّالة في الحياة الرقمية، تمثل الآلية الآمنة للتنقل في العالم الافتراضي، حيث تقوم أساسا على فهم الحقوق والواجبات على الإنترنت بنفس القدر الذي نفعله في العالم الواقعي، وبما أن القدرة على الوصول إلى المعلومات والتعبير عن الآراء والمشاركة في الحوارات الرقمية تعتبر حقوقا أساسية، فمن الجدير بالذكر أن نشير إلى هذه الحقوق تأتي مع واجبات مسأوية، مثل الالتزام بقوانين الإنترنت واحترام خصوصية الآخرين.وعليه فترسيخ مواطنة رقمية هادفة يواجه العديد من التحدّيات أهمها الخصوصية وأمان البيانات، حيث يجب على المواطن الرقمي أن يكون حذرا عند مشاركة معلوماته الشخصية عبر الإنترنت وأن يكون على علم بالقوانين المتعلقة بتأمين البيانات، إلى جانب ذلك، يجب على المواطن في هذا الفضاء الرقمي أن يكون قادرا على التمييز بين المعلومات الموثوقة وتلك التي ليس لها أساس من الصحة والمساهمة في الحفاظ على هويته الوطنية والمشاركة في حماية السيادة الوطنية هذا من جهة، ومن جهة أخرى توفر المواطنة الرقمية أيضا فرصا كبيرة، تمكن للأفراد والمجتمع من استخدام الإنترنت كوسيلة للتعلّم وتطوير المهارات، وأيضا للمشاركة في الأعمال الاجتماعية والنشاطات السياسية.التصرّف بمسؤولية لضمان استدامة العالم الرقميوبحسب درار فالمواطنة الرقمية ليست مجرد مسألة فردية، بل هي مسألة اجتماعية تؤثر على المجتمع بأكمله، خاصّة وأن فهم الحقوق والواجبات في العالم الرقمي والتصرف بمسؤولية فيه هو أمر حاسم لضمان استدامة العالم الرقمي والمساهمة في تحقيق التقدم والتنمية، إذا علمنا أن أبرز جوانب المواطنة الرقمية تطوير الوعي الرقمي، والذي يتضمن فهم الخصوصيات الرقمية ومكافحة الإعلام الكاذب والفهم السليم للحقوق والواجبات الرقمية.ويلخّص د. درار المواطنة الرقمية في مجموعة المبادئ والسلوكيات التي يمارسها المواطن الرقمي بالعالم الافتراضي، والتي تمثّل معايير التطوير المستمر للاستخدام المناسب والمسؤول والمتمكن للتكنولوجيا، ومن أجل تحقيق العناصر المكوّنة للمواطنة الرقمية، يجب الارتكاز على محاور أساسية تتعلق بتشجيع والتكفل بالمبادرات الهادفة لإنشاء فضاءات رقمية عن طريق وضع منصّات رقمية حول التحسيس والتوعية في الاستعمال الأمثل للتكنولوجيات الرقمية، التوعية حول القوانين والتنظيمات المتعلقة بالرقمنة في المعاملات، إلى جانب إقحام المجتمع المدني في سياسة الرقمنة باعتباره عنصر فعّال في عملية التوعية وتعميم أهداف الرقمنة لدى عموم الـمواطنين، وتشجيع الفكر الإبداعي في التكفل بجميع الإشكالات الـتي من شأنها إعاقة سياسة الرقمنة بمفهومها الشامل.في المقابل يرى أستاذ محاضر بالمدرسة العليا الوطنية للمناجمنت أن محور الحماية والمتعلق بالأساس بالأمن المعلوماتي والبيانات من أجل الحفاظ على سيادة الوطنية، يشكّل أهم المحاور التي ترتكز عليها المواطنة الرقمية، حيث تواجه جميع الدول عبر العالم تهديدات لأمنها وسيادتها الوطنيتين بسبب انتشار الإنترنت والعولمة وكذا الاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيات الرقمنة، وذلك عن طريق استعمال الإنترنت لاختراق نقاط الضعف في الأنظمة والشبكات والبنى التحتية.تزايـد الجرائم والهجمـات الإلكترونيــة..وأكد الخبير في الرقمنة أن الكثير من المؤسسات والمنشآت الصناعية في جميع أنحاء العالم تواجه تهديدات متزايدة من الجرائم الإلكترونية المتطوّرة، والجزائر ليست بمنآى من هذه الجرائم، حيث تظهر إحصائيات الدرك الوطني بخصوص الجرائم الإلكترونية في الجزائر ارتفاعا في السنوات الثلاث الماضية. فقد ارتفعت حالات “الجرائم الإلكترونية” (بين شكاوى الضحايا والبلاغات) بنسبة 38.30٪ العام الماضي، من 2838 قضية في عام 2021 إلى 4600 قضية في عام 2022، وخلال شهري جانفي وفيفري 2023 فقط، تمّ الإبلاغ عن أكثر من 500 قضية مرتبطة بهذا النوع من الجرائم.وبحسب المتحدّث تستهدف الهجمات الإلكترونية بشكلٍ أساسي الخصوصية والبيانات الشخصية للأفراد، حيث وصلت في عام 2022 إلى أرقام كبيرة تتراوح بين 65 و75٪ من القضايا التي تعاملت معها عناصر الدرك الوطني، فيما ترتبط باقي القضايا المعالجة باختراق أجهزة الكمبيوتر أو الشبكات أو الأجهزة المتصلة بالشبكة، بالإضافة إلى حالات تمسّ بالأمن والنظام العام.ومن بين الأسباب المشجّعة لهذا الارتفاع المستمر في الجرائم الإلكترونية سوء فهم أو تفسير خاطئ من قبل بعض المواطنين لمفهوم مثل هكذا جرائم والقوانين المتعلقة بهذا المجال، حيث ينطبق ذلك على سبيل المثال على الأشخاص الذين يشاركون أو يعيدون نشر بعض المحتويات التي تعتبر مسيئة أو إجرامية دون نية الإضرار في الكثير من الحالات ممّا لا يعفي مرتكب مثل هذه السلوكيات من المتابعات القضائية.إجراءات عديدة لتعزيـز الأمن المعلوماتـي بالجزائرولتعزيز الأمن المعلوماتي بالجزائر أشار د. درار إلى أن السلطات العليا للبلاد قامت بالعديد من الإجراءات في هذا الإطار، حيث كرسّ دستور 2020، ولا سيما في مادته 47، حقّ حماية البيانات وسلامتها، وذلك صونا للحرية الفردية والحياة الخاصة، ولضمان هذا الحقّ، قام رئيس الجمهورية، في 11 أوت 2022، باستحداث السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وبناء عليه، دخل قانون رقم 18-07 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي حيّز التنفيذ في 10 أوت 2023. حيث يحدّد هذا القانون التزامات مسؤول معالجة المعطيات الشخصية، وحقوق الشخص المعني بمعالجة هذه البيانات.وتم تفعيل الوكالة الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية التي من أبرز مهامها إعداد ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لأمن الأنظمة المعلوماتية، وسيكون لهذه الوكالة – بحسب المتحدّث – دورا بالغ الأهمية في نشر الوعي بأهمية الأمن السيبراني بين مختلف فئات المجتمع، مما سيساهم في تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال الأمن السيبراني وذلك عن طريق تبادل الخبرات والمعلومات وتطوير حلول مشتركة لحماية المؤسسات من التهديدات الإلكترونية.وإلى جانب ذلك تم إنشاء المدرسة الوطنية العليا للأمن السيبراني في الجزائر والتي تعتبر خطوة هامة نحو تعزيز الأمن السيبراني في البلاد، حيث ينتظر أن تساعد هذه المدرسة في سدّ النقص الحاد في المهارات المتخصصة في المجال من خلال تكوين كفاءات مؤهلة قادرة على حماية الأنظمة المعلوماتية من التهديدات الإلكترونية، وتوفير بيئة مناسبة للبحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني، لاسيما في تطوير حلول مبتكرة لحماية المعلومات من التهديدات الإلكترونية المتطوّرة.في المقابل يرى د. درار أن التحسيس والترسيخ لمواطنة رقمية هادفة يبقى من أبرز العوامل التي تساعد في مواجهة التحدّيات المتعلقة بأمن المعلومات وبالتالي ضمان السيادة الرقمية، لأنه لا يمكن حماية الأنظمة المعلوماتية ومكافحة ظاهرة الجرائم الإلكترونية دون مشاركة قوّية من المجتمع المدني ووعي عام بمخاطر هذا النوع من الجرائم مما يستوجب نشر وتعزيز الوعي الأمني بين المواطنين، وذلك من خلال البرامج التدريبية بتقديم برامج تدريبية حول أساسيات الأمن الإلكتروني والتهديدات الشائعة، وإطلاق حملات التوعية لزيادة وعي المواطنين بالتحدّيات الأمنية وأهمية حماية البيانات والأنظمة، ناهيك عن وضع لدى المؤسسات العامة والخاصة سياسات أمن معلومات واضحة ومفهومة يلتزم بها الجميع وتبني برنامج الإبلاغ عن المخالفات والأنشطة المشبوهة سواء لدى المواطنين أو المؤسسات. عومر بوسيف: حماية البيانات الشخصية مسؤولية قانونيـة يرى عومر بوسيف مختص في الحلول التكنولوجية أن “حماية المعطيات والبيانات الشخصية أو “حجم المعلومات” التي تمتلكها المؤسسات العمومية والخاصة هي مسؤولية اجتماعية تحتاج إلى توظيف مزيد من الجهود والامكانيات لاستحداث تكوينات جديدة، ومؤسسات ناشئة مختصة في المجال إضافة إلى فتح مناصب عمل خاصة بالحماية والأمن السيبراني داخل المؤسسات”.أكد عومر بوسيف مختص في الحلول التكنولوجية لـ “الشعب” أهمية حماية وحفظ المعطيات والبيانات الشخصية، مشددا على ضرورة التزام المؤسسات والشركات التي تمتلك “Big data” أو “حجم المعلومات” بذلك، حفاظا على خصوصيات وأمن وسلامة الأشخاص”.وقال عومر “إن المقصود بالمعطيات الشخصية أي الاسم واللقب والعنوان والحالة الاجتماعية غير أن البيانات التي نتكلم عليها أو يتحدث عنها القانون هي ذلك الكم الهائل من المعلومات عن الأشخاص التي تمتلكها الهيئات والمؤسسات مثل الإدارات والتي يجب أن يحافظ عليها من كل محاولات الاستعمال خارج نطاق التخصّص أو إفشائها إلى هيئة أو مؤسسة أخرى”.وأشار إلى أن العالم سجل منذ “سنة 2010 عدة عمليات قرصنة للبيانات التي كانت بحوزة مؤسسات وإدارات كبيرة أجنبية، الأمر الذي دفع بالكثير من الدول والحكومات في عصر الرقمنة واستعمال الذكاء الاصطناعي والتفوّق التكنولوجي إلى التوعية بأهمية «حجم المعلومات” أو Big data” وخطر سوء استعمالها، لهذا بات من الضروري الدفع بالمؤسسات لوضع كل التدابير اللازمة وتسخير كل الوسائل والمجهودات لحمايتها.”وبات منذ ذلك الحين على الجميع “اللّجوء الى بعض وسائل الحماية بمستويات متفاوتة والحرص على الحفاظ على البيانات وسلامتها من خلال سنّ القوانين وتحديث تقنيات وحلول الحماية والسهر على تطويرها”، ولم تتخلف الجزائر يقول عومر “عن الركب، فقد بادرت إلى سنّ القوانين واتخاذ التدابير اللاّزمة، من أجل حماية البيانات الشخصية وحماية المواطن والمجتمع”.ولقد شهدنا أن “السلطة الوطنية لمعالجة البيانات الشخصية دعت منذ تأسيسها كل المؤسسات العمومية والخاصة التي تتعامل بالبيانات الشخصية الى التوقيع على ميثاق ينص على استقبال البيانات الشخصية والحفاظ والمحافظة عليها وعدم اعطائها أو تسليمها لأي أحد آخر، تمضي عليه المؤسسة ثم ترسله الى السلطة على موقعها الالكتروني”.وكشف المختص في الحلول التكنولوجية أنه “في حالة تسجيل سوء استعمال للبيانات هناك بعض الالتباس في الأمر حين التحدث، حيث يتم تصريح من قبل المؤسسات أنه تم اختراقها وقرصنة رصيدها المعلوماتي في حين تبقى فرضية أن المؤسسة هي من تبعث بالبيانات إلى غير القائمة، ويبقى أمام المشرع الإشكال الكبير في إثبات هذا أو ذاك”.ويتوجب يقول المتحدث على المشرع “أن يشجّع المؤسسات على استعمال أنظمة الحماية المتقدمة لأن الأمر يتوقف اليوم على طريقتين استعمال القوانين أو الردع وأيضا اللّجوء إلى استراتيجية الاجبار عن طريق التحفيز، أي يتم على سبيل المثال تشجيع كل مؤسسة على تطوير أنظمة حماية البيانات من خلال اعطائها بعض الامتيازات الضريبية”.كما يجب بحسبه “تشجيع المؤسسات على الاستثمار أكثر في وسائل الحماية، الأمر الذي يمكن من فتح مناصب متخصصة في حماية البيانات فإن هناك مهندس إعلام آلي وهناك مختص في حماية البيانات ومع التحوّل الرقمي الذي يشهده العالم بات من الضروري تقديم حلول مبتكرة ومتقدّمة في مجال حماية البيانات، مع الحرص على تطويرها المستمر.”ويرى بوسيف أن من “بين الحلول التي قد تساهم في حد كبير في تعزيز سبل مجال حماية المعطيات هي توظيف البحث الجامعي من خلال ابتكار الحلول التكنولوجية تشجيع المؤسسات الناشئة المتخصصة في حماية المعطيات فتح تخصصات جديدة في ذات السياق”.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/08/2024
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشعب أونلاين
المصدر : www.echaab.dz