يذكر ابن الخطيب أن أهل غَرناطة كانت فصيحة ألسنتهم، عربية لغاتهم يتخللها عرف كثير وتغلب عليها الإمالة(1)، فإلى جانب اللغة العربية الفصحى، التى كانت تستعمل في تحرير المراسلات الرسمية والظهائر السلطانية، وفي قرض الشعر وصياغة النثر، وجدت في الأندلس لهجة عربية مصبوغة بكلمات رومانسية(2) تظهر في الزجل والرسائل العادية والعقود المحررة(3)، وقد دخلت هذه الكلمات الرمانسية والترقيق والتفخيم إلى اللهجة المغربية الأندلسية لمجاورة هذه البلاد للفرنج(4).
وأدرك ذلك ابن خلدون فقال: “فلأن البعد عن اللسان العربي نما هو بمخالطة العجمة فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد”(5).
ويذكر ابن سعيد ” أن كلام أهل الأندلس الشائع في الخواص والعوام كثير الإنحراف عما تقتضيه أوضاع العربية، حتى لو أن شخصًا سمع كلام الشلوبيني(6) لضحك بملء فيه من شدة التحريف الذي في لسانه، والخاص منهم يتكلم بالإعراب”(7).
كان أهل غَرناطة يبدلون القاف كافًا فكانوا يقولون “حك” و”حكة” لنوع من الأوعية بدلًا من “حق” “حقة”(8). وتذكر المصادر أن أبا حيّان الغرناطي الذي هاجر إلى مصر واستوطن بها كان ينطق القاف قريبة من الكاف على عادة أهل غَرناطة، على أنه كان لا ينطق بها فى القرآن إلا صحيحة(9)، وكانوا يسقطون النون الأخيرة في الكلمة فينطقون بين “بيى” ويقلبون الألف ياء مثل “بيب” بدلًا من باب و”ميل” بدلًا من مال و”نيب” بدلًا من ناب(10).
وتنفرد اللهجة الأندلسية بصيغة التصغير في أسماء البلاد كما كانوا يصغرون الأسماء من وزن فعل على “فعيل” ومن ذلك قولهم “جميل” بدلًا من جمل و”كليب” بدلًا من كلب و”فليس” فلس و”فريس” فرس(11).
وكذلك تظهر “ون” في صيغة المؤنث، فهي تبدو في أسماء الأعلام من النساء مثل عيسونة وهذا الإسم مكوّن من عيسى مضاف إليه “ونة” (12) وكذلك إضافة “ون” على الأسماء كصيغة للتفخيم أو التعظيم مثل خالد “خلدون” زيد “زيدون” غالب “غلبون”.
وقد اثبت ابن هشام اللخمي في كتابه عن لحن العامة في الأندلس عدد من الألفاظ الأعجمية التي دخلت إلى لغة العامة من جيرانهم أصحاب اللغتين الأعجميتين القشتالية والأمازيغية المغربية مثل “سفنرية” بمعنى جزر وهي من الإسبانية “Zanahoria” و”قبلق” بمعنى السلحفاة وهي فى الإسبانية “Galapago”، كما كانوا يقولون لما تجعله المرأة على رأسها تحت مقنعتها من حرير أو غيره “كنبوش” وهو “Cambuj” في الإسبانية(13).
وقد دخلت كذلك بعض الألفاظ المشرقية إلى اللهجة الغرناطية من ذلك ما وصف به ابن الخطيب السلطان محمد بن اسماعيل بإنه كان “حرفوشًا على عرف المشارقة”(14).
ومنه أيضًا ما ذكره ابن الخطيب عند قوله:
حصحص الحق يا خوند فدعنى ** أما راودت يوسفًا عن نفسه (15)
______________________________________________________مظاهر الحضارة فى الأندلس فى عصر بنى الأحمر، تأليف أ.د. أحمد محمد الطوخي
1-ابن الخطيب، اللمحة البدرية ص27.
2- اللغة الرومانسية هي لغة أصلها اللغة اللاتينية وتعد أحد فروع اللغات الهند وأوروبية أغلبيتها في جنوب أوروبا، مثل: الإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية والكتلانية.
3-حسن حسني عبد الوهاب، الجمانة في إزالة الرطانة في لغة التخاطب فى الأندلس وتونس.
4-المقري، نفح الطيب ج3 ص295.
5-ابن خلدون، المقدمة ص558 و559.
6- هو عمر بن محمد بن عبد الله الازدى الإشبيلي، النحوى المعروف بالشلوبينى وكان إمامًا في النحو، وله مصنفات كثيرة وشرح كتاب سيبويه.
7-المقري، نفح الطيب ج 1 ص 206.
8-حسن حسني عبد الوهاب المرجع السابق ص 23.
9-المقري، نفح الطيب ج3 ص295، ابن حجر، الدرر ص302.
10-حسن حسني عبد الوهاب، المرجع السابق ص23
11- المرجع السابق ص28
12-لويس سيكودى لوثينا، وثائق عربية غرناطية من القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي ص16.
13-عبد العزيز الأهوانى، ألفاظ مغربية من كتاب ابن هشام اللخمي في لحن العامة مجلد3 صفحات 38 و41 و53.
14-ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة ج1 ص 531 وكلمة حرفوش في لغة أهل المشرق تعني الرعاع وزعر العامة الذين يعشون على النهب والسرقة والمشاركة في المؤامرات.
15-ابن الخطيب الاحاطة “الاسكوريال” لوحة 452، المقري، نفح الطيب ج9 ص178 وكلمة خوند لفظ تركي او فارسي، معناه السيد أو الأمير ويخاطب به الذكور والإناث ومثال على ذلك شجرة الدر التي كان أمراء المماليك يخاطبونها بهذا اللقب. المقريزي، السلوك ج1 ص401
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/09/2017
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : داليا راشد
المصدر : andalushistory.com