الجزائر

اللايكات” لا تصنع روائيًا.. و”فيسبوك” سفينة للحمقى



“دكاكين النشر” وراء فوضى الروايات في العالم العربي
“بن هدوقة” جنتلمان الرواية الجزائرية وهذا رأيي في “وطار”
اعتبر الروائي لحبيب السايح أن وصول روايته الأخيرة “أنا وحاييم” للقائمة الطويلة لجائزة البوكر دلالة على أن الرواية في الجزائر، المكتوبة بالعربية، تأخذ لها مساحة ومكانة معتبرتين في مشهد السرد العربي.
ح.ط
قال الروائي لحبيب السياح إنه يعتبر نفسه واحدا من بين كتاب الرواية الجزائريين الآن، الذين يضيفون إلى مسار المؤسسين بعدًا جديدًا في الرؤية والتجريب والأساليب، وأعتقد أن نص «أنا وحاييم» يمكن وضعه في هذا الاتجاه.
وذكر السايح في حوار أجراه مع جريدة الدستور المصرية أن الجائزة، أيًا كان نوعها وطبيعتها ووزنها، خاصة تلك التي تجلب اهتمام الكتاب أنفسهم والقراء وتحظى بتغطية إعلامية واسعة ومؤثرة، تحدد توجهًا للرأي العام الأدبي، لمدة معينة، نحو هذا البلد أو ذاك الذي يفوز كاتبه بهذه الجائزة أو تلك، وتوسع من دائرة انتشار الكاتب أفقيا، وترفع من نسبة القراء، وتعدل لديهم الذوق، بلا ريب.
لكن، يوضح السايح الذي يخرج عن صمته في هذا الحوار بعد أن كان يرفض إجراء حوارات صحفية في الفترة الأخيرة مع أي وسيلة لأسباب تخص الكاتب: حتى لو كان لأي جائزة كل هذا التأثير، سيبقى للرواية الأخرى، التي لا تدخل المنافسة أو دخلت ولم تتوج، أثرها في ترسيم تلك الخارطة، فهي الآن، أي الرواية، أكثر ارتباطًا ببيئتها الجغرافية وتجربة بلدها التاريخية والسياسية وتحولاته الاجتماعية والثقافية.
ولعل هذا راجع إلى مسألة الهويات التي أضحت اليوم أحد محركات الكتابة الروائية في العالم العربي، وعليه، يمكن القول إن تلك الخارطة، مهما يكن رسمها، ستظل متحولة المواقع، ليس بفعل ما تحدثه الجوائز، فحسب، ولكن أيضا بما تسهم به الكتابات الروائية الجديدة في كل بلد من بلدان العالم العربي.

الكاتب يضطر إلى ممارسة رقابة ذاتية على نفسه
وعاد السايح للحديث عن روايته الأولى “زمن النمرود” التي صدرت عام 1985، وتعرضت للمصادرة، وأبرز أن العمل شكل لديه رؤية أخرى للكتابة، فلا كاتب في العالم العربي حسبه بمنأى عن سلطة الرقابة، حتى ولو كانت رقابة بعدية، كما هي الحال في الجزائر، فإلى وقت قريب كان سيف الرقابة في العالم العربي ترفعه السلطة السياسية على رقبة الكاتب، واليوم يبدو أن هناك تحالفًا بين السياسي والديني لقمع كل ما من شأنه أن يثير المسكوت عنه أو يعري القبح ويفضح الفساد يضيف ذات الكاتب.
وأمام مثل هذه الحال يجد الكاتب نفسه فى غالب الأحيان مضطرا إلى ممارسة رقابة ذاتية مؤلمة، كثيرا ما تحْسِر رؤاه وتضر بجماليات نصه، يضاف إليه أن دور النشر لا تغامر، اليوم، مع كتابات هي تعرف مسبقا أنها تتعرض لمنع تسويقها أو مشاركتها في المعارض في هذا البلد أو ذاك. إنها، في اعتقادي، حرب باردة دائمة لن تتوقف بين الكاتب والرقيب.
ونفى صاحب “كولونيل الزبربر” أن يستطيع الكاتب في العالم العربي أن يفرض على نفسه شروطًا للكتابة، كتلك التى يقننها لنفسه غيره من الكتاب في العالم المتقدم، إذ هو لا يعيش ولا يستطيع أن يعيش من مصادر كتابته”، وشخصيا، لا أعرف كاتبا عربيا لا يعمل ضمن وظيفة أصلية، هي التي تضمن له حدًا من الكرامة، غير أن طبيعة وظيفة هذا الكاتب أو ذاك هي التى تتدخل، بشكل حاسم، في المدة والميقات المخصصين للكتابة”.

تفرغت من كل وظيفة في سنة 2000
مضيفا: فالتدريس في الجامعة، مثلا، يمنح الكاتب هامشًا مهمًا وكبيرًا لتوزيع وقته بين مهمة التدريس والكتابة، ولا يأتي إلى ذهني أن الكاتب الذي يشتغل في الصحافة محظوظ. فهو في اعتقادي «أشقى كاتب»، لأن مهنة الصحافة لا ترهق فحسب ولكنها تدمر الرغبة في الكتابة، لذا، التفرغ النسبي أو الكلي للكتابة هو وحده ما يتيح للكاتب في العالم العربي أن يكون له ذلك الأداء الصارم؛ لأنه سيد على نفسه حائز على حريته”.
شخصيًا، تفرغت من كل وظيفة في سنة 2000 فصارت الكتابة هي «وظيفتي» الجديدة ألتزم لها ب8 ساعات يوميا (من غير عطل إلا الأعياد)، وهذا في الحالات العادية. فقد يرتفع عدد الساعات حين يكون النص بلغ درجة تتطلب أن لا ينحرف أو يتوقف.
وعن رأيه في عبدالحميد بن هدوقة والطاهر وطار أجاب قائلا: أولا، هما بالنسبة إلىّ معلمان، تدربت على كتابتيهما، وأعتز بكوني أطور من مشروعهما التأسيسى، فأنا من الجيل الذى يعترف بجهدهما التأسيسي، ومن حظى أني عايشتهما وأنا كاتب شاب، وكنت مبهورًا بما يكتبانه وقتها، لذا لا تجد كاتبا من جيلي لا تخلو أعماله الأولى من تأثيرهما.
إننا جيل بأكمله انبهرنا ب«ريح الجنوب» و«الجازية والدراويش» لعبدالحميد بن هدوقة، و«اللاز» و«الزلزال» للطاهر وطار، لأنها شكلت علامات فاصلة فى تجربتيهما المختلفتين، اللتين ستعطي «الطاهر» انتشارا أوسع لجرأته في تناول موضوعات حساسة وقتها، ولعلاقته مع اليسار الجزائري والعربي في أوج صعودهما، وتخص «بن هدوقة» بانتشار لا يقل أهمية، ولكن ليس بالجرأة نفسها، لأنه ظل خلال مساره «جنتلمان الرواية الجزائرية»، فلم يدخل في «جدالات» وسجالات كما كان يفعل «الطاهر»، لأسباب ليس هذا مكان إثارتها.
واستمر «بن هدوقة» محافظًا على أناقته في الكتابة وفي المظهر، ومن هنا كانت له هذه المكانة المحترمة جدًا فى نفوس الجزائريين، وهو اليوم يحظى كتكريم لمساره وتجربته بملتقى وطنى للرواية ينظم باسمه في منشئه بمدينته «برج بوعريرج».


النشر الإلكتروني والسوشيل ميديا تكاد تحل محل الصحافة الثقافية
وفي سؤال حول الانتشار الكبير للروايات ربما بسبب كثرة دور النشر الخاصة ونشرها للأعمال بلا رقيب قادر على الانتقاء وتأثيرها في وضعية الأدب أجاب السايح “تلك حقيقة تلفت الانتباه. إنه تدفق عارم من النصوص الروائية لم يسبق له مثيل في العالم العربي، وهو بلا شك يغمر الأعمال الجيدة نفسها، بل أصبح مظهرا من مظاهر التساوي بين النصوص الجيدة الأصيلة والنصوص الرديئة وحتى المسروقة جزئيا من الأفلام والروايات العالمية من لغات بعيدة عن اللغات الشائعة في العالم العربي، فما سهل ذلك هو «دكاكين النشر».
ومن هذه «الدكاكين»، النشر الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تكاد تحل محل الصحافة الثقافية والنقد نفسه، وفي تلك الحالات كلها لا حدود ولا ضوابط ولا معايير، فأنت يمكن لك أن تركّب غلافًا ما بعنوان ما وتكتب عليه «رواية» وتنشره على صفحتك فى «فيسبوك» لتتهاطل عليك «اللايكات» فتصبح من لحظتها «روائيا» هذا إن لم تلقب بألقاب كبيرة لا يحظى بها الروائيون أنفسهم. إنها «سفينة الحمقى» التى تستقلها حشود العالم الافتراضي. لكن رغم ذلك هناك مبدعون ومتابعون ونقاد ودارسون حقيقيون يقومون بعمل جبار وسط هذه الفوضى، من أجل غربلة ما هو حقيقي وأصيل للدفع به إلى واجهة القراءة، لأن ذلك أحد شروط النهضة الأدبية العربية المعاصرة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)