الجزائر

الكرنطيطة أكلة "الزوالية" المفضلة



الكرنطيطة أكلة
تشتهر العديد من المناطق بالجزائر بالأكلات الشعبية على اختلاف أنواعها، ومن بينها ”الڤرنطيطة” التي لا يكاد يخلو شارع أو طريق من محل لبيعها، نظرا لكونها الأكلة المفضلة، ل«الزوالية” محدودي الدخل، بسبب سعرها المعقول.تعتبر أكلة ”الڤرنطيطة” من أصل إسباني، إذ يعود ظهورها حسب عدد من الروايات غير الرسمية، خلال القرن الثامن عشر، بوهران غرب الجزائر، إبان حقبة الاحتلال الاسباني، حيث قام الباي العثماني بوشلاغم بمحاصرة حصن الجنود الإسبان لعدة أيام، ما أدى إلى نفاد المخزون الغذائي، ولم يتبق بالمطبخ سوى كيس واحد من الحمص، ما جعل الطباخ يقوم بطحنها وتحضير طبق أصبح يطلق عليه اسم ”الكلانتيتا” أي الدافئ باللغة الإسبانية، نظرا لأن الطبق يؤكل ساخنا.
أما روايات أخرى، فتقول إن الطبق جزائري مائة بالمائة، حيث يعود ظهوره إلى فترة الحكم العثماني، حيث إن امرأة تقطن بوهران نفد مخزون بيتها ولم تجد ما تطعم به أبنائها فقامت بطحن الحمص، وتحضير ”الڤرنطيطة”، ومنذ ذلك الوقت انتشر الطبق في أوساط الجزائريين، وكان قديما يتم بيعها من قِبل الباعة المتجولين في الشوارع والأسواق الأسبوعية، قبل أن تستقر في محلات الأكل الخفيف.
لا يختلف اثنان أن ”الڤرنطيطة” تعتبر الوجبة المفضلة للزوالية محدودي الدخل، ما يفسر تواجد أغلب محلاتها بالأحياء الشعبية على غرار باب الوادي والحراش والمدنية بالعاصمة، والحمري وڤومبيطة وسان بيار بوهران، وإن كانت العاصمة ووهران الأكثر شهرة بالأكلة الشعبية، إلا أن ذلك لم يمنع رواجها في مناطق أخرى.
ويعترف العديد من باعة ”الڤرانطيطية” أن زبائنهم من فئة ”الڤليلين”، نظرا لسعرها الذي يعتبر في متناول الجميع، إذ يبلغ سعر الساندويتش أو ”الكاسكروط” ما بين 15 و30 دج، كما إن التعود على تناولها، يخلق لك نوعا من الإدمان اتجاهها، حسب مستهلكيها.
محلات ”الشوارما” تفشل في إزاحة ”الڤرنطيطة”
ولمعرفة قصة العشق التي تولّدت بين الجزائريين و«كاسكروط” الڤرنطيطة، نزلنا إلى الشارع فكانت وجهتنا الأولى باب الوادي أعرق الأحياء الشعبية بالعاصمة، بالإضافة إلى اشتهاره بكثرة محلات المرطبات، يعرف تواجد عدد كبير من محلات الأكل السريع، التي تخصصت في تحضير الڤرنطيطة، على مر سنوات.
وفي السنوات الأخيرة مع ظهور نوع جديد من ”الكاسكروط” أو ما يعرف بالسندويتش الذي يتشكل من سلاطة وبطاطا مقلية وإضافات مثل الدجاج أو اللحم أو الشاورما السورية، التي أضحت الوجبات الرئيسية للعديد من الجزائريين، خاصة العاملين الذين يضطرون إلى تناول وجبة الغذاء خارج البيت، الأمر الذي جعل العديد من أصحاب محلات الأكل السريع يستبدلون ”الڤرنطيطة” بالشاورما التي تعتبر الأكثر مداخيل، مثلما قال عمر الذي يملك محلا للأكل السريع بشارع عبد الرحمن ميرة بباب الوادي: ”بقيت لمدة سنوات استرزق من ”الڤرنطيطة”، لكن بعد ظهور محلات أكل سريع جديدة، ركبت الموجة أيضا، خاصة وأن أخي المقيم بإسبانيا ساعدني برأس مال محترم لتجديد المحل، الذي أضحى ضروريا، ذلك أن الزبون يأكل بعينيه ويفضل تناول وجبته في مكان لائق مع قليل من الرفاهية”، وبعد تجديد عمر لمحله كان لزاما عليه تجديد خدماته، فاستنجد بسوري لصنع الشوارما، و«بيتزاريو” صانع البيتزا، بالإضافة إلى ”بلاكيست” المكلف بتحضير السندويتشات، وعرف نشاطه ازدهارا لدرجة أنه فتح محلا ثانيا بدرارية، يضيف: ”التجربة نجحت، خاصة مع الشوارما الي كانت الطبق المفضل للزبائن، لكن العديد منهم كانوا يسألون في كل مرة عن ”القرنطيطة” غير أنني رفضت إعادتها إلى قائمة الطعام، إلى أن جاء أخي من إسبانيا، الذي قلب عليّ المحل لعدم وجودها. وأمام إصراره وإصرار الزبائن الذين يسألون يوميا عنها، اضطررت إلى إعادتها”.
وإن كان عمر قد استطاع تغيير نشاطه واستبدال الڤرنطيطة بالشاورما، فإن حميد ابن ”لاڤلاسيار” بباش جراح لم يستطع ذلك حيث قال: ”اشتغلت في الصحراء وجمعت بعض المال، لأقرر استثماره في محل لبيع الأكل السريع، خاصة وأن والدي يملك محلا لبيع ”الكوكا” نوع من البيتزا والڤرنطيطة، وبعد تجديد المحل وجلب معدات وآلات جديدة قصد الشروع في العمل، لكن ليلة قبل أن أفتح المحل، وأثناء اجتماع العائلة على طاولة العشاء تحدثنا أنا والوالد في الموضوع، ولما علم بأني لن أصنع الڤرنطيطة ثارت ثائرته وأقسم لي أنه لن يسمح لي بفتح المحل، ورغم تدخل إخوتي الكبار ووالدتي إلا أنه رفض قائلا: ”كي تخدم الشوارما ب150دج والڤلّيل واش ياكل”. ما جعل حميد مجبرا على صنعها والآن بعد مرور 3 سنوات يقول: ”لازلنا نحضّرها بسبب إقبال الزبائن عليها”.
صنّاع ”الڤرنطيطة” يتحوّلون إلى نجوم
ولأن لكل مهنة أصحابها، فللڤرنطيطة أيضا نجومها من صانعين ماهرين ذاع صيتهم، وأكسبتهم المهنة محبة، خصوصا بالأحياء الشعبية، فأضحى لكل حي نجم بارع في مداعبة طحين الحمص والماء، فمثلا بحي المدنية ”صالومبي” تربّع ”يحي زبادي” على قلوب عشاق الڤرنطيطة، والحال نفسه مع ”عمي عمر” بحي وادي أوشايح بباش جراح.
ورغم أن وصفة تحضير ”الڤرنطيطة” سهلة، إلا أن لكل محل لمسته في تحضيرها، ولكل صانع ميزته فيها، ومؤخرا أصبحت تشهد إضافات جديدة كالجبن و«الفريت” بطاطا مقلية، والتونة، إلا أن أغلب صانعيها أكدوا أن ”بنّتها” تكمن في ”كاسكروط” برشّة كمون وقليل من الهريسة الحارة.
أثرياء يزاحمون الزوالية في ”الكبدة البيضاء”
وبفعل شعبيتها اكتسب الڤرنطيطة ألقابا عديدة، من بينها ”الكبدة البيضاء” أو الكبد الأبيض، فالكبد ونظرا لغلاء سعرها تبقى رهينة بطون الأثرياء، أما ”الزوالية” فيكتفون بالكبدة البيضاء التي يقولون إن مذاقها و«بنتها” لا تختلف عن الكبد!
وأوضح عدد من الباعة أن زبائنهم لا يقتصرون على فئة ”الزوالية” وأطفال المدارس، بل إن هناك ميسوري الحال لا يجدون حرجا في الوقوف في طابور للحصول على ”كاسكروط”، بل إن هناك من يتنقّل إلى أماكن معينة من أجل تذوق الڤرنطيطة عند محلات بعيدة.
بورتري
أقدم صانعيها في باش جراح
عمي عمر لقاط: سر الڤرنطيطة يكمن في كيفية تحضيرها
يعتبر عمر لقاط، أو عمي عمر كما يحلو لأهل باش جراح مناداته، من أقدم صانعي ”الڤرنطيطة” في المنطقة، حيث أكسبته شهرة واسعة حتى من خارج العاصمة والوطن، وكثيرا ما يكون زباؤنه ممن ألفوا ذوق ”الڤرنطيطة ” الأصلية من خارج المنطقة.
ويقول عمي عمر إن حكايته مع ”الڤرنطيطة” تعود إلى أكثر من عقد من الزمن، إذ لم يكن يتصور أنه في يوم من الأيام سوف يدخل المطبخ، علما أن صهره ”عمير” الذي انطلق في صنعه خلال السبعينيات ولازال يبيعها متجولا بسوق باش جراح إلى غاية يومنا هذا.
وأضاف عمر لقاط أن ظروفه هي التي أجبرته على دخول المهنة، حيث اكتفى في البداية ببيع ”المطلوع” وخلال شهر رمضان كان يبيع البقلاوة، ليتوقف بعدها، ويكتفي بصنع البيتزا، غير أن صديقه اقترح عليه صنع ”الڤرنطيطة”، ومنذ الصينية الأولى أضحت مطلب الكثير من سكان الحي.
ويقول عمي عمر: ”لم أكن أحسن لمس الفرينة، لكن بعدما دخلت المجال عشقت مهنتي وصنع الڤرنطيطة، خاصة أمام طلبات سكان الحي، لدرجة أني كنت أحضر 16 صينية من الحجم الكبير خلال النهار”.
وعن سر وصفتها قال محدثنا: ”ليس هناك سر في الوصفة، لكن السر يكمن في كيفية تحضيرها وخلط مكوناتها ولكل طريقته في ذلك، إلا أن المكون الأساسي فيها وهو الحمص يجب أن يكون ذا نوعية جيدة”.
ولأن لكل مهنة متاعبها، قال عمر إن المهنة تسبب لصاحبها أعراضا بعد سنوات كظهور الدوالي جراء الوقوف طيلة النهار، وكذا الإصابة بأمراض صدرية، حيث إن حرارة الفرن تؤثر عليهم.
ورغم أنه يشتغل في محل صغير أسفل بيته، بعد رفض مصالح بلدية باش جراح تمكينه من الاستفادة من محل، يواصل عمي عمر نشاطه في بيع الأكلة المفضّلة لأهل الحي.
أبدعها إسباني لمواجهة الجوع في وهران
”الكرانتيكا” الطبق الوطني الأول قبل الكسكسي
في وهران لا يأكل الناس ”الكرانتيكا” كما تعرف في الغرب أو الڤرنطيطة كما تسمى في الوسط، وفي مستغانم تكلّف العائلة أحد أفرادها لإحضار هذا الطبق قبيل الإفطار في رمضان. وحيثما تنقّلت في غرب البلاد، تجد الزحام في محلات ”الكاران” كما يختصره الوهارنة، أو ”الحامي” كما يسميه ”العبابسة” و«التموشنتية”.
صارت ”الكرانتيكا”، وهو الاسم الأصلي لما يسمى في وسط وشرق البلاد ”ڤرانطيطة”، الطبق الوطني الأول قبل الكسكسي. وهذا بعد أن انحصر تحضير العائلات الجزائرية للذي كان طبقها الأول على أيام الجمعة والمناسبات، حيث بدأ يختفي في الأعراس والولائم السعيدة، لتحافظ عليه الجنائز، حيث ألغته فيها بعض العائلات التي تريد أن تظهر ثراءها ومواكبتها للعصرنة حتى في الموت.
ويقال إن هذا الطبق ”أبدعه” طباخ إسباني كان محاصرا مع زملائه العسكريين في حصن جبل ”هيدور”، المطل على مدينة وهران من الجهة الغربية، في القرن الثامن عشر، كادوا أن يموتوا جوعا. ولم يكن الطباخ يملك غير الحمص الجاف. فطحنه وخلطه بالماء والملح، ثم طهاه وقدّمه للجنود. هذه هي الرواية المتداولة حول أصل هذه الأكلة الشعبية. أما تسميتها، فيقال إنها مشتقة من كلمة ”كاليينتي” الإسبانية، والتي تعني الساخن. وهو ما جعل العبابسة يطلقون عليها تسمية ”الحامي”. ومنذ ذلك القرن أخذت هذه الأكلة مسارا، وتحوّلت تسميتها إلى ما يلائم المناطق التي تستهلك فيها. فصارت ”كرانتيكا” في وهران وغيرها من التسميات في غيرها من المدن. ورغم اختلاف التسميات إلا أنها حافظت على أصلها: الحمص المطحون مع الماء والملح، وأضاف لها الناس مكونات أخرى حسب أذواقهم وإبداعاتهم المطبخية. وصارت معروفة في الشرق والغرب أنها أكلة جزائرية، حتى وإن كان الأشقاء المغاربة يتبنّونها ويدّعون أنها مغربية، مثلما يدّعون أن أغنية الراي مغربية أيضا. في عاصمة الغرب الجزائري يأكل الناس ”الكاران” مثلما يشربون الماء. وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي ومضبوط للمحلات المتخصصة في هذه الأكلة، كما هو الشأن في غيرها من النشاطات، فإنه يستحيل ألا تجد محلا أو طاولة للكرانتيكا، في أي بقعة توجد فيها في وهران. وحتى هواة السمر يجدونها ”حامية” قبل طلوع الفجر عندما يغادرون الملاهي في حي البحيرة الصغيرة قرب مستودع شركة نفطال، حيث يعرضها تاجر متجول لعمال الليل الذين يستهلكونها قبل العودة إلى منازلهم.
وفشلت كل ربات البيوت في وهران في منع أبنائهن من تناول هذا الطبق في الخارج، حيث يتفنن في تحضيرها في المنزل، بإبداع، عن طريق إضافة البيض أو الجبن أو المارغارين وغيرها مما قد يجعلها ألذ. لكن الأطفال يفضّلون دائما ”الكاران” الذي يعرضه محل الحي، والذي يرشونه بالكمون المختلط بالملح ويرشونه بالهريسة الممزوجة بالماء، ويأكلونه وسط قطعة من الخبز في الشارع، مع كأس من ”العصير” الذي ليس عصيرا!
وقد حلّ هذا الطبق الشعبي مشكلا كبيرا للمنظومة التربوية، التي لم تجهّز الكثير من المدارس بالغاز وآلات الطبخ، حيث يلجأ التلاميذ الذين يقيمون بعيدا عن مدارسهم إلى المحلات القريبة منها، ويتغذون ب30 دينارا، نصفها ل«الكاران” كما يسمونها والباقي للعصير. حتى الطلبة الجامعيون يلجأون إليها، رغم أنها أغلى من الوجبة التي توفرها لهم الخدمات الجامعية بالمجان تقريبا.
وينشط في وهران عشرات المحلات، في الأسواق كما في الشوارع الرئيسية للمدينة قرب المطاعم الفاخرة، ومازالت ”الكرانتيكا” تقاوم ”غزو” البيتزا والأطباق التركية والسورية، لكن يبقى أشهرها محل ”الشرقي” في حي المدينة الجديدة، الذي مازال يحضّرها بالطريقة التقليدية، ولا أحد استطاع أن يقدم للزبائن أحسن منها. في حين يحتل ”عيبوط” في وسط المدينة المرتبة الأولى من حيث الإقبال. خاصة في منتصف النهار وعلى الساعة الخامسة عصرا، عندما يخرج التلاميذ من المدارس والموظفون من مقرات علمهم. وعلى خلاف المستغانميين، يتوقف الوهارنة والعبابسة وغيرهم عن تناول ”الكاران” في شهر رمضان، ليعقدوا معها معاهدة دائمة طوال الأشهر ال11 المتبقية من السنة.
الطحين المغشوش يؤثّر على المستهلكين
”ڤرنطيطة” تحضّر في المراحيض وباعة لا يحترمون شروط النظافة
سجلت مصالح مديرية التجارة وجمعيات حماية المستهلك عدة تجاوزات في محلات الأكل السريع، خاصة تلك المتخصصة في تحضير الڤرنطينة أو ”الكرانتيكا” كما تسمى في مناطق الغرب الجزائري، فبالإضافة إلى استعمال بعض التجار لطحين حمص مغشوش مختلط ب”النخالة”، هناك عدد كبير ممن لا يحترمون شروط النظافة. وعلمت ”الخبر” أن العديد من فرق المراقبة وقمع الغش وقفت على تجاوزات في تحضير الأكلة ”الشعبية”، حيث إن الماء المستعمل غير معقم، إذ يكتفي الطباخون بماء الحنفيات، بالإضافة إلى ظروف تحضيرها، إذ وقفت المصالح ذاتها أثناء حملة معاينة على مستوى حي باب الوادي بصاحب محل غير شرعي يحضر الڤرنطيطة، داخل دلو يستعمل في المرحاض.
كما أن العديد ممن يصنعونها لا يكلّفون أنفسهم عناء إعادة غسل الصينيات، إذ بعد إكمالها يقومون بإعادة تفريغ المستحضر فيها وإدخالها إلى الفرن، وكذلك يتم عرض صينية الڤرنطيطة أمام الزبائن دون تغطيتها، وغالبا ما تظل الصينية من ساعة إلى ساعتين فوق الرفوف، خاصة في فترات بعد الظهر ما يؤثر عليها بسبب نشاط البكتيريا ويؤثر أيضا على مستهلكيها.
وتحصي وزارة التجارة عددا كبيرا من المحلات خاصة بالأحياء الشعبية التي تنشط في بيع الأكل الخفيف دون سجلات تجارية، وبالتالي فإن أعوان الرقابة لا يمكنهم مراقبتها، وهو ما يشكل تهديدا على صحة المستهلكين.


اريد الاكل
قنادي ريان - بطال - قطر - المملكة العربية السعودية

02/09/2016 - 308984

Commentaires

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)