الجزائر

الكاتبة وسيلة تمزالي لـ''الخبر'' ''النقاش الدائر في تونس حول طبيعة المواطنة جعلها في الطليعة''



دور تحرير الفرد جاء مع الثورات العربية تعتقد وسيلة تمزالي، الحقوقية والمناضلة النسوية، أن الثورات العربية استطاعت أن تفرض ظاهرة الحرية الفردية، وهي مسألة لم تفكر فيها الأجيال السابقة التي أعطت الأولوية للحرية الجماعية، من خلال محاربة الاستعمار ثم بناء الدولة الوطنية. وقالت تمزالي، في حوار مع ''الخبر''، إن تونس أصبحت في طليعة العالم العربي اليوم، ليس بسبب الثورة فقط، بل بسبب النقاش الدائر حاليا حول قضايا الديمقراطية والمواطنة ومكانة الإسلام. ما هي القراءات التي يمكن تقديمها للثورات العربية الآن؟
 السؤال الكبير الذي يمكن طرحه فيما يتعلق بالثورات العربية هو: هل يوجد ثورة؟ الثورة ظاهرة إيجابية، تعني الغليان القادر على إيصالنا إلى المخاض النهائي، وبروز مسار إيجابي. هناك ثورات في العالم العربي حاليا، لكن في المقابل، توجد ثورات مضادة للأسف. ما يعتبره الغرب ثورة، أراه أنا من زاوية مغايرة، وأسميه الثورة المضادة. هم يعتقدون أن الثورة تعني وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، في حين أعتبره أنا كثورة مضادة. فالمعنى الحقيقي للثورة هي تلك الحركية التي تريد مزيدا من الحرية والديمقراطية، لكن الواقع في العالم العربي، حاليا، يعني أنه توجد ثورة مضادة تريد فرض واقع متردّ. هذه هي قراءتي للواقع. هناك ثورة تريد مزيدا من الحرية والديمقراطية، وهناك ثورة مضادة تتغذى من الثورة الحقيقية وتستعملها، لكنها تريد ثورة مضادة تناقض الحريات والمواطنة.
 إلى أين نحن ذاهبون؟
 لأول مرة في العالم العربي توجد رغبة في التحرر الفردي، وهذا لم يعرفه الجيل الذي أنتمي إليه، كنا نفكر وفق طريقة جماعية من أجل تغيير كل البلد، جماعيا، فتركنا حريتنا الفردية جانبا، وهذا خطأنا، لقد تركنا كل المطالب الفردية من أجل الحرية الجماعية. نحن ذاهبون اليوم نحو مزيد من الحريات الفردية، وهذا يتناقض تماما مع المشروع الذي تقدّمه الحركة الإسلامية.
وماذا تغيّر اليوم؟
 الحرية الجماعية التي كنا نطالب بها تعتبر بمثابة بديل حقيقي للفكر الكولونيالي، بالأخص لدى النخب الخاضعة للاستعمار. وهي أساس الفكرة الوطنية التي مرّت عبر المواجهة مع الفكر الاستعماري، كان يجب تحرير المجتمع برمته. ومع الثورات العربية، جاء دور تحرير الفرد.
 ولماذا تعتبرين الحركة الإسلامية ثورة مضادة؟
 لأنها تتعارض مع أفكار الحرية والعدالة، ولا تتماشى مع الفكر النسوي. والفكر النسوي هو الفكر الأكثـر قدرة على التفكير في حرية المجتمع لوضع أسس المواطنة في المجتمع.
 لكن الإسلاميين يقولون إنهم تغيّروا وأصبحوا يؤمنون بجدوى الفعل الديمقراطي؟
 مشكل الفكر الأصولي والحركات الإسلامية أنها سائرة دائما نحو مزيد من التطرّف، لكنها تعرف في بعض الحالات كيف تتفاوض وفق استراتيجيات سياسية، فتتظاهر بالتراجع عن تطرّفها بشكل مؤقت، لكن في العمق، هي حركات أصولية، لأن منطقها هو الراديكالية. وهي حركات لا تحتوي على مبادئ الفكر العالمي، وبالأخص مسألة النقد الذاتي، تملك استراتيجيات سياسية تجعلها تتظاهر بمواقف غير صحيحة. وهي حركات تحسن التعامل مع موازين القوى كي تفرض أطروحاتها، وفي حال أصبحت موازين القوة في صالحها، تظهر راديكاليتها. أعتقد أن الفكر الإسلامي فكر أصولي، لأنه يريد تطبيق فكر أحادي على كل المجتمع، وهو فكر سائر نحو مزيد من التطرّف، مع وجود رغبة أو تظاهر بالميل نحو الانفتاح، لكنه في العمق هو فكر متطرف، ولا يملك فكرا نقديا، بل يحمل في طياته فكرا متطرّفا.
الإسلاميون يدافعون عن الأصولية مثلما أدافع أنا عن الديمقراطية، وتحوّل الإسلاميين إلى حزب ديمقراطي مرتبط بتحوّل الفكر الإسلامي في حد ذاته، الذي يرفض اعتبار الحرية الفردية أساس المواطنة. واليوم، أرى أن تونس تعدّ دولة طلائعية في العالم العربي، ليس بسبب الثورة فقط، بل بسبب النقاش السياسي الدائر في المجتمع، مثلما كانت الجزائر في طليعة العالم العربي بسبب الثورة الجزائرية، ولأول مرة في المغرب يوجد نقاش حول مكانة الإسلام السياسي، وهذا لا يوجد للأسف في الجزائر، حيث لا نتحدث سوى عن الاستراتيجيات السياسية.
وهل هناك مشروع مجتمع بديل؟
 يوجد مشروع مجتمع آخر مرتبط بالمواطنة، لأول مرة يوجد نقاش سياسي قادر على إحداث تغيير حقيقي في العالم العربي. الناس تصوّت على الإسلاميين، لأنهم لا يفرّقون بين الدين والخطاب السياسي، ولما نسير بالنقاش إلى مستوى أرقى، سوف تتغيّر الأمور حتما.
ولِمَ لم يبرز مثل هذا النقاش في ليبيا مثلا؟
 لأن ليبيا بلد لم توجد فيه دولة، ولا دستور. الجزائر مهما كان نظام بن بلة وبومدين، مع كل النقد الذي يمكن توجيهه لهما، إلا أنهما أرسيا معالم الدولة. مدغري الذي التقيت به كثيرا كان صاحب فكرة بناء دولة. وعليه، مجال المقارنة غير ممكن بين البلدين، نحن عرفنا الدولة، وهم لم يعرفوا هذه الظاهرة. أما في مصر، فأعتقد أن السلطة بصدد ارتكاب خطأ تاريخي، لأنها تفضل التعامل أكثـر مع الإسلاميين وليس مع الديمقراطيين، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبته الجزائر سابقا.
 وأين يكمن الحل؟
 هذه الثورات العربية إن لم تحقق قيم الحرية والديمقراطية، فهي ثورات مضادة، والحل يكمن في تفعيل هذه القيم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)