الجزائر

الكاتب محمد قاسيمي لـ "الفجر الثقافي" "الزوايا انتهى دورها التاريخي مع انهزام الأمير عبد القادر"



الكاتب محمد قاسيمي لـ
محمد قاسيمي ابن زاوية الهامل ببوسعادة، واحد من الكتّاب الجزائريين المغتربين، نشأ وترعرع في بيت محافظ أين تعلم أصول اللغة العربية، ورغم أن انطلاقته الأدبية كانت من أرض المهجر غير أنه لم يخرج عن إطار المجتمع الجزائري الذي وظّفه في معظم إبداعاته، من أول نص كتبه سنة 1985 إلى "الشرق بعد الحب" آخر ما أنتج الكاتب. اقتربنا منه أثناء أشغال الملتقى الأورو-جزائري الرابع فكان لنا معه هذا الحوار. شاركتم في اللقاء الأورو-جزائري الأخير بمداخلة عنوانها الربيع العربي والهويات المتعددة، ما العلاقة بين المفهومين؟ ما عاشته كل من تونس، مصر، ليبيا، اليمن وغيرها من الدول العربية، نتيجة حتمية لضغط داخلي كان انفجاره أكيد، وقد ركزت في مداخلتي على معنى الربيع العربي وصُنّاعِه، خاصة وأن ما يحصل في العالم العربي وضع الجزائر على هامش هذه الأحداث، مما دفعني للتساؤل لماذا بقيت الجزائر في منأى عمّا يحدث في هذه الدول الشقيقة؟ ولم تتفاعل مع هذه الهزّة الثورية التي حرّكت مجموع الدول العربية بشكل خاص والعالم بأسره مند أكثر من سنة، وهو ما يطرح سؤالا هاما عن موقعنا مقارنة بالغير، وضمن هذه الخطوة ذات المستويات المتعددة التي اتخذتها بعض الشعوب العربية، خاصة وأن الجزائر تعاملت بسلبية مع أحداث الربيع العربي. هل معنى ذلك أن الدول العربية تبحث عن هويتها؟ ما يحدث في الدول العربية أكبر من البحث عن الهوية التي ارتبطت دوما بالانتماء الأمازيغي، وهذه الأحداث تبحث عن الحلول الديمقراطية الناجحة خاصة لدى الدول التي سُيّرت تحت النظام الدكتاتوري لسنوات طويلة.  ^ طالما وصفت الهوية الجزائرية بأنها معقدة وربطت بالتنوع الكبير الذي يزخر به البلد، لماذا؟ أنا شخصيا لم أطرح مطلقا هذا السؤال، لكنني أعتقد أن السبب يكمن في أن الجزائر هي من بين البلدان التي استعمرت لمدة طويلة مقارنة بالدول التي عانت نفس المصير، وحالة الجزائر مع الاستعمار هي حالة خاصة في تاريخ العالم العربي وفي التاريخ بشكل عام، لذلك طالما اعتبرت الجزائر تابعة للأراضي الفرنسية، وهو ما طرح مشكل هوية من نوع آخر في الانتماء إلى العالم العربي، الأمازيغي، الفرونكوفوني، وبقي سؤال الهوية الجزائرية يطرح منذ الاستقلال ولم يضبط بعد. معنى ذلك أنك تؤكد بأن الهوية الجزائرية معقدة؟ بالطبع، التركيبة الثقافية للشعب الجزائري متنوعة لأنها احتكت بالأندلسيين، البربر، الرومان وغيرها من الثقافات التي تعاقبت على الجزائر بتعاقب الحضارات. مفهوم الهوية في الجزائر يفتح الباب دوما أمام العديد من المتاهات المتعلقة بالعرق، لماذا؟   لأن هناك شيء ضمني بقي مرتبطا بشعب كامل، وهي مشكلة أمة بأكملها تتعلق بالثقافة الحقيقية للبلدان العربية. وحتى في غياب العصبية بالمفهوم الخلدوني، لا تزال روح الطائفية والقبلية تطغى على النقاش الوطني، على اعتبار أن كل فرد لا يعتبر نفسه منتميا إلى وطن معين أو ثقافة متكاملة، بل إلى قبيلة ما أو إلى عرش معين وهو ما يطرح دائما عقدة الهوية لدى الجزائري.  تقصد بذلك أن الجزائري لا يُحسن الدفاع عن هويته؟ إن قضية الهوية استعملت من بداية الاستقلال من الخطاب الأول لـ بن بلة "نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب" وكان ذلك أول خطاب غلق باب النقاش أمام كل الحوارات، لأن الجزائريين ثقافتهم ثقافة بربر، ثقافة خوارج، ثقافة فاطميين، وهو بعد تاريخي مهم جدا لا يمكن تجاهله يضم مزيج من ثقافة الشاوية، القبائل، بني ميزاب وغيرهم، لكن حوار الهوية أوصدت بابه من طرف أول رئيس للبلد الذي كان يصر على أننا عرب وفقط وبقي كذلك. أين الجنوب من أبجديات الهوية الجزائرية خاصة وأنه غُيّب تماما عن تفاصيلها؟ قبل الوصول الى الحديث عن الجنوب وانطلاقا من الهضاب العليا، الملاحظ أن هناك نوع من الاحتقار لثقافة أهل الجنوب، لأنهم مهمشين ثقافيا، لغويا وحتى سياسيا خاصة وأن تمثيلهم داخل السلطة لا وجود له، وحتى تاريخيا الولاية السادسة مثلا أبعدت نهائيا عن مراكز السلطة من بداية الاستقلال، حيث كان ينظر إلى جزائر الشمال بأنها جزائر القرار السياسي، على عكس الجنوب وانطلاقا من الهضاب العليا وصولا إلى أعماق الجنوب الأقصى الذي بقي مقصى، فجنوب الجزائر أشبه بصعيد مصر ينظر إليه على أنه على هامش البلد أو كما يقال بالدارجة "قبلي"، رغم أن كل الغنى الثقافي بكل مستوياته يحتضنه الجنوب بين جنباته، وحتى اللهجة الصحراوية هي الأقرب إلى اللغة العربية الفصحى. إذن كان الأجدر بنا قبل الحديث عن الهويات المتعددة على المستوى الدولي إزالة اللبس الذي يكتنفها على الصعيد الداخلي؟ هذا صحيح، فلا وجود لاحتكاك الهويات على المستوى الداخلي والدليل اللقاء الأورو-جزائري الذي شاركنا فيه مؤخرا، أين كان تساؤلا أوروبيا حول قضايا شكلية نظرية جدا بالنسبة للهوية، لأن هذه الأخيرة يجب أن ترسخ في ميدان اجتماعي، اقتصادي وثقافي معين، وما يحصل في الوقت الراهن لا يتعدى كونه تساؤلات بعيدة جدا عن الواقع وعن المجتمع الجزائري. تقصد لقاءً داخليا يجمع كتّابا جزائريين يمثلون كل جهات الوطن؟ طبعا أنا كنت أفضل لقاءً أدبيا على المستوى الضيق يجمع كتّاب البلد الواحد ممن يكتبون بالعربية، الفرنسية الأمازيغية، وحتى الدّارجة للحديث عن الهوية الوطنية، لأننا لسنا بحاجة إلى الغرب ليناقش هويتنا، بالإضافة إلى أن غياب الكتّاب المعربين بغض النظر عن أمين الزاوي لأنه مزدوج اللغة يعتبر إقصاء، فأين بقية الكتّاب ممن لديهم وزن على الساحة الثقافية الجزائرية، خاصة وأننا أصبحنا اليوم شبه جزائريين بحكم إقامتنا في الخارج. كيف تفسّر غياب الكُتّاب باللغة العربية في اللقاء الأخير لحوار الهويات؟  أعتقد أن هناك عقدة بالنسبة للأوروبيين تتعلق بأن ميدان الفكر أو التنظير هو ميدان أوروبي بحت، وأن العلاقة الجزائرية الأوروبية هي علاقة فرونكوفونية فقط، وهي عقدة من المستحيل أن تزول مهما تغيّرت الظروف وهذا تهميش للأدب الجزائري، فالملاحظ أنه نادرا ما يتطرق الكُتّاب والأخصائيون إلى الأدب الجزائري الناطق بالعربية، لأنه بالنسبة إليهم الأدب الجزائري ينحصر في كاتب ياسين، محمد ديب، مولود فرعون دون سواهم، لذلك يعتبر وجود كتاب جزائريين ما بعد ياسين، ديب وفرعون يكتبون باللغة العربية ظاهرة غريبة بالنسبة للغرب. إذن ماذا عن مفهوم الهويات المتعددة عند محمد قاسيمي؟ الهويات المتعددة هي قدرة أي فرد للخروج من ثقافته الأصلية للإطلاع على الثقافات الأخرى. وأنا أعتقد أن أهم التحديات التي ستواجهنا في المستقبل هو طاقة الخروج من الثقافة الأصلية الدينية منها والثقافية والانفتاح على ثقافة الآخر، لكسر العزلة الثقافية التي تمنع التواصل مع الغير، والعمل الجاد لاسترجاع هويتنا دون انتظار مبادرة الغير. نعود إلى قضية اللغة، كيف تفسّر اعتماد الجزائر الفرنسية كلغة أولى في لقاءاتها الأدبية دون استعمال اللغة الأم؟ هذا من هشاشة الهوية الجزائرية، لأننا في داخلنا لا زلنا مستعمرين. ففي الأدب اللبناني مثلا هناك كتّاب ناطقين بالفرنسية أمثال شريف مجدلاني وغيره من الكتّاب اللبنانيين المعربين أمثال إلياس خوري أو حنان الشيخ، غير أن أهم كُتاب لبنان معربين ويناظرون بالعربية من أعلى المنابر. هذا يقودنا الى مسألة الترجمة، لماذا يلجأ أغلبية الكتّاب الجزائريين المفرنسين إلى ترجمة أعمالهم في لبنان؟  الحقيقة أن لبنان تملك خبرة في مجال الترجمة، والجزائر لا يزال احتكاكها بالترجمة حديثا، وأنا شخصيا واجهت نفس المشكلة سنة 2000 عندما اشتغلت على اقتباس رواية كاتب ياسين، أين حاولت إيجاد مترجم جزائري لنص كاتب ياسين لكن ذلك كان أشبه بالمستحيل. ودون الذهاب بعيدا، ففي تونس مثلا هناك أشخاص مزدوجي اللغات لكنهم معربين بطريقة صحيحة، ومفرنسين بكيفية سليمة. أين يصنّف محمد قاسيمي نفسه في خانة المعربين أم المفرنسين؟ قبل كل شيء أنا جزائري وأحمد الله لأنني نشأت داخل أسرة محافظة، لأن الوالد كان معربا والجد كذلك، وهو ما سمح لي بأن أكون مزدوج اللغة وهي نعمة أحسد عليها. أما حاليا فليس من السهل بما كان الحصول على شخص مزدوج اللغة أي متمكن من العربية و الفرنسية في آن واحد لأن ذلك شيء نادر. أين يكمن الخلل في رأيك؟ مشكلة اللغتين العربية والفرنسية هو وجود نوع من الصراع بينهما، لدرجة تصور أنهما شيئان يتنافيان، وكأن وجود العربية ينفي الفرنسية والعكس كذلك. غير أن واقع الأمر يشير إلى وجود تكامل بين اللغتين، مثلما هو الحال في تونس والمغرب. محمد قاسيمي من زاوية الهامل إلى الإقامة بفرنسا والكتابة بلغة هذا البلد، ألا ترى أن ذلك أبعدك عن عمق الجزائر؟ وجودي اليوم بفرنسا وككاتب بلغة هذا البلد ولو أنه وجود انحصر على الساحة الأدبية والمسرحية الأوروبية أكثر من ظهوري على الساحة العربية حتى أنني عملت مؤخرا في لبنان وعلى تكوين شباب فلسطنيين باللغتين العربية والفرنسية، غير أن هذا نابع من ثقافتي الطرقية الجزائرية المستمدة من زاوية الهامل. وأنا لست من الناس الذين يتنكّرون لأصلهم لأن الرجوع للأصل فضيلة وكذلك الخروج منه والجزائر حاضرة في معظم كتاباتي، كما أن الثقافة هي نوع من التجاوز أو بالأحرى نوع من التحدي. بالحديث عن الزوايا، كيف يرى قاسيمي دور الزوايا في الآونة الأخيرة؟ أنا أنحدر من زاوية الهامل، لكنني لا أنتمي إليها لأن الانتماء يعني المشاركة في نشاطاتها والعمل ضمن الأطر التي تسير عليها. وأنا إنسان لائكي لا علاقة له بمؤسسات الزوايا، وأعتقد أن الحديث عن دور الزوايا اليوم لا يتعدى كونه حنين إلى الماضي ليس إلا، لأنني أرى أن الزوايا انتهى دورها التاريخي مع انهزام الأمير عبد القادر في نهاية القرن التاسع عشر. ومخطئ من يتوهّم أنه سيعاد تفعيل دور الزوايا على الساحة الثقافية أو السياسية، بحجة أن ذلك قد يشكّل حاجزا في وجه الإسلاميين، لأن الزوايا أكل عليها الدهر وشرب. لكنني لا أنكر أنها قامت بدور تاريخي ممتاز ورائع منذ سقوط الأندلس إلى غاية انهزام الأمير، كما أن مجتمع الستينيات غير مجتمع اليوم وعلاقتنا مع الدين تغيرت تماما، خاصة وأن دور الزوايا سابقا كان يقوم على تكليف الشيخ بالعلاقة بين الفرد والإله عز وجل، ويتفرغ الفرد تماما من عبء الدين وهو الشيء الذي منح الزوايا وزنها الديني، التاريخي والثقافي، أما اليوم، فالكل يريد التمكن من الخطاب الديني، بما فيهم الشباب والنساء، والحاجز الذي تكون في السابق أو ما يعرف بالوساطة الروحية التي أبدعتها الطرقية اضمحلت مع مرور الوقت. ماذا عن جديدك الأدبي؟ أنا بصدد كتابة نص حول الجزائر، لم أختر له عنوانا بعد لأنني لم أنته منه لكنه عمل يعتبر بمثابة قاموس أدبي للجزائر، يتناول يوميات الفرد الجزائري الاجتماعية والثقافية.  حاورته : الطاوس.ب


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)