الجزائر

«الكُلَّة» بين الأمس واليوم بسكيكدة



«الكُلَّة» بين الأمس واليوم بسكيكدة
تزخر ولاية سكيكدة بالعديد من العادات والتقاليد المستمدة من عمق المجتمع الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، التي تجسد حقيقة مظاهر التواصل عند العائلة السكيكدية، والتي بدأت أمام التطور المذهل الذي يعرفه المجتمع، تختفي شيئا فشيئا للأسف، ومن تلك العادات التي كانت تصنع التميز عند الأسر بعاصمة روسيكادا، سواء تلك القاطنة بالمدن الكبرى أو على مستوى القرى والمداشر ما يعرف باللسان المحلي ب«الكُلَّة» التي هي عبارة عن ستار شفاف كان يوضع عند مداخل البيوت قديما، واستمرت إلى غاية فترة الستينات والسبعينات وحتى ثمانينات القرن الأخير، فيما تبقى بعض العائلات على قلتها، خاصة تلك القاطنة على مستوى السكنات القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، ما تزال تحافظ على مشهد «الكُلَّة» على مستوى بعض الغرف دون الباب الرئيسي للمسكن.ترى الآنسة غنية شقريط، إطار بمديرية الثقافة لولاية سكيكدة، بأن لظاهرة "الكُلَّة" مرجعية تاريخية ودينية. فقد كانت كل البيوت في المدن الإسلامية لا تغلق أبوابها إلا ليلا لأن الجار كان يأمن جاره من جهة، ومن ناحية أخرى فإن "الكُلَّة" تجسد العلاقة الوطيدة التي كانت تربط الجيران فيما بينهم، خاصة فيما يتعلق بالجانب التضامني. فكان ستار الباب وحده يكفي لحماية البيت. وعن استمرار الظاهرة بسكيكدة بالخصوص على مستوى الأحياء القديمة ذات البنايات التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، رأت الآنسة شقريط بأن ضيق الأزقة أمام تلاصق البنايات فيما بينها هي التي أجبرت السكان على استعمال "الكُلَّة" من أجل تهوية المنزل أو لإضاءته، زيادة على العلاقة المتينة التي كانت تربط الجيران فيما بينهم، وهي علاقة اجتماعية انصهرت عنها علاقات أخرى كالمصاهرة.وحول ما إذا كانت الظاهرة ما تزال حاليا، فقد أشار نفس المصدر إلى أنه للأسف كل شيء جميل تغير والناس لم تعد تثق في الآخر، والدليل أنّهم استبدلوا حتى الأبواب الخشبية بالأبواب الحديدية وأضحى الجار يطبق مقولة "نفسي.. نفسي"، لتتحول بذلك البيوت إلى ما يشبه القلاع المحصنة التي كانت سائدة خلال العصور الوسطى.ترى السيدة خديجة، 75 سنة تقطن على مستوى حي سويقة، بأنّ ظاهرة استعمال "الكُلَّة" خلال فترات النهار بدل غلق الأبواب لم يعد لها أي موقع في حياة الناس اليوم، بعد أن سكنت في نفوسهم الأنانية وأصبح الجار لا يبالي بجاره بخلاف ذاك الزمان الجميل، على حد تعبيرها، حيث كان يشكل تواجد أسر في عمارة واحدة كعائلة واحدة، متأسفة عن زوال تلك الأيام التي كانت تصنع أفراح وأقراح العائلات، مضيفة أنه قلما تجد اليوم منزلا واحدا ما يزال يعتمد على "الكُلَّة" حتى داخل المسكن الواحد، إذ أصبح كل واحد يغلق باب غرفته على نفسه. من جهته عمي مسعود 70 سنة، قال بأن أشياء كثيرة تغيرت بين الأمس واليوم، حيث أصبح مصطلح "الكُلَّة" مجرد ذكرى جميلة ما تزال محفورة بذاكرة الكبار، يتذكرونها كلما حلت المواسم والمناسبات والأعياد، مضيفا بأن هذه الأخيرة كانت ترمز بحق إلى علاقة حسن الجوار والثقة التي كانت تبنى عليها العلاقات الاجتماعية التي كانت في كثير من الأحيان تغطي الخلافات التي تحدث ككل مرة بين الجيران، ويقول لنا عمي مسعود وبنوع من الحسرة وهو يتذكر كيف كانت الأسر السكيكدية تحيي أول أيام فصل الربيع، بصناعة ما يعرف محليا ب«البراج" الذي تنتشر روائحه في ربوع المساكن والبيوت بخلاف اليوم، فناذرا ما يعرف الجار أحوال جاره وقد لا يلتقي به إلا عند المناسبات.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)