الجزائر

القلم المشترك بين مهنة الصحافة ومحنة الإبداع



القلم المشترك بين مهنة الصحافة ومحنة الإبداع
إليزابيل اللندي، اشتغلت بالصحافة قبل أن ترسم خطواتها المهمة في عالم الرواية وتقدم لنا "بولا" و"بيت الأرواح".. همنغواي أيضا كان مراسل حرب من إسبانيا وتوزع أجراس الحرب قبل أن يكتب "لمن تدق الأجراس"..  العملاق ماركيز تلحّف وقتاً بالصحافة أيضا وغيرهم الكثيرون.. وقد يشبه هذا الربط بديهة لا يمكنها إثارة الانتباه لكثرة ما ظلت حتمية شبه مؤكدة في مسار حياة معظم الكتّاب، فها هو طه حسين في ستينيات القرن الماضي رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وأمامه عباس العقاد ظل يكتب مقالاته في جريدة الأخبار إلى حين وفاته.. لذا لا يبدو أننا سنمسك النقاش من يده التي توجعه - على رأي المصريين - لأن الأيادي في هذا المجال صديقة وحميمية جداً كونها تشد جميعها على القلم.لو نبدأ الحكاية بمنطق الوصول فسوف نجد أن الموهبة الإبداعية تسبق اختيار الفرد لمهنته القادمة، وعليه قد لا يكون اختيار الصحفي لمهنته بالعمل الاعتباطي.. حيث إنه يرى فكرة خلق الكلمات تتجسّد في هذا العمل ويتحسّسها قريبة جداً من حلمه، وبالتالي قد يصبح هذا الأمر مثاليا جداً.. غير أنه قد يتورّط الصحفي حينها في الصحافة وممراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية وينتهي إبداعياً.. ولكن الغالبية العظمى من الأدباء تعتبر العمل الصحفي، مثله مثل زاد الطريق أو القوت الأقرب للكسب في وقت لا يكاد فيه الأدب يسد الرمق.. بين الورطتين تبدأ الحكاية على وقع القلم دائماً..صحفي بالنضال..؟؟هل مارس أدباؤنا الصحافة لأنها تخصصهم الدراسي أم فقط لأنهم حاملو أقلام مبدعة؟؟ في أوساط الرعيل الأول يبدو هذا بسيطا جدا ولا يستدعي الجدل، لا سيما أن رئيسة مجلة الجزائرية زهور ونيسي قادمة من التعليم.. طاهر وطار يقول إنه راسل مدارس مصرية تعلّم على إثرها الصحافة فأسّس أسبوعية الأحرار وأسبوعية الجماهير، وكذا أسبوعية الشعب الثقافي التابعة لجريدة الشعب.. ومالك حداد رئيس مجلة الآمال صاحب إجازة في الحقوق.. وغير ذلك كثير قدموا إلى الصحافة بنفس الكتابة الأدبية.. والحقيقة تقول إنهم لم يهزوا عرش الصحافة بل ولم يؤسّسوا لمسار صحفي مهني.. فهم الراكضون خلف رؤية الحزب الواحد والتي هي - من أولها إلى آخرها - فكرة نضالية باهتة ليست تعني الانتماء إلى الأدب بقدر الانتماء إلى الخلية الحزبية أو كما يعرف "القسمة" لذا ليست تناقش القسمة.. ولكن النصيب في الصحافة المستقلة يجعل من الأديب عبد العزيز غرمول صاحب أسهم في جريدة يومية. مع الصحافة المستقلة.. الثقافة لا تبيع:مع النبض الأول للتعددية السياسية هلّت التعددية الإعلامية وتغير قانون الإعلام، وشكّلت بوحاً شرساً توزع عدد من العناوين التي غمرت الساحة من شروقها إلى ما بعد غروبها.. مرورا بكل الأسماء التي تخطر على البال وتصلح لتكون عنوان جريدة.. ولكن من دون ثقافة.. كانت الأخبار الأمنية تكتسح المساحة العقلية والمكانية.. وهنا برز عدد من الصحفيين الشباب الذين تطلّعوا يوما إلى الكتابة الأدبية واعتقدوا أنهم بواسطة الصحافة المستقلة ستكون أمامهم الفرصة للبدء في إبداع ما بالموازاة.. وهذا لم يحدث لأن الأزمة سرقت العمر وسرقت الإبداع. من جهة أخرى مسكينة تلك السنوات نمسح فيها كل ذنوبنا وتتحمّل منا الكثير فقط، لأننا ضيّعنا فيها كل شيء ونعود ونلومها ولا نلوم أنفسنا.. غير أن بعض المبادرات القليلة تكبّدت وجع الأزمة إلى حدود المطاردة وحرق البيوت.. فكان البرنامج الثقافي "مرايا" لصاحبه رابح فيلالي.. كذلك الشروق الثقافي التي قدمت أعداداً جادة لجيل جديد لأمسّ الحلم الثقافي بحب أمثال: علال سنقوقة ونجيب أنزاز وصغير سلام.. ليغيب هؤلاء جميعاً بعد ذلك، فالثقافة لا تبيع بمنطق الاستقلال التجاري الجزائري.الأقسام الثقافية.. وفترة التربص:قد نعترف ونحن في عيد الصحافة أنه لا تخصص في الصحافة عندنا.. هناك فقط صحفيّ القسم الوطني الأعلى أجراً والباقي كلهم مشاريع صحفي استبدالا واستعجالا.. لذا الأقسام الثقافية في جرائدنا المبجّلة لا تضم لا الصحفيين ولا الأدباء ولا الهجين، وإنما هم المتربصون الذين يقطفون الخطى الثقافية في الجزائر ويوزعونها كيفما أرادوا على مناهج معهد الإعلام والصحافة هو الآخر الذي يشكو حالة صحية متدهورة تكاد تقترب من اليأس الذي أجمع فيه كبارنا على استحداث مدرسة عليا للصحافة علّها تقوم بإنعاش هذا التكوين الحسّاس.. ولذا الأقسام الثقافية مسكينة ومرهونة بالإشهار.. فإذا حضر صاحب الخلاص "الإشهار" غابت الصفحة الثقافية. ولا بديل غيرها وكل الصفحات الأخرى ما عداها مهمة حتى ولو كانت صفحة استشر طبيبك وموضوعها الإسهال لدى طفلك.. وما عدا.. وما عدا.. ولو أننا نحترم كثيرا الجريدة التي تكون صادقة في هذا الأمر، فالإشهار أمر مهم جدا لوقوف الجريدة، ولكن ألا يمكن اعتبار بقاء الصفحة الثقافية أمر مهم هو الآخر.. ولنقل ضرورة حضارية على الجريدة الحفاظ عليها.الملاحق الأدبية.. والبقاء لله:الخير شوار.. سليم بوفنداسة.. زهرة ديك.. بشير مفتي سابقا وسمير قسيمي حاليا.. رشدي رضوان.. وآخرون، هم أصحاب ملاحق أدبية أسبوعية وهم أيضا أصوات إبداعية عكست وجودها الإبداعي وقدمت إلى الصحافة الثقافية بهم الثقافة ذاتها، لأنه في المعقول أن يشترك الصحفي والأديب في القلم وفي الهمّ.. فكانت فكرة الملاحق الأدبية خطوة جميلة لتكريس اعتبار ثقافي معين عانى الكثير من التهميش والموت حتى.. غير أن الأمر يأخذ منحى الأسف عندما يصرخ أحدهم ويقول: "لو لم أكتب في الصحافة ماذا أفعل هل أبيع الكاوكاو.." وعليه قد يسقط الكثير من أدبائنا في معترك الصحافة فقط من أجل جني المال، فالكتابة عندنا ليست تضمن العيش الكريم.. وغالباً تراهم كثيري الاستقالات من مكان إلى مكان.. وربما يعني هذا حالة صحية لأن الكاتب الحقيقي ليس يبيع مزاجه.. لأن مزاجه لو تعود ضغط العمل الصحفي لأصبح صحفي وصحفي جيد أيضاً، لأن القدرة على الحكي ونسج الحكايات متقدمة الخطوات عنده.. الإعلام المرئي.. والنجومية القاتلة:"خليك بالبيت" لزاهي وهبي "ونلتقي" مع بروين حبيب وحتى "مقاماتنا" لأيت وعلي، برامج ثقافية يقوم على إعدادها مبدعون ليسوا أصحاب باع كبير في الصحافة، بل وقد لا يتقنون الكثير من تقنيات الصحافة كالعمل الميداني والمونتاج، ورغم أن العمل في الإعلام المرئي بالنسبة للكاتب قد يكون جيداً كونه فرصة تعريفية جيدة لدى الجمهور، إلا أن الواقع يثبت أن متاهة المرئي شديدة التأثير.. ولا يخرج منها الكاتب سالماً. هذا شاعر.. ليس يعرف الالتزام:.. ولكنه كاتب له طقوسه الليلية الخاصة.. له عاداته في تقمّص حالات معينة.. له مزاج مرتب على أوراقه.. لا يفصل بينه وبين القلم غير رغبة قد تأتي تباعاً وقد لا تأتي.. لذا توظيف مبدع في عمل يرتكز على الالتزام والضغط ووقت التصفيف والمونتاج وما إلى ذلك من محاولات مسك الوقت من الهروب إلى حين تسجيل كامل أحداث النهار، قد يكون بالفعل عملية صعبة. ولذا النتيجة ستكون كالتالي:- الاحتمال الأول أن يقفز على مزاجه ويواكب حركية العمل الصحفي. - الإحتمال الثاني التدحرج على التقاطعات ومن بعد ذلك ترك العمل، وهذا ما يسجله الكثير من الكتاب في مذكراتهم.. طبعاً بعض الحالات تتمكّن من تحقيق وصفة هجين متداخلة جداً وتتابع خطواتها بذات اللهفة. العزاء.. الهوية:في بداية المقال قلت إن الأيادي - وأقصد أيادي الأديب والصحفي- واحدة كونها تشد على القلم.. لكني في الختام أريد بالفعل الإطناب في هذا الأمر..لأن الحقيقة ليست القلم بمفهومه المادي.. وإنما التوقيع.. الصحافة في النهاية ليست عملاً هي هوية صاحبها يختم عمله بالتوقيع.. بكتابة اسمه.. وهذه راحة كبيرة ونرجسية ليست تشترك مع الأديب فحسب بل هي الأدب ذاته. لذا عندما تسرق الصحافة من الأديب مزاجه وكتبه فالعزاء كبير جداً، فهو يصنع هوية موازية وشهرة موازية. ولكنه فقط طمّاع ويريد مسك النجوم.مبدعون فرملهم الإعلام مديرة نشر يومية "الفجر"حدّة حزام تعتبر السيدة حدّة حزام المسؤوليات المهنية الكبيرة الملقاة على عاتقها باعتبارها مسؤولة النشر بيومية "الفجر"، هي السبب الرئيسي في عدم خروج مشروعها الإبداعي إلى العلن، رغم أنها حاولت أكثر من مرة مواكبة هاجس الكتابة الإبداعية الذي كان القارئ قد اطلع عليه من خلال عمودها اليومي الموسوم بـ "أساطير" في جريدة "الفجر"، وربما لمسه القارئ أكثر خلال الفترة السابقة التي كانت تنشر فيه مقالها المعنون بـ "يوميات سجينة".ورغم الأعباء الكبيرة التي تعترض طريقها باعتبارها من أوائل الإعلاميات بالجزائر، سابقا واليوم هي مسؤولة عن  جريدة وطنية مستقلة، إلا أنها تحرص على مواصلة حلم الكتابة الإبداعية بعد أن خاضت غمار الكتابة الإعلامية لسنوات عديدة، وربما سيكتشف القارئ عما قريب نتاجها الإبداعي الذي يشارف على الانتهاء.مدير النشر السابق ليومية "الخبر" علي جري يعتقد السيد علي جري أنّ العمل الإعلامي يؤجل في الكثير من الأحيان العمل الإبداعي، لهذا نرى أنّ عددا كبيرا من الإعلاميين لم يقترفوا فعل الكتابة الإبداعية إلا في السنوات التي توقفوا فيها عن الكتابة الإعلامية، وهذه النسبة تمس بوجه التحديد الإعلاميين الذين يشغلون في الأقسام البعيدة عن القسم الثقافي، فيما يحظى الإعلاميون الذين يشغلون في الحقل الإعلامي الثقافي، بممارسة فعل الكتابة الإعلامية والكتابة الإبداعية في ذات الوقت، ولدينا أمثلة كثيرة عن ذلك، يضيف المتحدث. ويؤكد السيد جري في هذا الصدد، أنه حين يكون هناك موهبة إبداعية فإن مشكلة التأجيل تنتهي لأن المبدع بشكل عام قادر على تجاوز عامل الوقت الذي قد يحول دون إتمام المشروع الإبداعي.مدير تحرير يومية "صوت الأحرار" محمد نذير بولقرون يرى صاحب العمود الأسبوعي "آخر الكلام"، الذي ينشر بيومية "صوت الأحرار" ومدير تحرير ذات الجريدة، الأستاذ محمد نذير بولقرون، أنّ اشتغاله في الحقل الإعلامي لسنوات طويلة قتل فيه موهبة الإبداع. وقال في هذا الصدد"الصحافة ضيعت لي الإبداع"، ولكن رغم ذلك فهو يحاول بين الفترة والأخرى أنّ يخرج إلى الضوء بعضا من كتاباته الإبداعية، التي تكون عادة نصوصا نثرية يزين بها الصفحة الأخيرة من جريدته. حياة.س


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)