الجزائر

القصيدة تمنحني الحرية ولا أنكر تكامل الفنون..



الشعراء يتحمّلون مسؤولية واقع المشهد الشعري
ترى الشاعرة والكاتبة نجوى عبيدات أن الشاعر الحقيقي هو الذي ينظر للحياة بعينِ الإنسان الذي فيه، والذي يعيش مخاض القصيدة بناء على تجاربه الحياتية وعواطفه الحقيقية.
- الشعب: لماذا اخترت كتابة الشعر وليس جنسا أدبيا آخر؟
نجوى عبيدات: الشاعر يولدُ شاعرا.. صدقيني هو لن يختار ذلك، سيكبَرُ ليجد نفسه إنسانا يفيضٌ بالشاعرية فيبصر الكون كما قلتُ لك بعينٍ ثالثة، يرى بها تفاصيل الأشياء أكثر عمقا، ولذلك كان الشعرُ قدرًا لم أختره، فرض نفسه عليّ.. ولأنني آمنتُ بالشاعرة التي في داخلي، اشتغلتُ على تجربتي الشعرية، وطورتُ أدواتي في الفن الذي أعشقه.. لأن الموهبة لا تكفي أبدا، تحتاج دوما إلى صقل. قد يعشق الإنسان الموسيقى مثلا ولكنه لن يكون عازفا إلا بالتدرب على العزف مرارا وتكرارا وتعلم قواعد هذا الفن وهذه الآلة، ونفس الشيء بالنسبة للقصيدة. زيادةً على الأدوات التي يجب على الشاعر أن يمتلكها ويتقنها من لغة وعروض وقدرة على تصوير أفكاره، وفكرا يحمله في القصيدة، عليه أن يكون مطلعا وقارئا ومشتغِلا لتنضج التجربة، ورغم ذلك أنا لا أكتب الشعر فقط، كتبتُ الرواية أيضا وأصدرتها قبل الشعر.. أستطيع القول إنني قيد تجربة شعرية وسردية في نفس الوقت، أحب الرواية أيضا كفنٍ أدبي يمنحني أفقا أوسعا للتعبير عن أفكاري، يمنحني واقعا آخرا متخيلا وشخصيات ألبسها وأقول كل ما أريده على لسانها وهذا ما لا يمنحه الشعر ربما لأنني من خلاله سأقول كل شيء على لساني أنا، ربما هناك دوما أشياءٌ تفرض علينا الحياة قولها بشكلٍ غير مباشر، وهذا ما تمنحه لي الحياة المتخيلة في الرواية، ولكنني رغم كل ذلك حين أبصر نفسي في المرآة، تنعكس أمامي نجوى الشاعرة أكثر من نجوى الروائية، ربما لأنني دوما أفضل تعرية عواطفي وأفضل قول الأشياء كما هي، وهذا ما تمنحه لي القصيدة، كانت دوما رئة أخرى أتنفس بها.
- برأيك.. هل الشعر اليوم يحاكي الواقع ويتطرّق إلى حلول لهذا الواقع؟
أن نتحدث عن الواقع لا يعني بالضرورة أن نجد حلولا لهذا الواقع، ولكن بالنسبة لي يكفي أن نملك أصابعا تجّسد هذا الواقع في لوحة تسمى القصيدة، ويكفي أن تجدَ الكلمةُ مكانها لتترجم الأشياء كما هيَ، ويكفي أن يكون الشاعرُ حقيقيا لتعرية المسكوت عنه، أن يملك فما قادرا على الصراخ حين يصمت الجميع وحين لا يستطيع الناس التعبير عن مكنوناتهم، أغلب الشعراء الذين كانوا حقيقين، حاولوا إسكاتهم، هل تعلمين لماذا، لأنّ الكلمة قادرة على التغيير. الكلمة زلزالٌ يرتجُّ في القلب، حينَ تصل هذه الكلمة للمتلقي وتعبّرُ عن رؤاه ومكنوناته حينها فقط تستطيع هذه الكلمة أن تحدث شيئا، ولكن هل كل الشعراء يستطيعون أن يكونوا أنفسهم في القصيدة حدّ التأثير على المتلقي؟ طبعا لا.. ولكننا لن ننفي وجود تجارب حقيقية معاصرة جميلة وجريئة وحقيقية، سترسخ في الذهن والقلب لأنها تترجم الحقيقة.. وطبعا كل ما هو حقيقي سيؤثر في المتلقي .. ومن خلال ذلك الكلمة تؤثر في القلب والقلب يؤثر على الأفعال والأفعال تؤثر على مسار المجتمع وفكره.
- حدثينا عن اصداراتك؟
أول إصدار لي كان رواية بعنوان على أرجوحة القدر، سلطتُ الضوء فيها عن مأساة الأطفال مجهولي النسب في مجتمع معياره الوحيد لتقييم الناس ظاهرهم.. إصداري الثاني، كان مجموعة شعرية بعنوان ركعتانِ في العشق، توجت بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب علي معاشي طبعة 2022.
- هل يعكس ديوانك تجربتك الشخصية أم أن لقصائدك جذورا أخرى؟
"ركعتان في العشق" جسّد تجربتي الشعرية الأولى والتي كانت عصارة فكري وعواطفي وفلسفتي ونظرتي لهذه الحياة والكون، كان مجموعة من القصائد التي عكستُ فيها قلبي ورؤايْ، خاطبتُ بها نفسي والمحِبْ والخالقْ والإنسان بصفة عامة.. ومازلتُ على نفس الطريق أشتغل على التجربة أكثر وأحاول دوما أن أكون أنا خلالها.. يقالُ دومًا إن الشعرَ لم يعُد له مكانٌ وروادٌ الآن مع زمن التكنولوجيا والصوت والصورة والفنون الأدبية الأخرى، ولكنني أرى عكس ذلك صراحة، ربما فعلا تذوق عامة الناس للشعر والأدب تدنّى كثيرا وذلك لعوامل كثيرة ومن بينها الشعراء أنفسهم.. حين نكون شعراء لا نكتبُ سوى لأنفسنا وللنخبة ونعيش في برجنا العاجي دون أن نكون جسرًا لإيصال الكلمة للمتلقي علينا أن ندرك أنه هناك خللٌ ما، لأن الكلمة التي لا تلمسُ القلب ولا تصلُ للآخر لا نعيبُ فيها الآخر ونتهمه دوما باللّافهم، قد نكون نحن سببا في عدم التفاف العالم حول الشعر، ولكنني رأيت مراتٍ عديدة كيف يلتف الناس حول النص الذي يلمسهم حتى لو لم يكونوا من أهل الاختصاص.. في الآونة الأخيرة، صار الناس يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الجمال والشعر وهذا من بين الأسباب التي تجعلُ الناس تلتف حول الشعر مجددا، دوما نلوم الناس على متابعة المحتويات التافهة ولكننا لا نقدم مجهودا لتقديم محتوًى راقٍ نستطيع من خلاله إيصال الكلمة وإحياء الشعر من جديد، ولذلك أنا مع استغلال التكنولوجيا لإحياء الشعر، واستغلال حتى الفنون الأخرى لصالح الشعر، مثلا أغلب القصائد المغنّاة والتي رافقت آذان الناس وقلوبهم كانت حروفا منثورة على الورق، وعانقت بعدها أرواح الناس من خلال الموسيقى، ولذلك اخترت أيضا ذلك الطريق من خلال العمل مع أكبر المنشدين العالميين مولانا كورتش والذي غنى بعض قصائدي، إيمانًا منا أن التحام الفنون مع بعضها البعض هو الذي يجعلنا قادرين على التغيير . أنا لا أنظر أبدا للفنون الأدبية بعين القطيعة، هي مزيج من الخلايا المتشابكة مع بعضها البعض، أرى دوما علاقة الموسيقى بالشعر، والشعر بالرواية والرواية بالسينما، هناك العديد من الأفلام كانت رواية أدبية قبل أن تصبح مشاهدا على التلفاز، وهناك الكثير من الروايات العالمية والعربية كتبت بلغة شاعرية أوصلت جمال اللغة وروحها لقلب القارئ وكان صاحبها شاعرا وساردا


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)