الجزائر

القصبة بعيون الأطفال والعاصمة بأنامل عباد عبيدة



ضحكات طفولية وابتسامات عذبة ونظرات عفوية تملأ صورا التقطتها عدسات أطفال من أبناء القصبة لمحروستهم، فكانوا أصدق شاهدين على عمرانها المتميز وسكانها الطيبين. هم الذين شاركوا في ورشة أطرها الفنان المصور عباد عبيدة، على هامش مشروعه الذي احتضنه المعهد الفرنسي بالجزائر، ونتج عنه معرضان يقامان حاليا بقصر 17 ل«رياس البحر"، الأول بتوقيع الفنان والثاني من صنع سبعة أطفال.كويتن جيهان، بن عتمان عويس طاهر، شايب خلود، فلاحي ياسمين، سي عامر إكرام، سي عامر لينا وطيار عبد الهادي، أسماء أطفال تتراوح أعمالهم بين سبع سنوات وأربعة عشر سنة، شاركوا في الورشة التي أطرها الفنان المصور عباد عبيدة، استمرت فعالياتها عاما كاملا، فكانوا مرة في الأسبوعين أو في الشهر يخرجون مع المصور عباد المقيم بمرسيليا، والمصور حميد راحيش ومُدرسة الفنون الجميلة إكرام كهول، إلى القصبة لالتقاط صور بعد تلقيهم درسا نظريا قصيرا، مثل تجنب أخذ صور مقابل الشمس وغيرها، لتنطلق المغامرة والبداية كانت بتصوير بروتريهات وأبواب القصبة، ومن ثمة انتقل الأطفال لاختيار مواضيع حسب رغباتهم، فكانت النتيجة التقاط أكثر من 500 صورة، تم اختيار منها 44، تعرض حاليا بقصر الثقافة إلى غاية أواخر الشهر الجاري، تحت عنوان: "ولد".
في هذا السياق، قال الفنان المصور عباد عبيدة ل"المساء"، إنه لبى نداء المعهد الفرنسي الخاص بإقامة تصوير، فقدم مشروعه وتم قبوله، ومن ثمة استفاد من منحة مكنته من تنظيم معرضه الخاص، إضافة إلى تأطيره ورشة شارك فيها سبعة أطفال، نتج عنها معرض ثان، مضيفا أن الهدف من هذه الفعاليات هو تثمين عمل الأطفال الذين التقطوا صورا عن القصبة بآلة تصوير رقمية، وتشجيعهم وإبراز جمال المحروسة بوجهة نظر طفولية خاصة.
اعتبر الفنان أن تثمين عمل الأطفال ظهر أيضا من خلال تنظيم هذا المعرض بأسلوب احترافي، إذ أن أعمالهم المختارة وضعت في إطار ملائم، حتى أنه تم تكبيرها لتظهر في شكل أجمل. كما أكد أن أخذ البورتريهات تم بموافقة المعنيين بالأمر، إذ أن الطفل كان يأخذ إذن الشخص الذي يود تصويره، ومرات كان يتبادل معه الحديث ويطلب منه مثلا أن ينتقل إلى مكان أفضل حتى يلتقط صورة أنسب.
أما عن معرضه الثاني المقام في نفس الفضاء، فقال الفنان إنه استعمل فيه كعادته "بولارويد"، أي أنه استعان بآلة تصوير قديمة تعود إلى السبعينات، تضم خراطيش يمكن أن تستخرج عشر صور، وكذا تقنية "أرجنتيك"، مضيفا أنه حينما التقط صورا في العاصمة، خاصة تلك المرتبطة بأشخاص، يطلب منهم الإذن أولا، ومن ثمة يقدم لهم صورهم.
في هذا السياق، قال الفنان إنه يلتقط صورة "بورتريه"، ثم ينتظر دقائق، بعدها يستخرجها ويقدمها لصاحب البوتريه، ويأخذ "النيقاتيف"، ويشتغل عليه بواسطة مادة كيميائية في غرفة سوداء، ثم ينقله إلى مخبر ويمكن أن يخضعه لجهاز "سكانير"، هكذا تتحد التقنيات القديمة بالحديثة. أما عن الصور فلا يمكن استنتاج الثوب الذي ستخرج به إلينا، أي يمكن أن تظهر بعيوب، حتى أنه يعتقد أنها صور قديمة رغم حداثتها.
اعتبر الفنان أن ميله إلى هذه التقنيات القديمة، مرده عشقه للتأني والعمل بشكل متقن وموزون، إضافة إلى أنه يحب أن يأخذ كل شيء حقه من الوقت والاستمتاع، بيد أن التصوير الرقمي ورغم إيجابيته، إلا أنه لا يقدم لنا نفس الشعور.
في المقابل، يعتمد عباد على التصوير الرقمي في حال عمله مع مؤسسات وإجرائه لتحقيقات، فالتصوير الرقمي سريع واقتصادي، كما يمكن إعادة التصوير في حال لم تعجبنا الصورة الأولى، وهو ما لا يحدث باستعمال "بولارويد" و"الأرجنتيك"، رغم ذلك يحب فناننا التقنيات القديمة وآلات التصوير العتيقة التي تقص لنا ألف حكاية وحكاية. في هذا يقول: "لم تعد هناك خراطيش "بولارويد" في السوق، اضطررت إلى شراء بعضها مما يباع في المخازن، لأن هذه المادة لم تعد تنتج في السوق، وقريبا سيكون نفس الأمر مع ورق "أرجنتيك"، مع ذلك يمكن لي صناعة هذه الورقة واستعمالها إلى غاية استحالة الأمر".
للإشارة، عرف الأطفال كيف ينقلون أحاسيس ويوميات رجال ونساء وأطفال القصبة، من خلال تخليد ذلك عبر صور عفوية وجميلة، حتى القطط وجدت نفسها في هذه الصور، متسائلة عن هذا الفعل الغريب. نجح هذا المعرض في اكتشاف مواهب ستنمو أكيد إذا وجدت الرعاية اللازمة. كما استقطب الحفل الافتتاحي للمعرض الكثير من الزوار، من بينهم أبناء القصبة الذين لم يترددوا في فتح قلوبهم لهؤلاء الأطفال، فكانوا أبطالا لحكاية اسمها القصبة.
أما عن معرض عباد عبيدة، فضم مشاهد من حياة العاصميين، ومناظر تؤكد عراقة وتميز الجزائر البيضاء، حتى أن بعض الصور ظهرت كأنها صور عائلية، وهو ما أراده الفنان من خلال اعتماده على تقنيات قديمة، فجاءت صورة تحمل عيوبا جميلة تذكرنا بالماضي السعيد المليء بالعفوية.
لطيفة داريب


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)