يلقي الفيلم السينمائي المصري "الشتا اللي فات"، نظرة على مسببات ثورة 25 يناير 2011، وعن الدوافع القوية التي دفعت ب "عمر" و«فرح" وأمثالهما إلى كسر جدار الصمت وتحدي أمن الدولة. المخرج إبراهيم البطوط، في عمله الجديد، وضمن رؤية سينمائية مستقلة، أعاد تركيب القطع، ليشكل في النهاية قصة سقوط نظام مبارك.عرض الفيلم المصري، في إطار أيام الفيلم المتوسطي، التي احتضنتها قاعة ابن زيدون برياض الفتح من ال 11 إلى 14 نوفمبر الجاري، ومن تنظيم الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. هذه الأخيرة اختتمت فعاليتاها الخميس المنصرم، بعرض "طريق حليمة" (2012) للمخرج الكرواتي أرسن أنتون أوستوجيك.
تقمص الدور الرئيسي في فيلم "الشتا اللي فات"، الممثل عمرو واكد إلى جانب فرح يوسف ووجوه أخرى، الكل ترجم فكرة إبراهيم بطوط، الذي لم يشتغل على سيناريو واضح، أو حوار مكتوب كما هو مألوف في صناعة عمل روائي سينمائي. بل ترك الأحداث تسود على مهمة كاتب النص، وسمح لنفسه ولكل الطاقم بالتأثر مباشرة بما وقع.
قدمت لنا قصة الشاب "عمر" مهندس في الإعلام الآلي، في شكل مختلف عن طريقة السرد التقليدية، بعيدا عن الأسلوب الروائي المصري، الذي يعتمد على الحركة وسط ديكور البيت أو المكتب، وكثرة الكلام واللغو. كما لم ينقلنا المخرج إلى الشوارع المصرية المزدحمة، مبتعدا بذلك عن الكلاشيه الذي كرسته السينما والتلفزيون المصريين. بمعنى آخر، لم تكن هناك حارات ولا معلمين ولا بائعات خضار على قارعة الطريق، ولا مقهى يتسلل نادله بين الزبائن يحمل شايا أو حشيشا مخبأ.
هو فيلم ينتمي إلى موجة السينما المستقلة في مصر، التي أعلنت اختلافها عن السائد والمعروف. سواء من حيث تناول المواضيع أو التقاط الشخصية المصرية في حالاتها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية القاهرة. إبراهيم البطوط إذن، وضعنا مع "عمر" (عمرو واكد) في بيته المغلق شبابيكه، قليل من الإضاءة وشرفة لا تطل إلا على جدار حجري شاهق. وبدل الزحمة وغليان الشارع المصري عشية 25 جانفي 2011، بقينا نصارع القلق رفقة هذا المهندس المتردد بين رغبة الالتحاق بالمتظاهرين في ميدان التحرير، وبين آلام جولات التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض إليها على يد عناصر أمن الدولة. يفقد الوقت قيمته في الساعات التي يجلس فيها عمر وحيدا في شقته، بعد أن توفيت والدته وهو في السجن (بتهمة سياسية). إلا أن المخرج قرر أن يكون الزمن كأرجوحة تصعد وتهبط بين الماضي والحاضر. لكنه ماض قريب جدا، بسنتين فقط، حينما بدأت شبكات شبابية تستعمل الأنترنت لتعبر عن نفاذ صبرها، وترسل إلى العالم بالصور والصوت، معاناة ملايين المصريين.
في حركة الذهاب والإياب تلك، بين الأمس واليوم، اكتشفنا تدريجيا تفاصيل القصة كلها، بقليل من الكلام، وكثير من الذكاء، عرفنا أن "عمر" كان صديق المذيعة "فرح" التي تخلت عنه في سبيل شهرة مزيفة، ستكتشف لاحقا أنها تخون شعبها بنقل أكاذيب متواصلة في برنامجها اليومي "في قلب البلد". المشاهد المتعلقة بهذه الحصة التلفزيونية، كانت مناسبة لانتقاد لاذع للدور السلبي الذي لعبه بعض الإعلاميين ومؤسساتهم عشية الثورة، وبدل تفسير الواقع، كانوا أبواقا للكذب وتزييف الحقيقة.
ريتم "الشتا اللي فات" جاء في البداية بطيئا، لا ينذر بتسارع للأحداث، حتى تكاد تشعر بالملل، وتتساءل إلى ماذا يريد المخرج؟ وكأنه يمسك بقلم وورق أبيض، وفي غمرة الفوضى، يسمح لنفسه بفسحة للتفكير قبل الإقدام على الكلمة الموالية. وقد بدا جليا أيضا اللمسة التوثيقية في الفيلم، وهو طبيعي بالنسبة لإبراهيم البطوط الذي قضى وقتا طويلا في مجال تسجيل أفلام عن الحروب الأهلية (البوسنة والهرسك). إذ حاول التوثيق عن طريق شخصيته الرئيسية، دون اللجوء إلى الأرشيف وإذا استدعى الأمر إعادة تشكيل الواقع بوسائل أخرى موحية للصدمة التي تلقاها النظام المصري من قبل شعبه. وهنا لعبت الأصوات الجانبية والمحيطة (هتافات، خطابات المخلوع حسني مبارك...) دورا في تحريك مشاعر المشاهد، وتصعيد درجات توتره، والإسراع في ريتم قصة بلغت أوجها لحظة قرار عمر مواجهة ضابط أمن الدولة واستعمال تقنيات الإرسال الحديثة لبث اعتراف المذيعة فرح، وكشفها للزيف الإعلامي الكبير الممارس على المواطنين.
جدير بالذكر، أن فيلم ابراهيم البطوط، رشح لجائزة الأوسكار، وتعلق عليه مصر آمالا كبيرة في الفوز بإحدى الجوائز المعتبرة، فيما سبق لعمرو واكد أن صرح للإعلام أن مجرد ترشيح العمل هو دليل على نجاح الفيلم.
تاريخ الإضافة : 15/11/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : نبيلة سنجاق
المصدر : www.djazairnews.info