الجزائر

الفوات والإحصار



الفوات والإحصار
الفوات
الفوات مصدر فاته يفوته فواتا وفوتا، والمقصود به هنا فوات الحج، ويكون بطلوع فجر يوم النحر على المحرم، ولم يكن قد وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار، لقول جابر رضي الله عنه: (لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع) رواه الأثرم، وليلة جمع هي ليلة العيد.
فمن فاته الوقوف بعرفة ولو لعذر حتى طلع عليه فجر يوم النحر، فقد فاتة الحج، لفوات زمن الوقوف، ويجب عليه أن يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، كما يجب عليه القضاء أيضا عند جمهور أهل العلم سواء أكان الفائت واجباً أم تطوعاً، وسواء أكان الفوات بعذر أم بغير عذر، ويلزمه مع ذلك هدي يخرجه في سنة القضاء، لقول عمر رضي الله عنه لأبي أيوب الأنصاري: “اصنع ما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإن أدركك الحج قابلاً فاحجج، وأهدِ ما استيسر من الهدي" رواه مالك.
الإحصار
أما الإحصار: فهو الحبس والمنع، مصدر أحصره، إذا حبسه حابس ما، والمقصود به هنا منع المحرم من إتمام نسكه، كأن يمنع من دخول مكة، أو الوقوف بعرفة، فلا يختص الإحصار بعرفة كما هو في الفوات، ويمكن أن يكون في الحج والعمرة، بخلاف الفوات فلا يكون إلا في الحج.
وللإحصار صور:
^ الصورة الأولى: أن يشترط المحرم عند إحرامه، أنَّ له أن يتحلل من إحرامه إذا حبسه حابس ما، فهذا له أن يحلَّ متى ما وُجد ذلك الحابس والمانع، ولا شيء عليه، لا هدي ولا قضاء، ولا غيرهما، لأن للشرط تأثيرٌ في العبادات، ومما يشهد لذلك حديث ضُباعة بنت الزبير رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال لها: حجي واشترطي: أن محِلِّي حيث حبستني) رواه مسلم، لكن إذا كان إحرامه لحج الفريضة فلا يسقط الواجب عنه، بل يبقى في ذمته حتى يؤديه.
^ الصورة الثانية: أن يكون الإحصار بسبب عدو أو قاطع طريق ونحو ذلك، فيُمنع المحرم من الوصول إلى مكة، ففي هذه الحالة، يحلُّ للمحرم أن يتحلل من إحرامه، ويلزمه دم يذبحه حيث أحصر سواء كان في الحرم أو غيره، ثم يحلق أو يقصر، لقوله تعالى: “فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" (البقرة: 169).
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه يوم الحديبية - حين منعته قريش من دخول مكة- أن ينحروا ويحلقوا ويحلِّوا، ولا فرق بين الحصر العام في حق الحجاج كلهم وبين الحصر الخاص بالفرد باتفاق أهل العلم.
وأما إن تمكن المحصر من الوصول إلى البيت من طريق أخرى، تعين عليه ذلك، ولزمه سلوكها سواء بعدت أم قربت، ولم يُبَح له التحلل.
وسواء أحصر المحرم عن البيت قبل الوقوف أو بعده، فله التحلل في أحد قولي العلماء، وأما إن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج، كالمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار، وطواف الوداع، فليس له أن يتحلل لأن صحة الحج لا تتوقف عليه، ويجب عليه دم لتركه الواجب وقيل لا يجب لأن الواجب سقط عنه بالعجز.
فإن عدم المُحْصَر الهدي ففي انتقاله إلى البدل خلاف بين أهل العلم.
^ الصورة الثالثة: أن يُمنع المحرم من الوصول إلى الحرم، لعذر غير العدو، كمرض، أو فَقْدِ نفقة، أو ضياع الطريق أو غير ذلك من العوائق، فهذه الصورة محل خلاف بين أهل العلم:
فمنهم من رأى أن الإحصار خاص بالعدو، وعليه فليس للمحرم التحلل بالمرض ونحوه، حتى يطوف بالبيت ويسعى - أي يتحلل بعمرة - لأن قوله تعالى في آية الإحصار: “فإذا أمنتم" (البقرة: 196)، يدل على أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إنما تحللوا حين أحصروا من العدو.
ومنهم من رأى أن الإحصار يتحقق بجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم من عدو أو مرض أو ضياع نفقة أو حبس أو كسر ونحو ذلك لعموم قوله تعالى: “فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" (البقرة: 196). ولحديث الحجاج بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (من كُسر أو عرج فقد حلَّ) رواه أصحاب السنن.
هذه هي صور الفوات والإحصار، وبقي أن ننبه على مسألة وهي: أن من نوى التحلل لغير عذر فإنه لا يحل بنيته تلك، ولا يبطل إحرامه، ولا يخرج عن أحكامه بنية الخروج، لأن رفض الإحرام لغو باتفاق العلماء، بل يلزمه أن يمضي فيه ويتمه لقوله جل وعلا: “وأَتموا الحج والعمرة لله" (البقرة: 196).
أخطاء في المبيت بمنى
^1 التفريط في السؤال عن حدود منى، والمبيت خارجها.
^2 تساهل البعض في المبيت بمنى أيام التشريق، وذلك بالمبيت خارجها، وهذا خلاف السنة.
^3 جمع الصلوات في منى، وهذا مخالف للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي كل صلاة في وقتها في منى، قصرا من غير جمع.
^4 إضاعة الأوقات فيما لا يسمن ولا يغني من جوع.
فمن تمتع بالعمرة
قوله تعالى: “فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" (البقرة: 196)، بعد أن ذكر سبحانه ما يترتب من جزاء على المحرم حال الإحصار، أعقبه بذكر ما يترتب عليه حال الأمن، فذكر سبحانه حكم التمتع في أيام الحج، والتمتع: هو الجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، على تفصيل في ذلك بيَّنه الفقهاء. والذي يعنينا في هذه الجملة من الآية، أن المحرم إذا تمكن من أداء مناسك الحج، وكان محرما بالحج والعمرة معا (قارنا)، أو كان محرما بالعمرة، ثم أحرم بالحج بعد الانتهاء من العمرة (متمتعا)، فإن عليه ذبح، وأقلُّه شاة على الصحيح من أقوال أهل العلم، ويمكن أن يشترك سبعة أنفار بذبح بقرة أو ناقة. وقد ثبت في “الصحيحين" من حديث عمران بن حُصَين رضي الله عنه أنه قال: نزلت آية المتعة - يقصد قوله تعالى: “فمن تمتع بالعمرة إلى الحج"- في كتاب الله، وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنها حتى مات. وهذا الحديث يدل على بقاء مشروعية التمتع في أشهر الحج. ويلاحظ أن الآية الكريم جاءت بلفظ “التمتع" على المعنى اللغوي، أي: الانتفاع، وأشارت إلى ما أسماه الفقهاء “التمتع" و«القِرَان" وهما من شريعة الإسلام، التي أبطل بها شريعة الجاهلية. وصورة (التمتع) عند الفقهاء: أن يُحْرِم الحاج بعمرة في أشهر الحج، ثم يتحلَّل منها، ثم يحج من عامه نفسه، قبل أن يرجع إلى بلده. أما (القِرَان) فصورته أن يجمع المحرم بين نية الحج والعمرة معًا في إهلال واحد، أي إحرام واحد، وقد شرع سبحانه ذلك رخصة للناس، وإبطالاً لما كانت عليه الجاهلية من مَنْع العمرة في أشهر الحج. وللعلماء تفصيل وافٍ في بيان أقسام الحج، ذكرناها في مقالنا “أنواع النسك"، فَلْيُرْجَعْ إليه من أراد المزيد من الإيضاح والبيان. وقوله تعالى: “فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة" (البقرة: 196) هذه الجملة من الآية عطف على قوله تعالى: “فمن تمتع" والمعنى: أن من جَمَع بين نُسُكَيْ الحج والعمرة فعليه هدي، فإن لم يتمكن من تقديم الهدي، فالواجب في حقه حينئذ صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة أيام إذا رجع إلى وطنه. قال العلماء: والأولى أن يصوم الأيام الثلاثة في عشر ذي الحجة، قبل يوم عرفة، وفي وقت صيام هذه الأيام أقوال أُخر ذكرها المفسرون.
هذا، وقد جعل الله الصيام بدلا عن الهدي، زيادة في الرخصة والرحمة، ولذلك شرع الصوم مفرقًا، فجعله عشرة أيام، ثلاثة منها في أيام الحج، وسبعة بعد الرجوع من الحج. وقوله سبحانه: “تلك عشرة كاملة" للعلماء في هذه الجملة من الآية أقوال: فقال بعضهم: هو من باب التأكيد، كقوله تعالى: “ولا طائر يطير بجناحيه" وكما تقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني. وقال آخرون: معنى “كاملة" الأمر بإكمالها وإتمامها، وهذا اختيار الطبري رحمه الله. وقال قوم: معنى “كاملة" أي: مجزئة عن الهدي.
قال بعض أهل العلم: فائدة جَعْلُ الصيام في مدة الحج، جَعْلُ بعض العبادة عند سببها -وهو هنا عدم القدرة على تقديم الهدي- وفائدة التوزيع إلى ثلاثة وسبعة، أن كليهما عدد مبارك، ضُبِطَت بمثله الأعمال الدينية والقضائية. وقوله تعالى: “ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام" الإشارة ب “ذلك" في الآية يعود على هدي التمتع، أو بدله من الصيام، وحاضرو المسجد الحرام: هم أهل مكة، والمعنى: أن الهدي يكون على غير أهل مكة، لأن التمتع بفعل العمرة وقت الحج أغناهم عن السفر لأجلها خاصة، أما المكي فليس عليه هدي، لأنه لا مشقة عليهم في إعادة العمرة. ثم ختم سبحانه هذه الآية الكريمة بقوله: “واتقوا الله واعلموا أَن الله شديد العقاب" أمر سبحانه بالتقوى في هذه الآية، بعد أن بيَّن الأحكام المتعلقة بالحج، التي لا تخلو من مشقة، للتحذير من التهاون بها. والمعنى على هذا: اتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. وأكد سبحانه أمره بالتقوى بقوله: “واعلموا" إيذاناً بالاهتمام بما سيقوله، وبيانا إلى أن من يخالف أمره، ويرتكب ما زجر عنه، فعقابه من الله شديد.
![if gt IE 6]
![endif]
Tweet
المفضلة
إرسال إلى صديق
المشاهدات: 5
إقرأ أيضا:
* وقفات مع حج النبي صلى الله عليه وسلم
* أحكام الهدي
* الدعاء في الحج
* كيف يكون حجك مبروراً
التعليقات (0)
إظهار/إخفاء التعليقات
إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات
أضف تعليق
الإسم
البريد الإلكتروني


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)