الجزائر - Patrimoine Culturel

الفنان خليفي أحمد في ذمة الله.. الجزائر تفقد''جوهرة'' الأغنية البدوية



الفنان خليفي أحمد في ذمة الله.. الجزائر تفقد''جوهرة'' الأغنية البدوية
انطفأت، ليلة أول أمس السبت، شمعة الفنان الجزائري الأصيل بلعباس أحمد المشهور بـ ''خليفي أحمد''، في بيته بالعاصمة عن عمر يناهز 92عاما. صاحب الصوت الصحراوي الصادح بلغ سحره الشام، وشنف آذان أجيال من محبي القصائد المغناة، التي ظلت لصيقة ببيئتها وجذورها.
يختلف العارفون في الموسيقى والغناء الأصيل، في وصف الحاج خليفي أحمد، فهو ''بلبل الصحراء'' و ''جوهرة الصحراء'' والصوت الصادح الذي تعلم الغناء عن خاله، ذلك الخال الذي كانت القرى المجاورة تعرفه، من صوته العجيب، حينما كان يصعد النخيل ليلقي بحنجرة في حجر الريح ويترك ذبذباته تتجزأ مع حبات الرمل اللامتناهية. أمام ذلك الإعجاب الصامت والصارخ في آن واحد، كبر الطفل أحمد في بيئته، التي ولد فيها سنة ,1921 ووسط أسرة لا تقول للفن لا، ولا تدير للطبيعة ظهرها، بل تحترم الكون وخالقه، لهذا كبر خليفي أحمد يجر إرثا جميلا
وزادا ساهم في تكوين شخصيته الفنية والثقافية وبناء شخصيته كرجل متفاعل مع وطنه.
نجح خليفي أحمد، رغم ظهوره المقل في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة أيضا أن يصبح إيقونة في سجل الفن الجزائري، واسمه لا يضاهيه اسم في طابع ''الياي ياي''، الذي تعلم أبجدياته وحفظ أصوله وهو لم يتجاوز السابعة من عمره، فهو ''البلبل'' الذي تزينت به صحراء الجزائر، بأمثاله من قامة عبد الرحمن قاسم وسي بن دكوم من عين وسارة.
انتقل الفنان إلى مدينة الأغواط للإقامة فيها رفقة عائلته في ,1946 وبعد سنة فقط، يشد الجميع رحالهم في ,1947 إلى العاصمة تحديدا في دائرة سيدي امحمد بالعاصمة.
كان طبيعي أن يجد خليفي أحمد مكانا يليق به في الإذاعة الوطنية في ,49 شأنه شأن كل الفنانين الذين وجدوا في هذه المؤسسة فضاء للإبداع والاشتغال. مع اندلاع الثورة، سجل خليفي حضوره وعبر عن التزامه بمبدأ الحرية، فانضم إلى الفرقة الموسيقية للجبهة في 58 مع أخيه خليفة عازف على آلة القانون. النضال على طريقة خليفي أحمد كان فنيا صريحا، فحمل صوته إلى مصر وغيرها يحصد الدعم العربي للثورة التحريرية.
من القاهرة إلى العاصمة الباريسية، اشتهر خليفي بوقفته الأنيقة، رجل عربي ببدلة عصرية، لا تناقض رؤيته للحياة. لكنه لم يفرط يوما في قندورته البيضاء اللون، التي كان يخيطها عند خياطه المفضل ''عمي عبد اللطيف'' في بوسعادة. المرحوم في نظر العارفين بطبعه، كان إنسانا متفتحا، كريما، صبورا لحد بعيد، لكنه خجول لا يحب الإفراط في الظهور، ومع المقربين منه هو رجل ذو نكتة وخفيف الظل. خصال ظلت غير معروفة لدى أجيال متعاقبة من شباب الاستقلال، في وقت عزف فيه الرجل عن الظهور، في مقابل ''تجاهل ثقافي'' مورس عليه وعلى غيره، كما يقول محمد لعراف. عندما تسمع رائعته ''زينب''، تعرف أن الغزل فنون، وتمعن في قصيد مطول يجانب الابتذال والانحلال، يقول فيها: ما قلتيش خليل قلبك متعذب، ما شفاتك حالتي ساهر ناحل، في ظلام الليل لا احد معايا، ما قلتي محبوبي حبي راغب، ما قلتي محبوب في حبي راغب ويحوس لعشيرتي نهاية''. لا شك أنه دغدغ أحاسيس الجدات والأمهات، فأغانيه كثيرا ما أدمعت عيون النسوة في بوسعادة والجلفة وما جاورهما، حيث الحكاية لها مغزى، والكلمة وقعها السحري. لا ريب أيضا في أن خليفي أحمد حرّك في الرجال أوتار الغرام الأسطوري، وقال في ''قمر الليل'' ما لا يقدر الواحد قوله نثرا: ''نبات نباشر في الليالي ننظر ليه (...) راني خايف لا بعض السحابات يغطوه، وإذا غاب يتقيثر حالي''.
كان خليفي أحمد متأثرا بأكثر من شاعر في المنطقة، على رأسهم الشاعر الشيخ عيسى بن علال الشلالي، صاحب القصيدة المبدعة التي خلد فيها العرب الرحال، وقد اعترف الفنان في حياته، بدور هذا الشاعر في شهرته الفنية، وكيف أنه ساهم رفقة الشيخ سماتي وبن كريو في رواج أغانيه البدوية.
غنّى الراحل الجنوب في بعده الإنساني والاجتماعي، على غرار ''عربان رحالة''، ''بنت الصحرا''، ''فاطمة وفطمتين''، وبطبيعة الحال ''حيزية'' التي أداها بطريقته الخاصة، مغايرا عن اللحن الذي قدمه عبد الحميد عبابسة. ثمة تسجيل لخليفي أحمد في قاعة الألمبياد بفرنسا، غنى فيها للمهاجرين الجزائريين والمغاربة عموما، وحين خاطبها قال لهم: أنا لا أحب أن أقول إنهم مهاجرون، لأني أؤمن بالمثل القائل ''كسكس لو يرجع لأصلو''.
استعان الفقيد في فرقته بالقصبة، أو ما يعرف بـ ''الترياش'' الذي يناسب نغمة الرصد، وبنفس القصبة أيضا يعزف ''السروجي'' الذي يقابله في الشرقي البياتي.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)