لفنادق تلمسان بوابون يراقبون رواده، يختارون عادة من سكان المدينة المشهود لهم بالأمانة والصدق ويعتبرون جزءا من شرطة المدينة 1، ويحق لهم أن يمنعوا الأشخاص غير المرغوب فيهم، سواء كانوا من أهل المدينة أم أجانب، من دخول الفندق ما لم يكن لهم ترخيص من القنصل، أو غير مصحوبين بأحد المترجمين أو موظف من موظفي الجمارك 2. وحتى رجال الشرطة لم يكن يسمح لهم بالدخول إلى الفنادق إذا كانوا يريدون أحد التجار المقيمين فيها، وقد نوجب عليهم الاتصال أولا ومباشرة بالقنصل الذي يشرف على التاجر ومعالجة الأمر معه. وكان كذلك يمنع على تجار كل طائفة من الانتقال إلى فنادق الطوائف الأخرى على الرغم من تجاور فنادق الطوائف المسيحية المختلفة 3.
يضع التجار الأوروبيون تجارتهم في مخازن الفندق ثم يعرضونها على الزبائن، ويتم البيع عن طريق الجملة أو بالتجزئة. وتوجد مقبرة خاصة بالجالية المسيحية قرب الفندق، وكنيسة يؤدون فيها شعائرهم وطقوسهم الدينية بحرية، لدرجة أن أصواتهم كانت تسمع من الخارج 4. وكانت هذه الكنائس بسيطة في بنائها، وهي عبارة عن غرفة كبيرة، لا يسمح بارتفاعها وعلوها كثيراً 5. وقد عرفت كنائس الجنويين والبنادقة باسم القديسة (Sainte marie)، ولم تكن للجمهوريات الإيطالية في تلمسان كنائس أخرى خارج الفنادق، ولعل رجال الدين الذين يقومون بشؤون هذه الكنائس ويديرونها، كانوا يعينون من قبل أساقفة مدنهم الإيطالية. ويوجد بالفنادق أجنحة خاصة يسكنها القناصل، كما توجد بعض الغرف مخصصة لسجن التجار المخالفين الذين يصدر ضدهم القنصل أحكاما، واستخدمت بعض غرف الفندق كبرصات أو نوادي للتجار 6.
وكان للتجار من البندقية، عكس الجاليات الأخرى، الحق في الذهاب إلى الحمامات العمومية بالمدينة كلما أرادوا ذلك تنفيذا للمعاهدة المبرمة مع الدولة الزيانية 7. ويشرف على تسيير الفندق وتنظيم حركة التجارة به موظف يعرف بالفندقي، وهو مندوب القنصل. وكان التجار الأوروبيون لا يغامرون بالتوغل بتجارتهم إلى جوف الصحراء، وإنما كانوا ينتظرون بفنادقهم قدوم التجار المسلمين واليهود المحملين بالذهب والعاج وريش النعام، وهي البضائع التي تشتهر بها بلاد السودان 8.
أما القناصل فهم تجار أيضا، تعينهم حكوماتهم طبقا للاتفاقية المبرمة مع بني زيان، وكانت مدة خدمتهم قصيرة لا تتعدى ثلاث سنوات على الأكثر. ويسمح للقنصل باصطحاب معه كاهنا وأربعة خدم، يعرف أحدهم الكتابة؛ ومن حقه أن يأخذ معه ما يرغب من السلع والبضائع للاتجار بها وحصانين؛ ويبلغ راتبه ثلثي دخل الفندق الذي يشمل مبلغ كراء غرف الفندق والمخازن.
ويبدو أنه كان لكل دولة من الدول الأوروبية المتوسطة الكبرى أكثر من قنصل في الدولة الزيانية، ولا سيما في الثغور والمدن البحرية مثل وهران وهنين وغيرهما. وإذا كان القنصل العام يوجد في مدينة ما، فإن نوابه كانوا يمثلونه في مدن أخرى ويشرفون على فنادق لهم ويسهرون على مراقبة المسائل التجارية لصالح رعاياهم من التجار. وتمثلت مهمتهم كذلك في العمل على توفير الراحة لجاليتهم والعدل بينهم. وكان يسمح للقنصل بمقابلة السلطان أو الأمير مرة واحدة في كل شهر بموجب الاتفاقيات، وبإمكانه أيضا مقابلة حاكم المدينة أو الإقليم الذي يعيش فيه 9.
وبالمقابل فلا وجود لقناصل يمثلون الدولة الزيانية في المدن والموانئ المسيحية. وكان الوجود الزياني في الموانئ الأوروبية عبارة عن مبادرات فردية قام بها بعض التجار المسلمين، لأن الدولة الزيانية كغيرها من الدول الإسلامية، لا تشجع التجار المسلمين إلى الذهاب إلى دار الكفر. وكان الوازع الروحي في الغالب يقف أمام المسلمين ويمنعهم من الذهاب إلى النصارى، على الرغم من أنه كان لبعض التلمسانيين أسهم في الأسطول التجاري الذي جاب سواحل البحر المتوسط الشمالية والجنوبية، نذكر من بينهم الوزير هلال القطلاني، الذي كان يملك نصف سفينة إسبانية 10.
1 : كان حراس الفنادق يُختارون من ضمن أعوان شرطة المدينة. أنظر:Mas-LATRIE, Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les arabes de l’Afrique septentrionale au moyen age, paris, 1872, p.171.
2 : نجاة باشا، التجارة في المغرب الإسلامي خلال القرن 8هـ/14مـ، تونس: منشورات الجامعة التونسية، 1976 ، ص ص.105-106.
3 : Mas-LATRIE, Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les arabes de l’Afrique septentrionale au moyen age, paris, 1872, pp.89-91.
4 : Attallah DHINA: Les états de l’occident musulman aux XIIIè et XIVè siècles, Alger : OPU/ENAL, 1984, p.380.
5 : محمد بن أحمد بن قاسم العقباني، تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر، تحقيق: علي الشنوفي، مجلة المعهد الفرنسي للدراسات الشرقية بدمشق، عدد1 ،
1965-1966، ص19.
6 : سامي سلطان، "الجاليات الإيطالية في الدولة الزيانية"، مجلة سيرتا، عدد 10، أفريل 1988، ص91.
7 : Mas-LATRIE, Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les arabes de l’Afrique septentrionale au moyen age, paris, 1872, p.96.
8 : Le royaume Abdelouadide, Alger : OPU, 1985, p.175. , Attallah DHINA
9 : R. BRUNSHVIG , La berberie orientale sous les Hafsides des origines à la fin du XVè siècle, t.2, Paris : Maisonneuve, 1947, p.432.
10 : Attallah DHINA: Les états de l’occident musulman aux XIIIè et XIVè siècles, Alger : OPU/ENAL, 1984, p.481.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com