الجزائر

الفن والجمال.. بين الرؤية الفلسفية والمنهجية العلمية



الفن والجمال.. بين الرؤية الفلسفية والمنهجية العلمية
"..إن إنسانا تُرِك لوحده على جزيرة قافرة لم يتزيّن ولم يزيّن كوخه، كما أنه لن يبحث عن الورود، وبعيدا عن ذلك كثيرا، لن يغرسها ليتزيّن بها، بل إنه لن يعي أنه عليه أن يكون أيضا إنسانا راقيا وفق مطلب نوعه، إلا في مجتمع (بداية عملية التمدن)". كانط، نقد ملكة الحكم. ترجع أهمية كانط في علم الجمال إلى كونه أعظم الفلاسفة الذين استوعبوا تراث أسلافهم، ثم حدّدوا بداية منعرج جديد لهذا العلم من خلال ما اصطلح على تسميته "الفلسفة النقدية" التي انصب اهتمامها على نقد المعرفة والبحث في شروطها القبلية-الأولية، فقد عرّف الاتجاه العقلي، الذي ساد الفلسفة الأوروبية، وعلى رأسه "باومجارتن" الاستيطيقا بأنها علم مستقل، وأنها منطق المعرفة الحسية الغامضة التي تدور حول الكمال، والكمال إذا أصبح موضوعا لمعرفة متميزة اتصف بالحق، أما إذا طُبّق على السلوك فإنه يُعرف بالخير، أما إذا كان موضوعا لشعورنا وإحساساتنا فإنه يصير جمالا. وقد استبقى كانط من "باومجارتن" فكرته عن الجمال باعتباره الكمال حين نحسّ به، غير أنه أضاف إليه صفة الغائية، وإذا كانت الاستيطيقا عند "باومجارتن" في درجة دنيا من درجات المعرفة بالقياس إلى المنطق الذي يكون موضوعه أكثر قابلية للمعرفة الواضحة، عُني كانط بالبحث في الاستيطيقا من خلال تحليله للشروط الأولية للحكم الجميل (الحكم الاستيطيقي أو الذوق). فقد طرح كانط من خلال كتابه: "نقد ملكة الحكم" أسئلة جوهرية حول طبيعة الفن وأنكر أن يقع الفن ضمن مفاهيم الضرورة، وأنكر أيضا أن يكون الفن شكلا من أشكال الفهم العقلي أو السلوك الأخلاقي، والاهتمام بالجميل في الفن الذي نضم إليه أيضا الاستخدام المصطنع لجمالات الطبيعة لا يشكل أدنى برهان على وجود نوع من التفكير مرتبط بالخير الأخلاقي، هكذا يقدم كانط حجة على تفرد الفن واستقلاله من خلال رفضه أن يكون الحكم الإستيطيقي من الأمور المتسمة بالموضوعية، ورغم إقراره بأن الأحكام الإستيطيقية أحكام ذاتية فإنها، في رأيه أيضا، أحكام عامة يشارك فيها كل فرد يمتلك ذوقا جيداً، ولذلك اقترح كانط فيما يتعلق بالجمال ميدانا للذوق لا تتحكم فيه المفاهيم العقلية والأخلاقية، رغم أنه قد يكون مصاحبا لها في بعض الفنون. إن كانط لا يحلل في دراسته الجمالية العمل الفني، وإنما الحكم الصادر جماليا سواء عن الطبيعة أو عن العمل الفني، وهو لا يهتم بمقدمات هذا الحكم بل يهتم بالنتيجة المتضمنة في هذا الحكم، وهو لا يدرس الحكم الجمالي دراسة سيكولوجية أو اجتماعية؛ بمعنى أنه لا يهتم بطبقات المتذوقين وكيف يتأثرون بالتربية والنشأة وإمكانية تغير الذوق مع تغير الظروف وميكانيزم التذوق داخل الإنسان، بل هو يدرس الذوق دراسة فلسفية، فيلجأ إلى المنهج الترنسندنتالي أو المنهج الكلي الصوري الذي طبّقه في دراسته للعقل النظري والعقل العملي. [email protected]


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)