هناك مستويان لرسم بيضة. البعض يعتقد أن المسألة سهلة، لكنها ليست كذلك.المستوى الأول علمي: تأتي بالورقة التي سترسم عليها وتضع فيها خطا عموديا يقسم الصفحة إلى قسمين، ثم تقوم برسم ثلاثة خطوط أفقية. الأول قصير. الثاني أطول منه والثالث أطول من الأول وأقصر من الثاني. والمسافة بين كل خط أفقي وآخر هي أيضا غير متساوية. المسافة بين الخط الأول والخط الثاني أصغر من تلك بين الخطين الثاني والثالث.الآن ترسم دائرة بيضاوية الشكل تبدأ من عند قمّة الخط العمودي وتمر عند أطراف الخطوط الأفقية اليمنى، وتستدير من نهاية الخط العمودي إلى الأعلى مارة كذلك عن أطراف الخطوط الأفقية اليسرى، وصولا إلى أعلى الخط العمودي من جديد.. صار لديك بيضة.المستوى الثاني فني. إذا كنت فنانا تستطيع أن ترسم البيضة من دون أي خطوط. سترسمها لأن لديك رؤية خاصّة لا يتمتع بها الرسام الأول. قد ترسمها متقنة، وقد ترسمها حاملة تفسيرك الخاص شكلا أو لونا. إذا ما كنت تستطيع الدفاع عن تفسيرك الخاص، إذا ما كنت تستطيع أن تبرره، وأن توفر رؤيتك الذاتية، أنت إذن فنان مبدع.لكن ليس سهلا رسم البيضة. في الحالتين قد تجد أن الرسم انتهى مسطّحا لا أكثر. لكن البيضة فن بحد ذاتها. هذه البيضة التي قد لا تحتمل النقر فتنكسر، تستطيع أن تتحمّل حرارة الماء المرتفعة إذا ما أردتها مسلوقة.. بينما لا تستطيع أنت تحمل رذاذ الماء المغلي. هل فكرت بذلك؟ وهي حين تكون غير مسلوقة لا يمكن إيقافها عند أي من طرفيها، لكن حين تُسلق تستطيع أن تديرها مثل لولب وستراها تلف حول نفسها عموديا كراقصة باليه. الآن أحصِ عدد المرات التي ستلف فيها البيضة حول نفسها، لن تستطع لأنها ستفعل ذلك بسرعة كبيرة، وستستمر باللف لأكثر من دقيقة. وفي بعض الحالات، إذا أحسنت فتلها، لنحو دقيقتين.يعلمنا الفن أن لا نأخذ الأمور على هنّاتها. أن نمضي لما بعد الظاهر. بذلك النملة ليست مجرد حشرة، وورقة الشجر ليست مجرد ورقة، وصوت الكناري ليس مجرد صوت جميل، والبيضة ليست مجرد بيضة تضعها الدجاجة وتضعها أنت في بطنك.لا شيء كما يتبدّى مطلقا. لا شيء كما هو في الوهلة الأولى. لا سمعك ولا نظرك ولا نفسك ولا فكرك. نحن نعتاد كل شيء ولا يمكن لنا أن نتوقّف في كل لحظة لكي نفكّر بأنفسنا. لكن فن الحياة هو أن نفكّر بما يبدو تلقائيا، بما لا يستدعي التفكير في الظاهر. فن الحياة هو أن نقدر جمالها كما تبدع فيه ريشة الرسّام وموهبة المصوّر ولحن الموسيقار وكلمات الشاعر.ذات مرّة كنت أسير في شارع هولاند بارك في لندن ومعي صديق. تطلعت إلى شجرة كبيرة وسبّحت خالقها، ثم وقفت أتأمل جذعها ولون الجذع وأغصانها وتضاريس الأغصان وأوراقها وشكل تلك الأوراق، فإذا بصاحبي يبدأ بالضحك: ”ألم ترَ شجرة في حياتك؟”، قلت له: ”كل شجرة أراها في حياتي هي الأولى”.هز برأسه كاتما سخريته. لكنني كنت أعني ما أقول.أكثر ما نمر عليه مرور الكرام هو الماء. سواء أكان هاطلا أو ممتدا بلا نهاية في البحر أو مارا كجدول نهر. ما هذه النقطة التي وحدها تتلاشى لكنها معا قد تؤدي إلى الطوفان؟ التي تشربها فتنعشك، لكن إذا غرقت فيها تموت؟يكفي ذلك.. لنعود إلى سيرة البيضة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/04/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد رضا
المصدر : www.al-fadjr.com