الفلاحة وبعض شروط نجاحها في الجزائر

إن تصاعد و تفاقم التهديد للأمن الغذائي في العالم بصفة عامة وفي بلدان العالم الثالث بصفة خاصة يبلغ مستويات حرجة ويشكل سيفا مسلطا فوق الرؤوس في عالم يشتد فيه التنافس للسيطرة على الأسواق واستخدام الغذاء كوسيلة للضغط الاقتصادي والسياسي قصد الهيمنة والسيطرة على ثروات بلدان العالم الثالث و العربي منها. إن ارتفاع استيراد المواد الغذائية في بلدان العالم الثالث، أدى إلى هزات قوية أصابت الأمن الغذائي نتيجة لقصور الطاقة الإنتاجية الزراعية عن تأمين حاجات الاستهلاك مما يجعل هذه البلدان عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخارجية، بما يتناقض مع مصالحها. إن الجزائر واعية بأهمية الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وبأهمية تطوير الفلاحة وتوفير كل الشروط اللازمة لنجاحها وهي واعية أن تحريك التنمية وتطويرها والتركيز على تحسين وتطوير الإنتاج الزراعي بالذات هو المخرج الوحيد من التبعية لقوى الهيمنة الخارجية. إن العجز الغذائي في العالم اليوم يعني التبعية الغذائية التي تعني بدورها الخضوع لمخططات و أطماع و مصالح الدول المصدرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. إن الجزائر في الماضي، قامت بإصلاحين زراعيين، الأول يتمثل في الإصلاح الزراعي الذي أقر الحد الأدنى للملكية الزراعية والاستيلاء على الأراضي الزائدة مباشرة بعد الاستقلال، أما الثاني فقد عرف بميثاق الثورة الزراعية الصادر سنة 1971، لقد كان القاسم المشترك بين السياستين هو تحديث القطاع الزراعي و تحسين تقنياته. عند تقويم هاتين المرحلتين، إذا اعتبرنا أن تحديث القطاع الزراعي كان أهم أهداف السياسة الزراعية فإننا نشير إلى أنه إذا كان التحديث يعني زيادة استعمال الجرارات واستخدام الأسمدة الكيماوية، فإن الجزائر قد حققت نجاحا في هذا المجال لكن إذا نظرنا إلى مدى تأثير هذا التحديث على الإنتاجية الزراعية فإنه لم يعطي النتائج المرجوة منه وبالتالي هذه السياسة لم تمكن من تقليص الهوة بين الطلب والعرض ولم تنجح في رفع الكفاءة الاقتصادية وتكثيف الإنتاج ولا في تحديث القطاع الزراعي. لتحديد الأهداف المرجوة في القطاع الفلاحي والزراعي لابد من وضع إستراتيجية شاملة و كاملة تأخذ بعين الاعتبار التعرف على المحددات والعراقيل التي تتفاعل مع بعضها مكونة المناخ المحدد لتنمية الزراعة، إذ أن عدم تحديد تلك المحددات والعراقيل والتعرف عليها قد يدفع إلى صياغة غير واقعية من خلال تحديد أهداف وآليات لا تتماشى مع الواقع الفعلي لظروف الزراعة الجزائرية الحالية.