الجزائر

الفضاء الأزرق الذي تاه فيه شبابنا



الفضاء الأزرق الذي تاه فيه شبابنا
تروي إحدى الأساطير اليونانيّة القديمة أنّ "باندورا" أُعطيت صندوقاً يحوي كلّ شرور العالم، وتمّ تحذيرها من مغبّة فتحه.. كانت تعلم جيداً أنّ فتح الصندوق سيُخرج الشّرور، ويفتح الويلات عليها وعلى البشرية.. لكنّها لم تستطع مدافعة الفضول في داخلها، فاستسلمت لنفسها وفتحت الصّندوق، فخرجت الشّرور وتناثرت في كلّ مكان!هذه الأسطورة الخيالية المرتبطة بعقائد قديمة بالية، ربّما تصوّر جانبا من واقع الحال الذي يعيشه بعض المسلمين مع صندوق الفايسبوك، مع فارق مهمّ بين الفايسبوك وصندوق "باندورا" الأسطوريّ هو أنّ الفايسبوك يحتوي الخير والشرّ، لكنّ كثيرا من فاتحيه قد فتحوا على أنفسهم شروره وتركوا خيره، فلوّث الشرّ قلوبهم وعقولهم وأخلاقهم وطباعهم وقتل هممهم.لم يعد موقع الفايسبوك، أو كما يسمّى "الفضاء أو العالم الأزرق"، مجرّد موقع على شبكة الإنترنت، يدخل إليه الشّباب للاطّلاع والتّسلية وقتل الوقت، وإنّما أضحى عالما يعيشه كثير منهم بعقولهم وقلوبهم وأرواحهم، لا يكادون يفارقونه عائدين إلى عالم الواقع إلا قليلا.. أصبح شبابنا لا يصبرون على البقاء من دون اتّصال مع العالم الافتراضيّ، حتى في أماكن العمل وفي الجلسات العائلية الجادّة، بل وفي المساجد، لا يفوّت الواحد منهم أيّ فرصة للدّخول إلى هذا الفضاء والاطّلاع على جديد ما دوّنه ونشره الأصدقاء. بل إنّ بعضهم قد بلغوا مرحلة الهوس بالفايسبوك، وهو مرض عصريّ تحدّث عنه علماء الطبّ النّفسيّ، وقالوا إنّ أخطر مراحله مرحلة الإدمان "Facebook Addiction Disorder"، ولعلّ كثيرا من إخواننا الشّباب قد أدركوا هذه المرحلة وأصبح الفايسبوك بالنّسبة إليهم كالهواء الذي يتنفّسونه! أنساهم واقعهم وأهلهم وأصدقاءهم الحقيقيين، بل وأنساهم أنفسهم والاهتمام بمستقبلهم ومتطلّبات واقعهم، بل الأنكى من هذا أنّه أنساهم دينهم، وأنساهم خالقهم؛ كيف لا وقد تحوّل إلى معبود تُخصّص له أعزّ الأوقات في اللّيل والنّهار، ويستولي على اهتمام العقل والقلب والرّوح، وربّما تجد الشّابّ يؤخّر الصّلاة حتّى يشبع نهمه في تصفّح الجديد من المنشورات والتّعليقات والرّسائل، وفي محادثة هذا وهذه وممازحة ذاك وتلك! وإذا قام إلى الصّلاة قام وقلبه لا يزال حبيسا في الفايسبوك.لم تعد معضلة الفايسبوك الوحيدة في أنّ شبابنا أصبحوا يعيشون بشخصيات أخرى في هذا العالم تختلف كثيرا عن شخصياتهم الحقيقية، شخصيات يميّزها التكلّف والتصنّع والتشبّع بما لم يعطَوا، وإنّما هي أكثر من هذا في التعلّق بشخصيات هذا الواقع الافتراضيّ إلى الدّرجة التي يستعيض بها الواحد منهم عن أهله وأقاربه وأصدقائه في العالم الحقيقيّ، وربّما تكون هذه الشّخصيات في كثير من الأحيان شخصيات عابثة تحضّ على الإثم وتشجّع عليه، وتساعد في الوصول إليه وتذلّل سبله، فيقود إدمان الفايسبوك إلى إدمان الإباحية، والعلاقات مع الجنس الآخر، وما يتبع ذلك من ضياع الحياء والمروءة وإهدار الأوقات في أحاديث ربّما تستغرق ساعات اللّيل، وتقعد الطّرفين عن واجباتهما الدينيّة والدّنيويّة.ليس كلّ شبابنا قد تاهوا في عالم الفايسبوك، فهناك شباب كثر ولله الحمد وجدوا في العالم الأزرق ميدانا رحبا للدّعوة إلى الخير والتّعاون على البرّ، لكنّ أكثر شبابنا-مع كلّ أسف- من الصّنف الذي وجد في الفايسبوك ملاذا لإشباع نزواته واتّباع أهوائه، والاستقالة من واقع الحياة، ما يمثّل بالنّسبة إلى هؤلاء بديلا عن المخدّرات، لا يقلّ تأثيرا عن تأثير تلك السّموم.. فلْيحذرْ شبابنا الضّياعَ في هذا العالم ولْيتحلّوا بالحزم في التّعامل معه ولا يعطوه أكثر ممّا يعطون واقعهم الحقيقيّ الذي يعيشونه وسط أمّة هي في أمسّ الحاجة إلى يقظة شبابها، وليستعن من رام التحرّر من قيود الفايسبوك منهم بقول أحد الحكماء: "عِندما تريد الابتعاد عن إدمان شيء ما، فإنّ أوّل ما تواجِهه هو التَّفكير به في أوقات الفراغ، فإن قتلت الفراغ انتَصرت".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)