الشّورى في نظام الحكم الإسلاميّ هي إحدى الأسس الثّابتة في ، وهي تقوم على أخذ آراء أهل الخبرة والمعرفة في شتّى المجالات التي من شأنها أن تعمل على الارتقاء بالدّولة والمُجتمع على حدّ سواء؛ لتحسين معيشة الرّعية ومُستواهم فكريّاً وماديّاً وصحيّاً، كما تقوم على أخذ الأفكار المُتعدّدة والتوصّل لأفضل الحلول والطّرق التي تُعين على الرّفع من شأن الأمّة والدّولة معاً.
فالشّورى هي أساس ثابت راسخ من أسس نظريّة الحكم في الإسلام، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى سورةً كاملةً في باسم الشّورى، وورد في القرآن الكريم أكثر من حول موضوع الشّورى، ومنها ما جاء في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ).
الديمقراطيّة كلمة يونانيّة تتكوّن في الأصل من كلمتين؛ الأولى (ديموس) ومعناها عامّة النّاس، والكلمة الثّانية (كراتيا) ومعناها حكم، ويكون معنى الديمقراطيّة حكم النّاس للنّاس، أو حكم الشّعب للشّعب، وهي فكرة نشأت في الغرب للمُطالبة بالعدل والحريّة في ظلّ الظّلم والاستبداد والجهل الذي ساد الغرب في العصور الوسطى.
إن النّاظر والمُتفكّر في كل من النّظامَين يجد بين الشورى فرقاً كبيراً، ويظهر هذا الفرق من خلال المجالات الآتية:
للشّورى أهميّة عظيمة وكبيرة في حياة جميع الأمم والشّعوب، وإنّ أيّ أمّة أو دولة تنشد الخير والصّلاح والفلاح والنّجاح في الدّنيا والآخرة، وتبحث عن العدالة والمُساواة والعزّة والأَنَفة ، وتُحبّ أن تنعم بالأمن والأمان والاستقرار والطّمأنينة والرّخاء، وتبتغي منع الظّلم والوقاية منه ومنع التسلّط والقهر والاستبداد، فلا بد أن تكون الشّورى سمةً رئيسيّةً لدى هذه الأمة ومنهاج حياة لها؛ لأنّه بترسُّخ مبدأ الشّورى تكتشف الحقائق وينجلي الزّيف والعمى، ويظهر الصّواب ويصحّ الرّأي، وتتعاضد الجهود، وتتوزّع المسؤوليّات، ويقوى عضد الأمّة وشوكتها، وليس ذلك إلا لأنّه بالشّورى تنبعث عوامل القوّة والألفة والمَنعة والمودّة والتراصّ والمحبّة بين أبناء المُجتمع والأمة، المُثمر الجادّ والتّناصح البنّاء بكل إخلاص وحرص، وتتشابك الأيدي وتتضافر الجهود لحلّ المشاكل والمُعضلات، وبالشورى يصل المُجتمع إلى ما يرنو إليه من نصر ورقيّ وعِزّة وارتقاء ونجاح عظيم عميم في شؤون الدّولة والأمّة والمُجتمع بأسره، بكل ما يتعلّق بأمور الدّنيا والآخرة.
بالشورى تُبنى المُجتمعات الرّاقية والأمم الفاضلة القويّة، وبالشّورى يتحقّق النّصر وتتعانق القلوب، ويلتقي أهل الشّورى وأهل الحقّ ليرتقوا بالأوطان فيُعمّروا بلادهم ويرضوا ربّهم المولى تبارك وتعالى. تُعتَبر من أهمّ خصائص نظام الحكم الإسلاميّ؛ فالشورى تشريع ربانيّ، وهي من صفات المُؤمنين المُلتزمين بطاعة الله، المُوحّدين الذين جاهدوا أنفسهم قبل أن يجاهدوا أعداءهم، فلا نصر على عدوّ خارجيّ قبل ترتيب الصفّ الداخليّ، وهي سُنّة ربانيّة لمن أراد أن يعمر هذه الأرض ليُحقّق الذي أراده الله تعالى، فلا يتمسّك بالشّورى إلا الذين استجابوا لله الملك القدّوس، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَأهم يُنْفِقُونَ).
وللأهميّة العظيمة لنظام ومبدأ الشّورى في الإسلام فقد ورد ذكرها في الآية الكريمة بين كلّ من الصّلاة ، فقد وصف الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بأنّهم استجابوا لربّهم عزّ وجل، وأقاموا الصّلاة، وأدّوا ما فُرِضَ عليهم من الزّكاة، وكان منهجهم قائماً على الشورى. وسياق النصّ في الآية الكريمة في قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، وقد جاءت تتوسّط والزّكاة ليدل ذلك على وجوب المداومة على الشّورى، فكما أنّ المُداومة على الصّلاة والزّكاة فرض وواجب، فالمُداومة على الشّورى فرض وواجب كذلك.
ويتّضح كذلك من خلال هذه الآية الكريمة أنّ الإسلام ليس محصوراً على العبادات الحركيّة، كالصّلاة والزّكاة مع الفضل العظيم لهذه العبادات وأهميّتها، فالتمسّك بالزّكاة والصّلاة والصّيام يدفع للتمسّك بالإسلام، والتمسّك بالشّورى عقيدةً وشريعةً ومنهاج حياة، فالإسلام دين شامل عظيم، وهو منهج حياة بكل ما للكلمة من معنى، وليس في سلطةً قاهرةً تحدّ من الحريّات وتكبتها أو تمنع النّاس من حقّهم في أن يُبدوا رأيهم فيما يتعلّق بشؤون دولتهم وأمّتهم ومُتابعة شؤونها، والمُشاركة في كلّ ما من شأنه أن يعمل على رُقيّها وتقدّمها.
تاريخ الإضافة : 01/07/2019
مضاف من طرف : mawdoo3
صاحب المقال : محمد ابو خليف
المصدر : www.mawdoo3.com