الجزائر

الغيرة الأدبية.. كيف تدمّر مبدعا في أربعة أيّام



الغيرة الأدبية..              كيف تدمّر مبدعا في أربعة أيّام
الغيرة الأدبية..! حسناً.. هذا أمر طبيعي. تقول جدتي "لولا العناد ما جابت المرأة الأولاد". إذن لماذا نطعن هذا الصدر الأدبي الذي يحمل صدق الطبيعة ولولاه ما ولدت الكتب والأشعار، فقط عندما نقصد مرادفاً آخر لهذا المعنى اللبق، يصير الأمر ملوثاً بكثافة سوداء لا تنفع معها تعويذات الكبالا، لذا أكاد أجزم أن التفسير أو الترجمة الحرفية لمصطلح الغيرة الأدبية لدينا هو التدمير الأدبي. واو.. التدمير الأدبي..! يبدو اللفظ وكأنه قادم من زمن الرسوم المتحركة.. من ڤريندايزر والخطر الذي يداهم البشرية، والحقيقة أن الأمر أفظع، لأن أسمى ما في البشرية هو خيط البقاء الذي يشده الحرف والهوس الإبداعي.نعود إذن إلى مصطلحنا التدمير الأدبي، وفيما يلي نقدم بعض تقنيات التدمير الأدبي المشاع استعمالها بيننا، والتي تسقط على رؤوس مبدعينا تباعا، للأسف هي منهم وإليهم، لذا يحضر حضرا تاما التدخل الأجنبي.الخطة التدميرية رقم 1 من أفتك الوسائل التي يحارب المبدعون بها بعضهم هي نسف الإبداع، كأن يقول الأصدقاء المبدعون لمبدع ما افتراضا.. وأرجوا إنصافي في هذا اللجوء الافتراضي:"هل تعلم هذه الحالة السردية التي كتبت بها روايتك الموسومة "شاطئ رائع للسباحة" هي ذاتها موجودة عند كزانتزاكي في مذاكراته تقرير إلى غريكو، العنوان أيضا تكرر في الأدب العالمي سبع مرات، لذا الأجدر بك أن نرفع التكلفة عن كلمة رائع، كما أن الأبطال يحملون أسماء لا تعبر عن المجتمع الجزائري، يا صديقي كيف تسمي بطلتك مارتا، ثم من أين لك تلك التعابير المنمقة.. هذا ليس نصك هيا اعترف من أين سلخته؟". وطبعا الهجوم الجماعي يجعل قلب المبدع الرهيف يشعر بلعنة روايته فيدخل في دائرة الشك، والشك في الأدب تردد وتأخر وانحطاط.الخطة التدميرية رقم 2 اللهجة الثانية قد تكون أشد حدة لأنها نسف لعين، كأن يصاب المبدع بالعمى عن إبداع صاحبه، ذلك التجاهل الذي يجعلك تسأل نفسك:"أليس كتابي هذا الصادر مطلع هذا الأسبوع" وتلتقي تجاهله بعد عام ليطلعك على الخبر الجديد:"آه سامحني والله نقراها إن شاء الله نقراها"، فلا نرتقي إلى مرتبة النقاش وإنما تبقى في خط الإنطلاق الأول.. شادي مادي نقرا هادي ولا هادي، وفي النهاية ينتصر العمى ولا نقرأ بعضنا لأننا نخاف أن نعترف لأنفسنا أن فلان قد كتب شيئا جيدا.الخطة التدميرية رقم 3 أوكي.. لا تقرأه وإذا قرأته تنسبه لأي قذارة عالمية عدا أن يكون من فيض تجليه الإبداعي، لا يهم نحن أصدقاء ويفترض بالأصدقاء أن يتسامروا ويتبادلوا حال الدنيا، لكن للمبدع خاطر مكشوف، وبالتالي سوف ينسج لك كل العلاقات المتخيلة طبعا في حدود الوعي الثقافي العام، لذا ستكون الوشايات من العيار العالمي.. كالعلاقات المثلية والمجون الهيبي.." يا رجل سمعت أنك.. وأنك.. كيف لم تشبع بعد من معجباتك وتريد القفز إلى...؟؟". بالتأكيد قذف الأعراض كفيل باللعب على وتر الجذب على الأقل لمبدع جاء لإبداع بمجموعة بل مجموعات من العقد المتراكمة على صدره منذ أجيال فتستحيل اللعبة شكلا نمطيا واحدا يتكرر في كل مرة، هذا النمط هو كشف المستور سيما إذ كان المبدع بلا بيت ولا مأوى يضطر وسطه المبدع في كل مرة للتعري من أجل الاستحمام؟؟ الخطة التدميرية رقم 4 ندخل الآن لعبة التدمير الشخصي، لأن الإبداع في الحالة الجزائرية محدود النسل، حوالي ثمانين بالمائة من المبدعين لا يكتبون ويقتاتون على ما قدموا به أول مرة من مدنهم الداخلية، وعليه الحركات التصحيحية التي يفترض أن تكون ستتلخص في كيفية القبض على إبداع هو في الحقيقة ميت ولا وجود إلا لشبحه. هنا نبدأ مرحلة التدمير السريع وهي كما الواجبات السريعة يمكننا القيام بها وقوفاً، وهي تباعا كما يلي:-    هذه تكتب على الطراز المستغانمي، وهذا يحاول أن يخلق نجمة.. هؤلاء الأغبياء لا يستحقون الذكر.    - كيف يتمكن هذا اللعين من الإستثمار في أوجاعنا، قطعا نرفض أدب الثورة وأدب العشرية السوداء، إننا نريد الأدب المتصالح مع حلمه فقط.-    محجوب من كل القوائم الخاصة بالملتقيات والسفريات والأسابيع الثقافية.. من يعتقد نفسه ابن.. ماركيز الجزائر؟-    لا يستحق التنويه بعمله الإبداعي في هذه الجريدة لأن ابن بلده الذي يشتغل في الجريدة المقابلة لم يكتب عنا شيء.-    أوكي؛ لنجعل له منصبا على رأس مديرية ثقافية كي يسكت عنا للأبد ولا يعود للكتابة على الإطلاق.الشيء الوحيد الذي نتعامل معه بأدب هو القادم من اعتراف خارجي، هو الذي يملك تزكية ما - لا يهم على الإطلاق الجهة المزكية - المهم أنها خارج سلطتنا وغيرتنا وقنابلنا التدميرية.هاجر قويدريالغيرة الأدبية جميلة والحسد مرضربيعة جلطيلا أعتقد أن الأمر بهذه القتامة، إذا استثنينا بعض حالات البارانويا التي يتميز أصحابها بالتشكي الدائم والبكاء والتظلم واستجداء الشفقة، وكـأن العالم كله ضدّهم ،فإن المبدع الجزائري عموما لبق ويعرف كيف يفتَكّ التهنئة أو يقوم بواجب تقديمها .شخصيا إن سعادة الآخرين ونجاحهم تنعكس إيجابيا على نفسيتي وتؤذيني انتكاسات الآخرين حد البكاء، أحب فرح النجاح في عيون الناجحين وأحب غالبا أن أثمنه بكلمة تهنئة أو رسالة قصيرة، سواء منهم الذين سبق أن حققوا شهرة عربية وعالمية أومن هم على الطريق، لا فرق عندي، تسعدني رؤية الفرح، ليس ذلك فقط بل كم عملت في تعب وصمت وأنا مديرة الفنون والآداب على الرغم من شح الميزانية آنذاك، لفتح نافذة النشر والسينما والمسرح والتكريم وجائزة رئيس الجمهورية وكثير من المشاريع والأفكار التي كنت أتخيل من خلالها وجوها سعيدة، وكم أسعد الآن عندما أجد اعترافا بالصدفة بذكر اسمي في كتاب أو جينريك فيلم ناجح تحصل على جائزة عالمية أو غير ذلك.أقول إن من يعيش في التفاصيل اليومية الجزائرية، يدرك أن المبدعين الجزائريين ليسوا حالة شاذة، إنهم مثل غيرهم في المشرق والغرب، إلا أنهم لا يرتاحون للذين يعتبرون أنفسهم عليهم درجة، لا غرابة إذن فالمبدع الجزائري من رحم شعبه، بذلك فهو يرفع من يتواضع له ويرفض المتبجحين حتى لو نالوا "جائزة نوح" لحفظ أجناس الخليقة، كثيرا ما أرى من حولي من المبدعين الجزائريين من يباركون نجاح بعضهم بكل سمو وعفوية وحضارة وبالطرق والوسائل الحديثة المتاحة يبعثون بالتهنئة كلما صدر لأحد كتاب أو تحصل على جائزة أو تكريم دون أدنى تردد أو عقد، وينتصرون لجزائرية المكرم، ومازلت أذكر مئات الرسائل والهواتف حين تم تكريمي كشاعرة جزائرية في الإمارات سنة 2003 من طرف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، ومرورا بأحداث أدبية سعيدة أخرى كثيرة لعل آخرها حصول روايتي "الذروة" على النجاح والرواج. كان فرح المبدعين بيّنا في عيونهم. فمن قال إن المبدع الجزائري يكره نجاح غيره أعتقد أن المبدع الجزائري يحب الناجحين وربما لا يحب المتبجحين. ومن كل قلبي أتمنى أن ينجح المبدع الجزائري لأن نجاح أحدنا هو رفع الحصار والغبن والإجحاف والنسيان على الآخرين.نحن نعيش حرب أجيالإبراهيم صديقيفي جذور التاريخ الأدبي القديم، ومنذ عصور خلت، شهدت الساحة الثقافية تنامي ظاهرة الكراهية، وبروز بذور التحاقد بين المثقفين. أما بروز هذه الظاهرة في أوساطنا الوطنية فقد بدأت بعد السبعينيات، تلك الحقبة التي ظهر معها العديد من الكتاب والمبدعين الذين ينتمون إلى عدّة توجهات فكرية وإيديولوجية، كانت تلقى الرفض من البعض في الكثير من الأحيان، ما ساعد على بروز حروب في المشهد الثقافي الجزائري لم تكن موجودة من قبل.ولعل أهم تلك الحروب التي شهدها الوسط المثقف عندنا هي الحرب الفكرية والأدبية والثقافية التي دارت، لسنوات عديدة، بين الروائيين رشيد بوجدرة والراحل الطاهر وطّار.أما في الوقت الحالي، فأهم الحروب إن صح التعبير التي يعيشها الوسط الإبداعي بشكل عام فهي حرب الأجيال، فكل جيل في الوقت الحالي يحسب نفسه هو الأولى بقيادة المشهد الثقافي والإبداعي عموماً، كما يعمل كل جيل على إلغاء الآخر فكرا وحضوراً في المشهد.كأن النجاح نقيصة في مجتمعنا! كمال قرورالفرح سلوك إنساني واجتماعي، وهو جزء من ثقافة المجتمع. قضية الفرح لا ترتبط بفرح فئة دون فئة أخرى. وكأن فرح المثقف يختلف عن فرح العامة. الثقافة هي السلوك الإجتماعي الذي يشترك فيه أبناء المجتمع ويحدد تصرفاتهم. هل تأملنا أعراسنا وأعيادنا الدينية والوطنية؟ هي مدهشة وغريبة، لا يمكنها أن تقام إلا بالبارود و"المحارق" التي أصبحت تضاهي القنابل؟ وهل تأملتم فرح أطفالنا؟ طبعا لا يكتمل إلا بالأسلحة المختلفة من سيوف ومسدسات ورشاشات ومدافع ودبابات. هذا هو مشهد الفرح العام. وهذه هي ثقافة الفرح في مجتمعنا أحببنا ذلك أم كرهنا؟أنتم تقرؤون تعازي "البيديجيات" على صفحات الجرائد لموت مسؤول مرموق أو قريبه أو صهره أو أي شخص له صلة قرابة مهما كان نوعها، قد تأخذ التعزية نصف صفحة أو ربع صفحة أو ثمن صفحة، بالمفهوم الملمتري الإشهاري.هل رأيتم إشهارا مثل هذا يبارك نجاح مثقف أو مفكر أو شخصية بارزة اعتلت منصبا مستحقا وطنيا أو دوليا، أو نالت وساما أو استحقاقا مهما كان حجمه وقيمته. هذا الفرح غير  مدرج في ثقافة المؤسسات و"البديجيات".في المقاهي والأماكن الخاصة والصالونات.. هل سمعتم الجالسين يتحدثون عن نجاحات فلان أو نجاحات مؤسسة اقتصادية أو جمعية ثقافية أو خيرية أو منظمة إنسانية؟ الحديث في الغالب مقتصر على ما هو سلبي لاغير، "التمنشير".. كأن النجاح نقيصة في مجتمعنا، لا نحب تداول أخبارها، بقدرما نولع بالترويج للسقوط والهفوات.عدم احتفاء المثقفين بنجاحات بعضهم جزء من الثقافة السائدة في المجتمع، ولا يثير الغرابة والدهشة بالنسبة الي على الأقل. في الأسر والعائلات والأحياء والمدن، الفرح مصادر بين الإخوة والأقارب والأصدقاء والزملاء، لأنه مريب، بينما السقوط غنيمة.الخبر/ الألم تتلقفه الألسنة أكثر مما تتلقف الخبر/الفرح. الخبر/ الألم خفيف للترويج والاستهلاك بينما الخبر/ الفرح ممل وثقيل الهضم.موضوع الفرح يحتاج إلى معالجة شاملة ومتأنية وفي سياقه العام وليس مبتورا، سيكون حتما مثمرا لمعرفة الذات أكثر. نحتاج إلى نبش طبقات شخصيتنا لمعرفة الرواسب التاريخية التي تراكمت عليها. شخصيتنا في حاجة إلى علاج نفسي. "عدوك هو صاحب صنعتك"..الخير شوارهناك حكمة سمعتها من أفواه الحرفيين مفادها أن "عدوك هو صاحب صنعتك". فشيء طبيعي أن يغار هذا من ذاك لأنه حقق إنجازا لم يحققه الأول، أو يعتقد أنه من نصيبه لو سارت الأمور على نحو آخر. وتتطور هذه الغيرة أحيانا إلى درجة العداوة بين الشخصين، فلا عجب أن وجدت الكثير من الروائيين أو الشعراء لا يكلمون بعضهم بعضا لمدة قد تصل إلى العمر كله. فهذه هي القاعدة الإنسانية وغيرها استثناء نادر قد لا يحدث إلا في عالم الملائكة. وأعتقد أن المشكلة عندنا لا تتوقف عند الغيرة والحسد، وحتى العداوة بمفهومها النبيل، بل ينسى البعض عمله أو يصبح له من همّ إلا ضرب خصمه تحت الحزام وبشتى السبل. لكن قد يتداخل هذا المعطى مع معطى آخر، هو وهم العظمة الذي يصور للبعض أن "صاحب صنعته" هو الذي حرمه من هذه الجائزة أو من ذاك الإمتياز. والكثير من هذه الامور ما هي إلا تصورات لا أساس لها من الصحة، وقد تطورت كثيرا إلى أن تحوّلت إلى حالة مَرَضية. فألا يفرح المثقف الجزائري بنجاحات غيره أمر طبيعي جدا كما أرى.   قد أناصر كاتبا موهوبا حتى لو كان أمريكيا ولا أناصر كاتبا رديئا حتى لو كان جزائريابشير مفتيومن قال إنه لا يفرح؟ هناك فرح حقيقي عندما ينجح الفنان الحقيقي والكاتب الحقيقي والمثقف الحقيقي وهناك عدم فرح، أو ربما استياء أو تساؤلات مشروعة تطرح على نجاح من لا يستحقون ذلك، طبعا تبقى الأمور نسبية.. فما معنى النجاح، هناك بعض الكتاب عندنا بمجرد تحقيق شيء بسيط يشعروننا كأنهم صعدوا للقمر وفتحوا قارات جديدة أو لا أدري، وهذه النجاحات الوهمية لا تقع إلا في الرؤوس التعيسة التي يكفي أحيانا أن يترجم لها كتاب حتى تشعرنا أنها دخلت للعالمية، أو تتحول روايتها لمسلسل تلفزيوني بسيط حتى تصبح ناجحة بالمقاييس الجزائرية أو تفوز بجائزة خليجية..الخ.أصدقك القول.. الكاتب الجاد والمتواضع، والذي يعمل بجد ولا يحسد غيره، عندما يحقق قفزات نوعية أو نجاحات صغيرة أو كبيرة لا أحد سيستاء من فوزه أو نجاحه، بالعكس سيكون الناس كلهم متفقون على قيمته أو أهميته. طبعا؛ المسألة خاضعة للمزاج الجزائري المتلون الذي هو نتاج حرمانات كثيرة وجوع للإعتراف به وضعف أحيانا في ثقته بنفسه يبحث عن "النجاحات المزورة" و"البهرجة الشكلية"، ويريد أن يكون "ستار" بالمعنى الفني للستار أي مشهورا.  النجاح مشكلة بالفعل قالها كولن ولسن في مذكراته "رحلة نحو البداية"؛ حيث عنون فصلا بـ"مشكلة النجاح"، لكن شخصيا أعتقد أن الموهبة عندما تنجح بالفعل ستخلق أعداء وحسدا وغيرة، ولكن الرداءة عندما تتأهل بسبب عوامل كثيرة ليس هنا وقت لشرحها، تخلق وضعا غير طبيعي في نفوس الناس المؤهلين بحق. ولكن كل هذا لا يشفع لأحد أن لا يسعد بنجاح قيمة جزائرية ولكن ليست الجزائرية هي ما يشفع لها بالتضامن ولكن التميز والكفاءة، ولهذا فقد أناصر كاتبا موهوبا حتى لو كان أمريكيا ولا أناصر كاتبا رديئا حتى لو كان جزائريا.. هذا رأيي المقتنع به ولا أظنني سأتراجع عليه.هذا مرض "معربز"عادل صيادأعتقد أنّ في صيغة طرح السؤال تعميما لا يمكن التدليل عليه في الواقع. كما أعتقد أنّ هذه الظاهرة، على نسبيتها، لا تعني إلاّ المثقفين والمبدعين المعرّبين.. وأضع سطرين كبيرين بالأحمر على لفظتي "مثقفين" و"مبدعين".وقبل أن أقدّم رأيي بالتفصيل، أريد أن أسرد قصّة ذات دلالة عميقة في الموضوع. ففي لقاء ودّي بالمرحوم الطاهر وطار بالجاحظية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، سألته بصدق: ( كيف سيكون شعورك يا عمّي الطاهر لو تفوز بجائزة نوبل للآداب وأنت حقّا جدير بهذه الجائزة؟ ولماذا لا تلتفّ حولك الفعاليات الأدبية وترشّحك لنيل هذه الجائزة؟)، تنهّد عمّي الطاهر عميقا، وأطلق ابتسامة في غاية المكر وقال:(لو أفوز بهذه الجائزة أو غيرها من الجوائز الأدبية ذات القيمة الرفيعة، أخاف وأنا عائد من بلد الاستلام وأصل مطار الجزائر، أن يقطع طريقي فلان -لا أسمّيه تفاديا لمعارك وهمية أخرى -  ويقول إنّني الأولى بنيل هذه الجائزة، وأنّ وطار غير جدير بها، وقد يذهب به الأمر إلى النبش في أخصّ خصوصياتي بحثا عن أيّ إدانة لمحوي من المشهد الأدبي.. فالحمد لله أنّني لم أفز بمثل هذه الجوائز!)قلت لا أريد أن أذكر بالاسم المعني بحكاية عمّي الطاهر، وهو روائيّ كبير مهووس بالجوائز، ولكنّ العبرة في الحكاية أنّ المحسوب على المعرّبين لا يستمتع بحياته إلاّ بالقدر المطلوب لإلحاق الأذى والتنكيل بغيره، وقد تجاوز مقولة "قتل الأب" إلى "قتل الشقيق" على خلاف الكتاب والمثقفين باللغة الفرنسية والأمازيغية، الذين يؤسسون لنوع جميل من الإستمرار والتعايش بين الأجيال ويحتفون ببعضهم البعض بأرقى ما تكون العلاقات الطبيعية بين المثقفين. ولقد لخّص الدكتور أمين الزاوي خصوصيات هؤلاء وأولئك في حلقتيه الأخيرتين بيومية "ليبيرتي" بنوع من الدّقة والتفصيل الداّلين على مرضية الوسط "العربوفوني". ويمكن ـ هنا - أن أضيف أنّ أكثر من خمسين بالمئة من الكتّاب والكتبة من المعرّبين لا علاقة لهم أصلا بالإبداع والثقافة، وقد ساهم غياب النقد ووسائط الإعلام الأدبي الجاد في أن أصبح الإنتساب إلى فئة المثقفين والمبدعين مجرّد رغبة فردية يمكن تحقيقها دون أيّ عناء، بل يمكن الإستيلاء على أهمّ مؤسسات الثقافة والإبداع باسم ذاك الانتساب ،ولنا فيما آل إليه الإتحاد خير دليل على حالة "الخلع" التي مارسها كتاب "مايد إن طايوان" على الكتاب الحقيقيين.المسألة إذن أعمق من فكرة لماذا يفرح أو لا يفرح المثقف الجزائريّ لنيل مبدعينا الجوائز ولا يحتفي بنجاحاتهم. فنحن لم نعد قادرين على التمييز بين كاتب حقيقي وآخر مزيّف، وبين هاو ومحترف، بين نفيس وقصدير، بين ماء وسراب. ولكنّ الأكيد عندي أنّ المزيّفين المنتشرين كالهشيم في حقل الثقافة الجزائرية ومؤسساتها، مستعدّون لأيّ شيء قصد طمس أيّ جمال وأيّ نجاح أصيل، لأنّ النجاح يكشف عوراتهم وحالات المسخ المتقدّمة التي بلغوها.في حديث الضرائر.. إنه زمن الحشاشينوسيلة بن بشيفي البداية أريد أن أوضح أمرا مهما، لن أعود بكم إلى القرن الحادي عشر كي أحدثكم عن الحشاشين ودورهم التاريخي على مدار قرنين. هذا ليس موضوعي أبدا، ولكن حديثي سيكون عن الحشاشين الجزائريين.. هل هناك حشاشين؟.. طبعا هناك الكثير منهم، ومهمتهم تنحصر في "حش الرجلين".. إذا المصطلح جزائري خالص لأننا هنا سنتحدث عن عماليات "حش الرجلين" التي يتبناها أغلب المبدعين، جوازا، أقول مبدعين.كثر الحديث عن فشل تسويق نجاحات مثقفينا إلى الخارج ولكن قبل أن نتحدث عن فشل التسويق علينا أن نتحدث أولا عن الغيرة المرة في الوسط الأدبي الجزائري.. تشعر وأنت تحدث بعضهم وكأنك تحدث الضرائر عن بعضهم بعضا.. حتى الآن لم ألتق مبدعا جزائريا يقدم شهادة حق في أخيه المبدع.. فالكاتب والشاعر في الجزائر يعتقد أنه الوحيد فوق رؤوس الأشهاد ولمجرد أن يسمع أحدا نشر كتابا حتى ينطلق في تعداد مساوئه، طبعا، اللغوية أو الأسلوبية أو رؤاه أو أفكاره لكن مساوئه المتعلقة بحياته الخاصة..والأدهى في الأمر أن الواحد منهم يحدثك عن الكاتب الفلاني أنه لا يصلح أبدا ككاتب.. لكن عندما يلتقي ذات الكاتب غير الصالح تجده يثني عليه ويغدق عليه جبلا من المجاملات.. ورتبة الكاتب في كل الأحوال تتأتى من موقعه في السلم الوظيفي أو الاجتماعي، فإذا كان المبدع مثلا مديرا أو ما شابه فبعض الذين يشكلون الوسط الأدبي مستعدون للحس التراب بين يديه وسيتحول في أعينهم إلى كاتب كبير بل وعبقري..أما إذا كان المبدع لا يملك من هذه الدنيا سوى إبداعاته ستلوكه اللسان وتحتقره في أي مناسبة ومستعدة لأن تقطع عنه الطريق إلى الأمام، وهم على استعداد أن يتحولوا إلى "حمالة الحطب"، فقط حتى لا يمر هؤلاء المبدعين. الحكاية في الغالب تنتهي إلى "شد مد يا احمد". قد يكون كلامي تجريديا خالصا، لأن المقال بحاجة إلى أسماء كي أطعم بها رأيي لكن ماذا افعل والحديث حول الضرائر، وليس هناك أخطر من الضرائر التي ستنهش لحمي لمجرد ذكر اسم أو حادثة في الموضوع.خلاصة القول؛ إن هذا الحقد والغل الذي يكنه بعض المحسوبين على الإبداع لبعضهم بعضا، سببه أن غزاة ساحة الإبداع هم من الفطريات وليسوا مبدعين حقيقيين، لأن هناك كساد ثقافي عام. لدينا رداءة مؤسسة نحسن تسويق الهزائم و"التبهديل" ولا تعترف بتسويق الإبداع. وكي ننتهي من هذه الفوضى علينا أن نتخلص من الفطريات وأن نسمي الأشياء بأسمائها. فليس كل من رصف كلمة "نورسة" شاعر، وليس كل من أصابه إسهال لفظي على الورق روائي وهلم جرا.. أسئلة ومقاربات حول مشاكل السّاحة الروائية الجزائريةشرف الدين شكريأصبحت النار تطلق في العلن اليوم بين الروائيين الجزائريين، بعدما خمدت نار حرب بوجدرة وواسيني وبشير مفتي وعمي الطاهر رحمه الله، قبل سنوات، وقبلها ببعيد نوعا ما، نار مالك حداد وكاتب ياسين وبينهما اسياخم. ها هي ذي نار أخرى تفتح في جبهة أخرى، بين أمين الزاوي بمساعدة السيدة حرمه اللذان رفعا لواء الحرب شعارا مشتركا، والذي يفاجئنا اليوم بغرابة نزع قيمة مكتبة كالأسكندرية بعد زيارة واسيني لها، وإهدائه لجميع أعماله لها هو وزوجته أيضا! وها هو ذا واسيني يصرح بكل هدوء وحبّ لفوبيا، بأن الأسماء التي أثبتت فشلها في التأقلم مع الساحة الثقافية الحالية للإبداع هي وحدها من تُشعل الحرب المجانية في الساحة. هاهو ذا أيضا سمير قسيمي يصرح قبل يومين، بأن روايته لا يُعلى عليها، وأنها هي الجديرة بالسّبق، وبحصد كل جوائز المسابقات، وبأنها هي "سيدة المقام" في البوكر العربية بلا منازع، وبأن الروائي فيه قد اكتمل على أحسن وجه. ها هو ذا أيضا بشير مفتي ينادي على الجميع، مع التلميح غير المباشر لشخص بعينه! بأن الترشح للبوكر لا يعني البتة انتقاص من قيمة الكاتب، وأن الإعلان الرسمي للترشح وجب أن يكون بسيطا، دون الحاجة إلى مداراة ذلك، والتحجج برفع العمل من قبل الدار الناشرة وليس برغبة من الكاتب. وها هو ذا موراد بوكرزازة يدعو إلى الالتفات إلى بعض الأعمال الروائية التي التزم أصحابها بحكمة الزمن. ويعاتب الساحة المحلية على مسايرة الإعلام الإشهاري، بدل مسايرة الاكتشاف والاعتراف دون تمييز.ها هو ذا رابح فيلالي يخرج إلى العيان روايته الأولى ويعلن بأن الطبعة الإنجليزية جاهزة، وأن الطلب عليها فاق المتوقّع، وأن الطبعة الفرنسية قريبة الصدور! وها هي ذي على غير عادتها مديرية الثقافة لمدينة قسنطينة تحتفي بالعمل وتخصص بيعا بالإهداء لم ينله قبله من سبقوه من الروائيين. وها هو ذا سمير قسيمي يلقي بقنبلة غير متوقعة وينعت كل هذا بالبهرج الإعلامي لا غير. ها هي ذي رسائل غريبة تصل إلى بعض الروائيين كي تنمّ بينهم، وتقول صاحبتها : فطيمة بنفوضيل، بأن الروائي الفلاني شتم علانية الروائي الفلاني. وبأنها من المعجبين بكتابات فلان، ولذلك فهي لم تحتمل سباب فلان لفلان، فانتفضت ضدّ الموقف ! ....مواقف غريبة فعلا يندى لها الجبين، ولا علاقة لها البتّة بعالم الكتابة الفعلي، الذي يقوم أساسا على متابعة وتأطير مسار الرواية الجزائرية، ونقد تاريخ الرواية، والبحث عن مخارج لأزمة الكتابة -إذا كانت هناك فعلا أزمة-..إلخ من الحلول الممكنة، والتي لا يمكن توافرها إلا في فضاء يسوده الحب، والتنافس الشريف، والملتقيات التي تؤاخي بين المتبارزين في الساحة، لا تلك التي تكتفي بالبحث عن مواقع اللذة التي لا تنتهي، والنميمة، والملاسنات التي لا قيمة لها، والانتفاع بريع القوادة لوزارة يغيبُ في القائمين عليها روح الغربلة المتينة بغية تنمية الفعل الرزين الرشيد، وإلغاء الفعل الشنيع القبيح، كي تستمر عجلة مثاقفة هذا المجتمع المسكين، الذي هو في أمسّ الحاجة إلى ماينفعه فعلا في مسيرته الألفية التي كان من الأجدر على مثقفينا أن ينتبهوا لها، بدل تلك الحروب الكلامية التي لا تؤسس لشيء، إلا للكراهية.لقد كتب مالك حداد ذات يوم عالي الهمّة: "إذا كنت تُحبّ فاكتب، وإذا لم تكن كذلك؛ فضع القلم"، فكان من الأجدر بنا أن نروّج لمبدإ إنساني كهذا، بدل الترويج لمبدإ الكراهية والمكابرة. كلّ مثقف غشاش حتى يثبت العكسسليم دريدتبدو محاولة البحث عن إجابة لهذا التساؤل "الإشكالية"، في راهننا الثقافي الموبوء بشتى المحن والأزمات، عملية تنقيب يائسة مصيرها الفشل. وإذا كان من الضروري إيجاد نتيجة "سبب"، فإنه من اللازم عدم تجاوز المراحل "المحطات"، والبداية تكون بالقفز إلى ما وراء السبب "النتيجة"، لأن أخطر ما يقع فيه الطبيب الجرّاح، عزمه إجراء عملية جراحية للمريض دون الانتهاء من وصف دقيق للعلّة، ودون الحصول على مخطط كامل يبيّن طبيعة الداء "الإشكالية"، وبالتالي فإن عملية الاستئصال في ظل غياب التشخيص الصائب تكون أقرب إلى الإنتحار "اللاّنتيجة"، وهو أمر منتظر بل حتمي، ما دامت النية في تجاوز ذهنية "خط الرمل"، غير متوفرة حاليا، ومنه نستنتج أن أي مبادرة للتطبيب، ينطبق عليها ما يعرف بـ"حوار الطرشان".الحديث عن هذا الانشغال، يحيلنا إلى التراجع قليلا إلى الوراء، حتى يتسنى لنا الوقوف عند المصطلحات التي نستعملها أقصد (الثقافة، الإبداع والنجاح)، ومنه نتساءل، هل نملك واقعا ملموسا لمعاني هذه الكلمات العميقة، النبيلة والثقيلة؟.. الإجابة وللوهلة الأولى تبدو سهلة ومبتذلة. لكن حقيقتها لن تكون في متناولنا ما دمنا لم نخرج من دائرة التهريج والخلط. يجب البحث أولا مع أنفسنا ودون نفاق، عن مدى صدق المقاييس التي جعلت من صفات المثقف، المبدع، الناجح، رسائل غفران تمنح بمقدار الولاء والقرب والطمع، في بيت ملخبط غير منجز وفق أسس عمرانية صحيحة.عندما تصبح السوق عرضة للمضاربين، وأرضا خصبة لتداول العملة المزورة، فإنه من الصعب إقناع أي فرد داخل السوق بأن الأوراق النقدية التي بحوزة (فلان أو علاّن)، صحيحة وحقيقية وغير خاضعة لآليات التقليد "الغش"، حتى ولو كانت صحيحة فعلا، ومنه تنتشر ظواهر (النميمة، الوشاية والحقد)، وكل الممارسات غير الأخلاقية، تماما مثل المشهد الثقافي، حيث تنامت في ظل غياب مؤسسة نقدية حقيقية وجادة تقوم بغربلة وفرز الغث من السمين "المندس والموهوب"، فطريات الرداءة وباتت تتحكم في اتجاه سيل المشهد "الغثاء"، وبرزت إلى السطح ظاهرة الاقتناع بأن كل العملة "الأعمال الأدبية والفنية"، مغشوشة وغير حقيقية، وبالتالي فإن أي مثقف (غشاش حتى يثبت العكس)، يرى بأن أي تتويج (نجاح زائف)، يتحصل عليه زميله في السوق (المشهد الثقافي الفوضوي)، غير ذي قيمة، ومتمخض عن لعبة كان هو نفسه قادرا على إجادتها.كرم الدار يحظى به "البرّاني"نسيمة بولوفةلماذا لا يفرح المثقف الجزائري بنجاحات مبدعينا؟ سؤال كله شجون.يقال أنا وأخي على أعدائي، لكن الحاصل عندنا هو العكس أنا وعدوي على أخي. مشكلتنا الكبرى أننا لم نعرف الحب، حب الإنسان للإنسان، ولم نختبر الوطنية، الوطنية ليست ترديد قسما بالمدارس، ولا التعلق بفريق لكرة القدم، هي أعمق من ذلك. اعتدنا أن نعطي خيراتنا للأجانب بدعوى الكرم، يبقى أبناء الدار يتفرجون بأعينهم والمرارة تتغلغل في أعماقهم، وهذا الإحساس بالحقرة قد يتحول إلى عنف نمارسه ضد بعضنا البعض، فعوض أن نسعد لنجاح الآخر ننزعج وكأنه سرق منا الفرصة التي هي أساسا قليلة أو شبه معدومة، وهكذا دواليك يربي الأب المحروم والمحقور- كما يحس- ابنه على نفس النموذج، "اكره.. اضرب.. اخطف.. فرح الآخر هو حزن لك والعكس صحيح".أما نحن كمبدعين نشأنا في هذا الجو المشحون والعنيف، لم نعرف بوصلة توجهنا، ولم نلتق بأب روحي لنحبه ونحترمه ومن تم نلتف حوله ونأخذ منه، فيكون اهتمامه بنا البلسم المسكن لإحساسنا بالضياع والاغتراب، لم نسمع إلا في حالات نادرة بمثقف كبير يحضر مثلا ندوة أو أمسية لموهبة جديدة على سبيل التشجيع، قلّما يحدث أن يقوم هذا الكبير بمد يد العون لذاك الصغير، لأنه منشغل جدا ولا يملك الوقت لتضيعه مع المبدع البي بي، ثم هو شمس تشرق نوره على المعمورة، وسيحرق ويسحق كل من تسول له نفسه الوقوف أمامه، وهكذا نسكن في دائرة الكراهية المتعمقة والمتأصلة ولا نقدر تخطيها، يصبح العالم جحيما عندما يحس صاحبه بانعدام العدل، كيف يسعد بالآخر والآخر أساسا لا يعترف به، كيف يبتهج وهو لا يمتلك أي حق إلا حق تنفس الأوكسجين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)