الجزائر

..العودة إلى الدورة الحضارية



 يعكس الصالون الدولي للكتاب حالة تقهقر. ويشعر الزائر بأنه عابر سبيل ، غير مرغوب فيه إن كان قصده مراجعة عناوين الكتب المعروضة. فهل المطلوب هو الاكتفاء بما يعرض وكفى؟إذا كان القصد من تنظيم التظاهرة هو إقامة مهرجان للتسوق ، من الممكن الاستفادة من استشارات المسوقين التجاريين ، لتحسين العرض ومضاعفة القيمة. وإذا كان الهدف هو   الاعتماد على معيار عدد الزوار لقياس نجاح التظاهرة، من الممكن اللجوء إلى حيلة مجانية الدخول إلى موقف السيارات.. وسيغرق المعرض بالزائرين.أما إذا صدقت الأقوال من أن التظاهرة ثقافية، تحمل رسالة الترويج للكتاب والتشجيع على القراءة، وهي رسالة حضارية ومدنية، فإن المهمة لا تزال بعيدة. وفي رأيي هي في تراجع مقارنة بالسنوات الأخيرة.تراجع في المكان (غير مريح وغير مناسب لإنعاش القراءة)، وتراجع من حيث الاستمرار في إعادة عرض ما يعرض منذ سنوات. لا أقول أن لا يأتوا بالإصدارات القديمة، لأن في عالم الكتابة لا يوجد شيء اسمه مادة ميتة (إلا عند تجار الكلمة الذين يستعملون الحدث كمبرر لاستعمال مقص الرقابة، وهي صفة منتشرة في عالم الصحافة). ولكن أتساءل، أين هو الجديد من الدراسات والبحوث؟ و تبحيرة خفيفة وقصيرة عبر شبكة الأنترنت، تكشف الهوة بين الحقيقة التي نستوردها، والحقيقة التي لا نستوردها (وبما أننا نتحدث عن الاستيراد، ماذا يمنع من تقليد تنظيم الصالونات الناجحة عبر العالم؟).ويعكس هذا التقهقر حالة قائمة تحاول إخفاء حقيقة وضعية الثقافة في بلادنا. لا أقول بأن كل شيء أسود. فهناك حركية في المسرح. رغم  بطئها. وهناك محاولات لصالح الفن. لكن لا نشعر بوجود خطة إنقاذ، وورقة عمل للنهوض من غفوة طالت.هناك محاولات لكنها متفرقة ومبعثـرة الأهداف. وأتساءل عما يمنع من بعث الثقافة، بمعناها المعرفي. أي الثقافة التي تشجع على الإبداع والمبادرة في التجديد. ومعرض للكتاب على أهميته وحساسيته (فهو يعكس وجه المجتمع ويؤثـر على سمعته بالسلب أو الإيجاب) هو حلقة من كل الحقيقة. حقيقة التعامل مع المبدع صاحب الكتاب، ومع القارئ الذي يعتبر مبدعا طالما يقرأ ما يعرض علية بالنقد والتحليل. فقيمة هذا أو ذاك لا نلمسها. والوهن الذي يعصف بهذا المجال الحيوي، يجعل العملية وكأنها محصورة في طبع كتاب. أي ما يعتبر خدمة تجارية أصبح يتحكم في الإبداع وفي الجديد. وهو ما يفسر شكاوي كتاب من بعض الناشرين، يقحمون أنفسهم في تحديد ما يصلح للنشر وما يليق للعرض على القارئ.هناك الكثير من المبدعين، ولأسباب مادية، تضيع إمكانياتهم، وتتبخر ثـرواتهم الفكرية. والموضوع لا يطرح من جانب فتح ملف خيري للتصدق على أحد، أو لإقامة أعمال خيرية، ولكن لتقوم مؤسسات رسمية بأداء مهمة استراتيجية، ذات منفعة عامة، ومصلحة اجتماعية، تقوم على سياسة مرافقة الإبداع والمبدعين. فمن ثبتت صلابته من هؤلاء، يكون أثبت قدراته وأسباب استمراريته، ومن يكون من المزيفين تلاشى لوحده. ففتح الطريق كفيل بفرز وصعود  الناجحين. المحترفون في عالم الكتابة موجودون. وعلى مستوى عال. و المحترفون في المسرح، والفنون التشكيلية موجودون وبما يغطي احتياجات مخطط للنهوض بالثقافة، بعيدا عن التهريج وبعيدا عن تبذير المال العام. وسر نجاح تجارب الدول التي أنعشت ثقافتها، على ضعف أو محدودية مواردها، أنها سلمت مهام التكفل بكل ما هو إبداع وتجديد إلى أهل الاختصاص. فيمكن التصدق بمقعد أو كرسي وفق حسابات الإبقاء على التوازنات السياسية، لكن لا يليق تسليم الإبداع لغير أهله.. فكأنما تركنا الأغنام في ضيافة الذئاب.  وليس المقام لتكرار مقولة أن المجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع جاهل، ولكن المقام للتحسيس بأهمية توفير شروط نشر القراءة والتشجيع عليها .وعندما تصلنا أخبار عن ميلياردير جزائري اكتسب ماله من الكتابة ، حينها سنقول بأننا بدأنا مرحلة العودة باتجاه الدورة الحضارية.فالمسؤولية هي عامة ومشتركة، بين أطراف المجتمع. لكنها أساسية وحاسمة من جهة المؤسسات الرسمية التي عليها تقع مسؤوليات التخطيط والتنسيق، والعمل بأدوات تبعث على النهضة ولا تزيد من غبن التشتت.وليكن الهدف القريب، هو كيف نجعل من المعرض الدولي للكتاب، العام المقبل، المرآة التي تعكس بداية التحول؟ والأمر ليس بالمستحيل. ولتكن البداية المرافقة لهذا التحول، الترفع عن أفكار الانتقام من كتاب، عرب أو من الجزائر. ولنقرأ العبرة في التعامل مع كاتب ياسين، الذي كان من المنبوذين، ثم أضحى منذ وفاته من أسماء رمزية تتزين بها الخطب السياسية.. قد نختلف في الأفكار، ولا نفقد الاحترام والتقدير.   hakimbelbati@yahoo.fr نسخة للطباعة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)