قضت القوات الفرنسية العاملة في مالي على أحد أخطر الإرهابيين في منطقة الساحل، وكان ذلك في عملية نوعية استخباراتية، تمت بتاريخ 11 ديسمبر 2014، في منطقة غاو، شمال مالي. أحمد التلمسي، القيادي في جماعة “المرابطون”، ومعروف لدى المصالح الأمنية ب«عبد الرحمان ولد العامر”.. وإذا كان التلمسي أحد أخطر الإرهابيين الذين تلاحقهم مصالح الأمن الوطنين، فقد صنفته القوات الفرنسية العاملة في مالي في خانة “الهدف ذو القيمة العالي”، وكان على رأس المطلوبين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي خصصت أكثر من 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تسهل القضاء عليه. “الخبر” عادت إلى بعض المحطات في حياة “الرجل”.قتل أحمد التلمسي مع مجموعة من مرافقيه في عملية أدارها الجيش الفرنسي بالتعاون مع الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسية، وشارك في العملية جنود من قوة خاصة في الجيش المالي. وتقول مصادر أمنية موثوقة إن أحمد التلمسي وقّع على شهادة وفاته بعد الإفراج عن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في شمال مالي، حيث تم تتبع تحركاته من قبل المخابرات الفرنسية بالتعاون مع الجيش الفرنسي في شمال مالي، طيلة فترة المفاوضات، ثم تقررت تصفيته، ولكن قبل هذا فإن أحمد التلمسي كان يمتلك “سجلا” حافلا من العمل المسلح بدأه مع الإرهابي مختار بلمختار قبل أكثر من 14 سنة. ماذا بقي من سرية الاختطافات؟على امتداد أكثر من 12 سنة أرعبت سرية الاختطافات التي كان يقودها عبد الحميد أبو زيد، واسمه الحقيقي محمد غدير، أصبح في عام 2010، أحد أكبر ثلاثة قادة عسكريين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو تنظيم مسلح مقره مالي. قتل أبو زيد من قبل القوات الفرنسية والتشادية في 25 فيفري 2013 في القتال شمال مالي. وفي 23 مارس، تم تأكيد وفاة أبو زيد من قبل مكتب الرئيس الفرنسي. وقامت هذه السرية باختطاف ما لا يقل عن 50 رهينة من جنسيات غربية مختلفة. وقد تشكلت السرية من ما لا يقل عن 18 إرهابيا خبيرا بالصحراء الكبرى، ولكن ما لم ينتبه إليه الكثير من المتابعين أن سرية الاختطافات التي كانت جزءا من كتيبة “طارق بن زياد” والتي أسسها الإرهابي “عماري صايفي” المدعو “عبد الرزاق البارا” قبل أكثر من 12 سنة في شمال مالي وجنوب الجزائر، فقدت خمسة من أبرز عناصرها، حيث قتلوا، بينما انشق عن الكتيبة عناصر آخرون، وهم عبد الحميد أبو زيد وأحمد التلمسي وعبد الرحمن النيجيري بالقيرواني، واسمه الحقيقي “سيدنا أغ هيتا”، وبهذا فإن كتيبة الاختطافات تتجه إلى الاختفاء تماما، حيث لم يتبق من عناصرها الأحياء إلا القليل، حسب مصادر أمنية. تتكفل سرية الاختطافات في كتيبة “طارق بن زياد” بمهمة اختطاف الرعايا الأجانب ونقلهم إلى مواقع آمنة، ثم التفاوض للإفراج عنهم، إما مقابل الإفراج عن إرهابيين موقوفين أو مقابل فدية مالية. وكانت خلية الاختطافات التي تضم مقاتلين يتقنون العديد من اللغات، ومنهم أوروبيون من أصول عربية، وتونسي وهو المدعو “أبو محمد”، تحت المسؤولية المباشرة ل«عبد الحميد أبو زيد”، الوحيد الذي كان يعلم بمواقع احتجاز الرهائن. ويقول خبراء أمنيون إن خلية الاختطافات التي نشرت الرعب في الصحراء الكبرى فيما بين عامي 2007 و2011، فقدت الكثير من عناصرها بسبب الانشقاقات الكثيرة التي عرفتها التنظيمات الإرهابية، حيث فقدت أحد أبرز مهندسي الاختطافات في الساحل، وهو المدعو “سلطان ولد بادي” الذي التحق بجماعة “التوحيد والجهاد”، بالإضافة إلى أحد أهم المشاركين في عمليات الاختطاف وهو المدعو “حماده ولد محمد الأمين ولد محمد خيري”، المكنى ب«أبي قُمقم”، حيث ليس غريبا أن تكون أول عملية ل«حركة التوحيد والجهاد” هي اختطاف رعايا إسبان من مخيم الرابوني في تندوف بالجزائر نهاية العام 2011، كما فقدت الخلية المدعو “عبد الوارث الأنصاري”، أحد أبرز المشاركين في عمليات الاختطاف في المعارك قرب مدينة تمبكتو المالية، ثم فقدت المجموعة أميرها عبد الحميد أبو زيد أثناء العمليات العسكرية الفرنسية في مارس 2013، وبعد أيام قليلة قتل المدعو سيدنا أغ هيتا في المعارك أيضا، كما قضى الجيش الوطني الشعبي على الإرهابي “عبد الرحمن النيجيري” في تيڤنتورين في جانفي 2013، وأخيرا قتل أحمد التلمسي في شمال مالي أيضا. وتشير تقارير أمنية إلى أن المفاوضات للإفراج عن الرهائن تجري في العادة مع وسطاء على اتصال مع محمد الشافعي رجل أعمال موريتاني. كان على وشك مبايعة البغداديتقول التقارير الأمنية إن أحمد التلمسي كان على وشك مبايعة البغدادي أميرا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهذا بعد أن بايع حمادة ولد محمد خيري القيادي في منظمة المرابطين تنظيم “داعش” قبل عدة أشهر. وقد تسبب أحمد التلمسي ومعه زملاؤه في تنظيم “التوحيد والجهاد” غرب إفريقيا في الكثير من المتاعب للسلطات الجزائرية، وفضلا عن مشاركته في قيادة عمليات إرهابية ضد الجزائر استهدفت مقرات الدرك الوطني في تمنراست وورڤلة، كان له دور مهم في تمويل عملية اقتحام المركب الغازي في تيڤنتورين في بداية العام 2013. تنقل عبر سجون خمس دولبعد أيام من عيد الفطر لعام 2008 نشر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي شريط فيديو يظهر صلاة عبد الفطر في الصحراء أقامها مجموعة من “المقاتلين”، وكان ظاهرا أن الشريط الدعائي كان يهدف لإظهار أن السجينين السلفيين لدى السلطات المالية، أحمد التلمسي، وحمادة ولد محمد خيري، قد أطلق سراحهما في صفقة تبادل مع رهائن غربيين، وكان هذا الشريط الوحيد الذي ظهر فيه الرجلان. أما المثير، فإن صفقة التبادل هذه كانت “نقمة” على أمن منطقة الساحل بأكملها، حيث أسفرت عن تحرير رجلين سيكونان في غضون سنوات قليلة من أمراء تنظيم “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”. ويوصف أحمد التلمسي، وهو أحد القادة الثلاثة لتنظيم “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، بأنه “زرقاوي شمال مالي” أو منطقة الساحل. وتشير مصادر قضائية إلى أن أحمد التلمسي سجن لأكثر من شهر في سجن تمنراست بتهمة تهريب السجائر في عام 1999، ثم أفرج عنه. وفي عام 2001 دخل السجن في ليبيا بنفس التهمة في منطقة غدامس. وتشير تقارير أمنية إلى أن الجيش الملكي المغربي أطلق سراح التلمسي في صيف عام 2002، بعد سجنه لعدة أشهر أيضا بتهمة النشاط الإرهابي المسلّح دائما، وقد تكوّنت لدى “الرجل” عقلية أمنية بفعل تنقله عبر سجون دول ليبيا والمغرب والجزائر.وفي سياق وصف هذا الإرهابي، يقول بيان منسوب لتنظيم “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” واصفا التلمسي أثناء قيادته عمليات في مواجهة الحركة الوطنية لتحرير أزواد: “دخل زرقاوي بلاد شنقيط لمواجهة المرتدين، وظفر بأحد رؤوس الفتنة، كما تمكن بفضل الله تعالى من تحرير مطار غا خلال ساعات قليلة”.ما علاقة التلمسي بالمغرب؟ويذهب بعض الخبراء بعيدا في توصيف التلمسي بأنه أحد عملاء المخابرات المغربية، حيث تم رصده عدة مرات في مناطق قريبة جدا من الحدود الدولية للجزائر في المنطقة الخاضعة للسيطرة المغربية في أقاليم الصحراء الغربية. وكشف التحقيق حول عملية اختطاف الناشطين الإسبان في مجال الإغاثة من مخيم الرابوني في نهاية عام 2011 وبداية عام 2012، أن كلا من أحمد التلمسي وعدنان أبو الوليد الصحراوي كانا يتنقلان بكل حرية في مناطق يفترض أنها خاضعة للسيطرة المغربية قبل أشهر من عملية الاختطاف تلك، حيث تم رصد المخيم انطلاقا من أراضي الصحراء الغربية.ويقول السيد قاسمي لحام، وهو ناشط في المنظمة الإنسانية الدولية “كورنو” الأمريكية التي تعني بتقديم مساعدات إنسانية للاجئين في مخيمات الصحراء الغربية: “أعتقد أن تأسيس منظمة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا جاء ضمن مخطط كبير يهدف لتصوير الصحراء الغربية كملاذ آمن للإرهابيين وتقديم قيادة “البوليزاريو” بأنها حاضنة للإرهاب أو نسخة من طالبان”. وتردد بعض الصحف المغربية إلى اليوم معلومات بعيدة عن الدقة حول علاقة جبهة البوليزاريو بالتنظيم الإرهابي “القاعدة”، والمثير أن أحمد التلمسي أبى إلا أن يكمل الجولة عبر سجون دول الساحل، حيث سجن في بداية نشاطه لفترة قصيرة أخرى عام 2003 في سجن دار النعيم في موريتانيا، ثم سجن في قضية اختطاف رعايا غربيين شمال مالي عام 2007 وأفرج عنه في صفقة تبادل مع تنظيم القاعدة.التوحيد والجهاد أو المنظمة الكاريكاتوريةيتداول خبراء في مكافحة الإرهاب معلومة على نطاق ضيق تفيد بأن “التوحيد والجهاد” مجرد فرع سري لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وإمارته في الساحل، ويسردون العديد من الأدلة على هذا الكلام، أولها أن “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” ظهرت ونشطت في نفس المناطق التي ينشط فيها تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ورغم هذا لم يدخل التنظيمان في صدام مسلح. كما أن المنظمة تأسست من عناصر كانوا قبل هذا أعضاء في تنظيم القاعدة المغاربي، وهو ما يعني أن الرجال قد خلعوا بيعة أعطوها من قبل لأمير تنظيم “القاعدة”. ومن المعروف أن خلع البيعة جزاؤه الموت في عرف المنظمات السلفية الجهادية، ورغم هذا لم يسمع أحد عن أخبار الصدام بين المنظمتين، وأدركت قيادات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن المكلفة بمتابعة نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، أن القيادات الجديدة في تنظيم” التوحيد والجهاد” هي مجرد شخصيات “كاريكاتورية”، تختفي خلفها شخصية أمير سري، وهنا قفز اسمان اثنان، الأول هو أحمد التلمسي، والثاني هو مختار بلمختار اللذين يعتقد أنهما شكّلا القيادة الفعلية للتنظيم الذي عرف بقيادته الجماعية المكوّنة من “أحمد التلمسي” و«حمادة ولد محمد خيري” المعروف ب«أبو قمقم”، و«أبو الوليد الصحراوي” وأيضا “سلطان ولد بادي”. ومنذ عام 2012 بدأت المخابرات الجزائرية عمليات اقتفاء أثر أحمد التلمسي، وأجرى مسؤولون رفيعو المستوى في ولايات بشار وأدرار وتمنراست اتصالات مع تائبين مهربين، ووجد الأمن الجزائري ضالته في تائب يقيم في إحدى المدن بالجنوب بعد أن استفاد من العفو، وكان أكثر الناس قربا لأحمد التلمسي. وبدأ الاتصال الأول عبر أحد أعيان شمال مالي من أجل الوصول إلى رأس أحمد التلمسي، ومن أجل ثنيه عن مواصلة احتجاز الدبلوماسيين الجزائريين الذين تم اختطافهم في غاو بشمالي مالي. باريس وصفته ب”الهدف الكبير” وواشنطن خصصت 3 ملايين دولار لرأسهأعلنت القوات الفرنسية في مالي، يوم 11 ديسمبر 2014، عن القضاء على القيادي في جماعة “المرابطون”، الإرهابي الجزائري أحمد التلمسي المدعو “عبد الرحمان ولد العامر” في منطقة غاو، شمال مالي. وقال الناطق باسم القوات الفرنسية، العقيد جيل جارون، إنه تم خلال هذه العملية التي جرت ما بين ليلة الأربعاء إلى الخميس “تحييد حوالي 10 عناصر من الجماعة الإرهابية”. ويعد أحمد التلمسي أحد مؤسسي حركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا التي اختطفت الدبلوماسيين الجزائريين من قنصلية الجزائر بغاو. وأفاد الناطق باسم القوات الفرنسية بأن الوحدات العسكرية الفرنسية قامت هذه الليلة، إثر معلومات استخباراتية، بعملية تدخل في منطقة غاو بالتنسيق مع السلطات المالية، كللت بالقضاء على القيادي في جماعة “المرابطون”، أحمد التلمسي، بمعية 10 عناصر آخرين تم تحييدهم، ما يعني احتمال توقيف بعضهم أحياء. وقال العقيد جيل جارون “إنها ضربة قوية لنشاط جماعة المرابطون”. من جانب آخر، أعرب مصدر حكومي فرنسي لوكالة “فرانس بريس” بأن “أحمد التلمسي يعد هدفا ذا قيمة كبيرة، لقد كنا نطارده منذ أيام”، في إشارة إلى أن القوات الفرنسية خططت للقضاء على هذا القيادي الذي كان على رأس المطلوبين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي خصصت أكثر من 3 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تسهل القضاء عليه. وأفاد المصدر نفسه بأن الهجوم الفرنسي على معاقل هذه الجماعة الإرهابية لم يكن له أي علاقة مع إطلاق سراح الرهينة الفرنسي سارج لازاريفيتش، الذي جرى يوم الثلاثاء الذي سبق عملية القضاء على التلمسي. تتهم فرنسا القيادي في جماعة “المرابطون” بأنه من أمر باختطاف الرعية الفرنسي جيلبرتو رودريغز ليال في نوفمبر 2012، حيث تبنت حركة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” عملية الاختطاف، قبل أن يعلن عن مقتله في شهر أفريل، لكن لم يتم العثور على جثته إلى حد الآن. كما يتهم التلمسي، جزائري الجنسية، بالوقوف وراء اختطاف العديد من الرهائن الغربيين، منهم دبلوماسي الأمم المتحدة في النيجر، وكذا عملية اختطاف الإسبانيين والإيطالي من مخيمات الصحراويين في تندوف. وكان أحمد التلمسي يتزعم “كتيبة أسامة بن لادن” وعضو مجلس شورى جماعة “التوحيد والجهاد” ومن أبرز قياداتها، قبل أن يقوم رفقة مختار بلمختار زعيم كتيبة “الموقعون بالدم”، بتأسيس جماعة “المرابطون” في أوت 2013. وقال البيان الذي نشر يومها عبر وكالة نواقشوط للأنباء الموريتانية، إن جماعة “الموقعون بالدم” أعلنت عن حلّ نفسها وانصهارها مع حركة “التوحيد والجهاد غرب إفريقيا” في تنظيم جديد تحت اسم “المرابطون”، حيث أصبح أحمد التلمسي أحد قادتها البارزين.وكانت الخارجية الأمريكية وضعت الموريتاني حماده ولد الخيري والجزائري أحمد التلمسي اللذين أسسا “حركة التوحيد والجهاد” التي تنشط في مالي والنيجر، ضمن قائمة المطلوبين لديها، حيث خصصت واشنطن خمسة ملايين دولار لأي معلومة بشأن هذين المتطرفين المدرجين على اللائحة السوداء ل«الإرهابيين الدوليين”.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/01/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد بن أحمد
المصدر : www.elkhabar.com