يُحاول الدكتور مولود عويمر في كتابه الجديد "العلاقات الثقافية بين الجزائر والمشرق العربي في القرن العشرين" الصادر عن دار الهدى، البحث في تلك الصفحات المشرقة من تاريخ التواصل بين الجزائر والمشرق الإسلامي الذي لم تنفصم عُراه يوما، حسبما ذهب إليه مؤلف الكتاب، حتى في أحلك الظروف التي مرّت بها الجزائر في زمن الاستعمار الفرنسي، وهو الاستعمار الذي سعى دون هوادة إلى فصل المغرب عن المشرق بشتى الوسائل والطرق.وليس غريبا، والحال هذه، أن تنشأ علاقات وطيدة بين أعلام الإصلاح للجزائريين وإخوانهم العلماء العرب والمسلمين، وقد ذكر عويمر الكثير من النماذج منها: عبد القادر المغربي، محمد نصيف، محمد عبد اللطيف دراز، محمد بهجت البيطار، محمد عبد الله دراز، محمد أمين الحسيني، مسعود عالم الندوي، محمد المبارك، عمر بهاء الدين الأميري، محمد الغزالي، علي عبد الرازق، محب الدين الخطيب، أحمد حسن الزيات ومصطفى السباعي.وعلى الرغم من مشاغل الكثير من علماء المشرق ومفكريه بالبحث في شؤون الدين واللُّغة أوالدعوة والإرشاد والتعليم وغيرها من شؤون الحياة، إلا أنّهم كانوا لا يتردّدون في استقبال علماء الجزائر الذين يقصدون المشرق العربي ويُقدّمون لهم كلّ أنواع المساعدة من أجل مواصلة دراساتهم في المعاهد الشرقية، كما يفتحون لهم أبواب النوادي والجمعيات التي يُشرفون عليها للحديث عن الجزائر وتوعية الرأي العام العربي والإسلامي بعدالة كفاح الجزائريين من أجل الاستقلال.من جهة أخرى، لم يكن المثقفون الجزائريون منغلقين على أنفسهم، ولكنهم استعملوا كلّ الوسائل التي أُتيحت لهم في سبيل الاتصال بالمشرق العربي والاستفادة من القفزة النوعية التي كان يتمتّعُ بها هذا الجزء من الأمة العربية، والتي أهمُّ ميزاتها في ذلك الوقت انتشار المطابع والصحف والمجلات، وهي أدواتٌ لا غنى عنها في نشر الفكر والمعرفة والوعي لدى الشعوب.وهنا يُشير المؤلف إلى أنّ السلطات الاستعمارية الفرنسية تفطّنت إلى خطورة ذلك التواصل بين الجزائر والمشرق وما أنتجه من تضامن وتعاون لتنوير الرأي العام العربي والإسلامي بمعاناة الجزائريين، وقد شكّل ذلك تهديدا لوجود فرنسا على الأرض الجزائرية، باعتبارها دولة احتلال وجب تصفيته.لذلك يذكر صاحب الكتاب أنّ فرنسا سارعت إلى إصدار قرارات منعت بموجبها مجموعة من الكتب والمجلات والصحف من دخول الجزائر، كما قررت معاقبة كلّ من يتمّ ضبطه من الجزائريين وهو في حال الاطلاع عليها، وكأنّ ذلك جريمة، وعلى رأس تلك الكتب "لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟" للأمير شكيب أرسلان، ومجلة "الفتح" لمحب الدين الخطيب وصحيفة "الشورى" لمحمد علي الطاهر.ومع كلّ ذلك، لم تنجح فرنسا في الحجر على حرية تنقُّل الفكر، حيث استطاعت نخبةٌ من المثقفين الجزائريين، الذين رحلوا إلى البلاد العربية، التعريف بالثقافة الجزائرية وآدابها، وعلى رأس هؤلاء: إبراهيم أبو إسحاق أطفيش، الطاهر الجزائري، محمد البشير الإبراهيمي، أبو مدين الشافعي، أحمد توفيق المدني، مالك بن نبي، الفضيل الورتلاني ومحمد الخضر حسين.تجدر الإشارة إلى أنّ الدكتور مولود عويمر، حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ المعاصر من جامعة باريس ويعمل حاليا أستاذا للتاريخ المعاصر بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الجزائر، وله العديد من الإصدارات والبحوث باللُّغتين العربية والفرنسية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/09/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : المساء
المصدر : www.el-massa.com