الجزائر

العروس العنابية تزف إلى الحمامات الشعبية أياما قبل زفافها


إن الزائر لعاصمة أبي مروان الشريف هذه الأيام، سيلاحظ حركية غير عادية بوسط مدينة عنابة، التي تزينت بأزهى الألوان المستوحاة من تقاليد بونة العتيقة، المعبقة بأريج القرنفل وأشجار مسك الليل التي امتزجت مع زرقة البحر وأسراب النورس والحمام الذي اعتاد على السفر إلى قباب المدينة القديمة "بلاص دارم" التي تطل على منطقة الميناءوحسب العارفين بتاريخ مدينة العناب فإن في ذلك سر تركه الأولون للسكان، خاصة أن العائلات العنابية تقدس كثيرا تاريخ وتراث الأجداد، لاسيما إذا تعلق الأمر بزفاف الفتاة التي تعتبر "حرمة البيت العنابي"، وعليه تجتهد الأمهات والجدات في تحضيرها أياما قبل زفافها.. فأول مقصد للعروس العنابية هو ذهابها إلى الحمامات الشعبية التي تعرف إقبالا منقطع النظير، خاصة الحمام الشعبي بالمدينة القديمة "بلاص دارم" المعروف ب"حمام العقبة"، وهو عبارة عن فضاء واسع تمارس فيه العروس كل طقوس العناية بالجسم والشعر، فيه تجد الأمهات الراحة والأمان لبناتهن المقبلات على الزواج لأن في ذلك "بركة"، خاصة أن زيارة حمام العقبة تستحضر فيه الجدات وسكان بونة قصصا تعود بهن إلى "قعدات زمان" التي كانت ممزوجة بطقطقات المالوف والعيساوة، خاصة عند تجهيز العروس في الحمام، وهي عادات لها نكهة خاصة تجمع بين الحاضر والماضي. عروس اليوم تقصد الحمام الرئيسي وهو "العقبة"، والذي يتوفر على باحة كبيرة مشكلة بهندسة معمارية عريقة تعود إلى تاريخ الأندلس، وديكور عنابي تقليدي جميل، كما تتوفر على مستلزمات الزينة ومستحضرات التجميل. فالزائر لهذا الحمام تستقبله امرأة مسنة، وهي المشرفة على الصندوق الذي تسدد فيه العروس مستحقات الحمام من صابون وبعض المعطرات الأخرى.
ومن الطقوس التي تعتمدها العائلات العنابية تحضير خلطة من الأعشاب البرية مثل زهرة البابونج، عشبة الزعتر والإكليل، بالإضافة إلى تحضير قماش خشن، وهو عبارة عن الليفة، يدلك بها الجسم لإزالة الخلايا الميتة، أما الحجر الأبيض فتحك به القدمين لمنح الجلد نعومة.
وتتوفر أجنحة الحمام على أقنعة طبيعية لتقي البشرة، مثل قناع الطين وماء الورد إلى جانب قناع البيض والحمص وقليل من زيت الزيتون و"القارص"، وهو يستعمل للبشرة العادية، بالإضافة إلى خلطة الصابون الأسود الخاص بالشعر. توضع هذه الخلطات على الوجه والشعر لمدة ربع ساعة ثم تشطف بالماء الفاتر وبعدها تشطف بالماء البارد.
ما يميز "حمام العروس العنابية" هو أنه يمر بأربعة مراحل، تبدأ بحمام البخار وباستخدام اللفة وبعدها التنظيف بماء فيه عشبة الخزامى وشواشي الورد، ثم تأتي مرحلة وضع الأقنعة الطبيعية لإعطاء صفاء ونقاء لوجه العروس التي تستعمل كذلك مسحوق "الشبة" المتكونة من العنبر والمسك والشب لشد المسامات والحفاظ على رائحة الجسم، خاصة أن هذا الخليط يدلك مع ماء الورد لاكتساب النعومة.
وقبل خروج العروس من الحمام يحضر لها "لوش" تضعه فوق المعصم، ويتكون عادة من خليط البيض وماء الزهر والحنة، ثم ترسم به أشكال جميلة لجلب الناظرين إليها.. لأن "الحرقوس" بعنابة فأل خير على العرائس أياما قبل زفافهن. وعليه فإن ذهاب العروس إلى الحمام يعتبر من التقاليد الخالدة في بونة الجميلة التي مازال سكانها الأصليون متشبثين بالعادات المستوحاة من تاريخ عريق ومتجذر في جامع أبو مروان الشريف.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)