الجزائر

العراق وديمقراطية الدم!



العراق وديمقراطية الدم!
أرقام القتلى تتعاظم، ليلغي بعضها بعضا، في الشارع العربي، وفي العراق خاصة. لا أدري هل مللنا من أخبار العراق، حتى أننا لم نعد نهتز لسماع خبر قتلاه، ولم يعد يثيرنا ما يحدث في هذا البلد الكبير؟ أم لأن الأولوية في أجندة الإعلام العالمي والغربي تحديدا تحتلها سوريا بعد أن انتهى من المخطط الذي خص به العراق. فالأزمة تغطي على أزمة أخرى أكثر بشاعة وأشد وطأً على الشعوب العربية.
سقط في العراق في مجازر أول أمس أزيد من مائة قتيل وأكثر من ضعفهم من الجرحى، لكن لم يعد هناك من يكترث لأمر العراق. وحدها جرائم صدام هي من تهز مشاعر حكماء الغرب ورأيه العام، أما الجرائم الأخرى المقترفة من القاعدة وأخواتها، وقبلها من الجيش الأمريكي فلا تهم أحدا، مع أن الذين قتلوا وعذبوا وسجنوا وحرموا من الديمقراطية هم عراقيون، تماما مثل هؤلاء الذين يسقطون يوميا بمختلف أنواع النار في العراق.
كان العراقيون يموتون لأنهم عارضوا النظام، واليوم يموتون لأتفه الأسباب، يموتون في الأسواق، وفي الشوارع، وفي بيوتهم وهم نائمون، ويموتون في طوابير البحث عن العمل، أي عمل، حتى ولو في صفوف الشرطة، ويموتون وهم في طوابير الانتخابات، اعتقادا منهم أن ما جاءت به الدبابات الأمريكية هو حقا ديمقراطية شبيهة بالديمقراطية التي أتت بأوباما الرجل الأسود، وذي الأصول المسلمة، إلى البيت الأبيض، فإذا ببلدهم يغرق في الفوضى وفي الطائفية والصراعات المذهبية ويتحولون إلى فرقاء وخصوم. هذه المفاهيم التي تتعارض أساسا مع مفهوم الديمقراطية. وإذا بهم يجدون أنفسهم يستوردون بضاعة أمريكية مغشوشة، وها هو العراق مهدد في هويته وفي حضارته، وفي مصير شعبه ووحدته القومية وفي مكانته بين الأمم، ويدفع شعبه فاتورة سياسته المناهضة لإسرائيل.
لم يعد من يهتم لأمر العراق، لأننا كإعلاميين ما زلنا لم نتحرر من النظرة الغربية والأمريكية تحديدا لما يجري في العالم، فنحن لم نبن بعد سياسية إعلامية، وما زلنا لا نعرف وضع الحد الفاصل بين أجنداتهم وأهدافهم، وبين مصالحنا ومصير بلداننا، وليس غريبا أن ننقاد وراء هذا الطرح الذي يقر بوجود أسلحة كيماوية في حوزة النظام السوري؛ هذه الذريعة التي طرحتها البروباغاندا الأمريكية لتبرر أي عمل تقوم به مستقبلا في سوريا، ورحنا نحن نلوكها ونتداولها عن غير وعي، مثلما تداولنا أحجية السلاح النووي العراقي، وغيرها من أكاذيب الإعلام الغربي التي تفرش الطريق أمام المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد.
يموت العراقيون اليوم ولا نكترث، ويموت السوريون اليوم وغدا ولن نكترث، وتقطع أوصال بلداننا بأيدي أبنائنا وبأسلحة ادخرتها أنظمتنا الفاسدة خلال صفقات فاسدة، ولن نكترث أيضا، لأننا أصبنا بفقدان ذاكرة جماعي، إلى درجة أصبحت بطولات الماضي والمحطات المضيئة من تاريخنا محل شك.
ألم يطالب المصريون أمس بمقاطعة الاحتفال بذكرى ثورة الضباط الأحرار؟! ولم تبق أمامنا من هوية إلا الهوية الدينية، التي صار الكل يلوكها من غير وعي، إلى درجة تبلد العقل، وفقدنا كل معالمنا الحضارية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)