الجزائر

العبرة ليس بِكمّ النصوص الموجهة ضد مرض الفساد بقدر ماهي مرتبطة بمسألة إصلاح المنظومة الاجتماعية



- «لا جدوى من القانون في ظل غياب الإرادة السياسية و عدم استقلالية مؤسسات الرقابة والمساءلة»اعتبر الدكتور -ادريس علي- أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس أن الفساد يعد مبدئيا ظاهرة متأصلة في مختلف الجماعات السياسية، ولا يرتبط بحقبة تاريخية دون سواها أو بمجتمع محدد دون آخر؛ بيد أن حجم انتشارها و درجة هيمنتها على ادارة وتسيير الشأن العام، هو مكمن الاختلاف السوسيولوجي والفاصل الزمني ، حيث يتم قياس ذلك يضيف الدكتور باعتماد مؤشرات الحكامة و الشفافية الدولية.
و تؤشر الحالة الجزائرية وفقا للمعيارية الدولية حسب محدثنا الى زيادة حجم هذه الظاهرة ابتداء من العقد الأخير للقرن العشرين، لكن ذلك لا يعني خلو العقود السابقة من بعض القضايا والملفات ذات الصلة بالظاهرة ،ففي الفترة الممتدة من الاستقلال إلى غاية 1988 حسب الأستاذ ادريس شهدت الجزائر عدة قضايا فساد كان أولها الملف الخاص بقضية خزينة جبهة التحرير الوطني والمتعلقة باختلاس أموال التبرعات الخارجية الموجهة لدعم الثورة، و التي تم تهريبها إلى أحد البنوك السويسرية ( 1962 - 1964) أما في الفترة من 1988 إلى 1999 عرفت هذه الفترة بداية الانفتاح السياسي والاقتصادي للبلاد لكنها سرعان ما هوت في أزمة الفراغ المؤسساتي ومستنقع الإرباك الأمني وهو الأمر الذي دفع إلى تكثيف كافة الجهود في سبيل استعادة الأمن كأولوية قصوى واعتبار غيرها من الملفات مسألة هامشية، وهو ما دفع بالرأي العام الجزائري إلى اعتبار أن هذه المرحلة هي التي أسست لطبقة أثرياء الربع الساعة الأخير، والتي انخرط جزء منها بعد 1999 في الفعل السياسي تمهيدا لاتساع نطاق الظاهرة وتعقد أبعادها.
الفساد ما بعد 1999
لعل أبرز ما ميز ظاهرة الفساد خلال مرحلة ما بعد 1999 يردف الدكتور هو كونها المرحلة الأطول؛ حيث امتدت عقدين كاملين في ظل حكم الرئيس المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة بوصفها الفترة الأكثر كشفا لقضايا الفساد، فمن ملف عبد المومن خليفة الى قضية كمال البوشي مرورا بقضيتي السوناطراك.
وقد تبين وجود تماهي بين الظاهرة والجهاز البيروقراطي والسلطة ؛ بحيث أصبح السلوك المجرم بنص قوانين مكافحة الفساد، يستفيد من استثناءات تشمل ذوي السطوة والنفوذ المرتبطين بهم مصلحيا وعشائريا.
فالعبرة حسب الدكتور ليست بكم النصوص الموجهة ضد هذا المرض السوسيولوجي، بقدر ماهي مرتبطة بمسألة إصلاح المنظومة الاجتماعية ، فلا جدوى من القانون في ظل غياب الإرادة السياسية و عدم استقلالية مؤسسات الرقابة والمساءلة، فضلا عن عدم تحقق شرط التباين السلطوي ( الفصل بين السلطات) .
القضاء... كسلطة
وقصد التعامل بعقلانية مع الارتباط العضوي بين البيروقراطية بمفهومها السلبي وظاهرة الفساد يرى الأستاذ أنه يتعين على الممسكين بزمام الأمور داخل النظام السياسي؛ وضع رؤية سياسية منطقية تنطلق من مشروع الدولة الحديثة؛ القائم على الربط بين مفاهيم الكفاءة والمأسسة والرقابة والمساءلة، ولن يكون ذلك إلا بتثمين المحاولات الجادة الوطنية أو اقتباس التجارب الناجحة في العالم ، وبالتالي يضيف الأستاذ فالموقف الشعبي ازاء ظاهرة الفساد مع بدايات تشكل الدولة الوطنية، كان ممزوجا من قبل عموم المواطنين الجزائريين، كنتيجة للمنظومة القيمية السائدة آنذاك، لكن التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و تعاقب الأجيال، طرح منظومة معيارية جديدة، يتحكم فيها البعد المادي ألاستهلاكي لكن استفحال الظاهرة وإدراك الجميع لخطرها وتأثيرها على مستقبل الحاضنة الاجتماعية أو الدولة عموما ، من شأنها أن ينمي روح المواطنة، ويدفع نحو تحول جوهري في ثقافة و سلوك المواطن، وهو ما ينعكس على موقفه من جميع الاختلالات التي أفرزتها ظاهرة الفساد، باعتبارها أبرز مصادر التهديد لحاضره ومستقبل أبنائه.
فإذا كان الفساد حسب الدكتور هو مجاوزة الحد و الاخلال بمقتضيات النظام ألاجتماعي بما في ذلك ضرورة الانصياع للقواعد التي توافق عليها المجتمع ، فلا بد من آليات تحد من انتشاره وتتعامل مع مظاهره ، وفي ذلك يبرز دور القضاء كمؤسسة اجتماعية وكسلطة قائمة بذاتها،هي صاحبة الاختصاص الأصيل في وقف حالة التمرد على القوانين والأعراف ؛ وبالتالي فالمسألة ليست مرتبطة بإثبات العلاقة المقررة أصلا ، بل بتحديد دور القضاء والمتطلبات الضرورية لتعزيز قدرته أو زيادة فعاليته ازاء ظاهرة الفساد فلا يعقل الحديث يضيف الدكتور عن مواجهة فعلية للفساد ، وعن دور بارز لتلك السلطة بهذا الصدد في ظل علاقة التبعية والاحتواء من قبل السلطة التنفيذية ، وهذا تأكيد على أن عنصر الهاتف قد يزول عندما يصبح القاضي لا يخضع إلا للقانون وما تمليه عليه قناعاته وسلطته التقديرية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)