فيما تثير أحداث 5 اكتوبر قراءات وتحاليل وفقا لتوجهات اصحابها فان العوامل الثابتة التي دفعت الى تلك الاحتجاجات العنيفة بكل ما حملته من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية تكاد تجد اجماعا من حيث كونها من المسببات لبعضها ومغذية لمجريات تطور مسلسل المنعرج لبعضها الآخر.يبقى هذا التاريخ من المحطات البارزة في تاريخ الجزائر لما بعد الاستقلال، وحتى تظهر الحقائق التي شكلت الفتيل من حيث كونها احداثا عفوية او محضرة ومن حيث الاهداف التي كانت ترمي اليها، ينبغي رصد النتائج والتداعيات. حقيقة برزت الى السطح صورة جديدة للمجتمع تتمثل في انهاء مرحلة حكم الحزب الواحد بكل ما له من مكاسب وما عليه من ممارسات باعتماد دستور 1989 مكرسا للانفتاح الحزبي ولو باحتشام وشق طريق التعددية الاعلامية بكل ما تعنيه من ممارسة للحريات.
غير ان الفاتورة لم تكن هيّنة بالنظر الى الخسائر التي ادت اليها تطورات مجريات الاحداث، وما نجم عن مبادرة اطراف بمختلف توجهاتها السياسية والايديولوجية بالعمل على الاستثمار في الوضع الجديد وركوب مغامرة افضت في اقل من سنوات محدودة الى حلول كابوس العشرية السوداء.
في كل تلك الظروف ينبغي الانتباه الى ان العوامل الاقتصادية في المجتمع تفعل فعلها وتمثل الحصان الاسود المشؤوم الذي يركبه هذا الطرف او ذلك لتحقيق اهداف ضيقة او فئوية. لقد كانت للازمة النفطية بعد انهيار الاسعار الى حدود 9 دولار للبرميل في منتصف 1986 الى جانب التسيير البيروقراطي الجاف مع انغلاق المشهد الاجتماعي الاثر المباشر في تغذية حالة الغضب والتوتر. اليوم الاوضاع ليست بتلك الحدة في ظل ازمة اسواق المحروقات والتوظيف العدائي للقوى المهيمنة في العالم للازمات الاقتصادية في مشاريعها لاستعادة النفوذ والسيطرة على الاسواق ومصادر الطاقة. فالجزائر بعد كل تلك التجارب الاليمة في غالبيتها توصلت الى ارساء اسس جسر العبور الى مرحلة تتطابق مع تطلعات الشعب وامال المجتمع من حريات وحقوق يكرسها الدستور بوضوح.
في هذا الاطار ينبغي ان ينتبه المجتمع الى اهمية حماية مصادر الاستقرار كمكسب للاجيال وذلك بالعمل على مضاعفة الجهود ومواكبة التطور الذي يحصل سواء في العلوم او الاقتصاد او الممارسة الراقية للديمقراطية. لذلك تقع مسؤولية كبرى على عاتق الطبقة الحزبية والمجتمع المدني في الحرص على نقل ذلك الجانب من الذاكرة بالمفهوم الصحيح حتى تستلهم الاجيال العبرة وتدرك مدى الكلفة التي تنجم عن التغيير الذي يصاحبه عنف او فوضى، خاصة في زمن العولمة التي تروج مشاريع التخريب والفوضى الى الشعوب والمجتمعات الهشة.
لقد مرت الجزائر بامواج العنف وما رافقها من تدمير واتلاف وخسائر تمثل جرحا في الضمير الجمعي، لكنها اليوم بفضل اتساع مظلة المصالحة على امتداد اتساع الجغرافيا الوطنية في مان بفضل وعي شعبها وادراكه للخطر الذي ياتي من حوله. ومهما كانت الازمة وحدتها في فترات فان الامل القائم اكبر منها بكثير، ويحفظ سجل التاريخ منذ ازله مواقف بطولية انجزها الشعب الجزائري من خلال تحويل التنوع والاختلاف في الراي الى مصدر للطاقة التي تدفعه باستمرار الى الطموح اكثر للرفاهية والتنمية في صورة لمشهد منسجم تحكمه الوحدة والتضامن في وجه اي تهديد من اي كان ومثله « خوك خوك لا يغرك صاحبك».
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/10/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سعيد بن عياد
المصدر : www.ech-chaab.net