الجزائر

العالم قبل عاصفة الحزم



العالم قبل عاصفة الحزم
قبل أيام يسيرة من عاصفة الحزم، كانت المنطقة تسير في اتجاه السيناريو الأسوأ، الذي لا يمكن تخيله على الإطلاق، فبعد أن أثبتت إدارة أوباما أنها يمكن أن تتعامل مع عصابات في المنطقة، استطاعت في فترات ما أن تحقق اختراقات أمنية واستراتيجية في المنطقة العربية، وبعد أن قرأ الإيرانيون تفاوض الأميركيين معهم بشأن الملف النووي قراءة خاطئة يدعمها الأداء السياسي المتراجع في المنطقة، كانت الأوضاع تسير نحو هاوية خطيرة للغاية، ربما لن تشهد المنطقة مثلها حتى أيام ”الربيع العربي”، الذي كان فترة كبيسة في تاريخ المنطقة، آمن به قليل من المتعلقين بالشعارات على ضفة، وكثير من أتباع مشروع الإسلام السياسي على الضفة الأخرى.بينما كانت البراميل المتفجرة تضرب أحياء من حلب والقنيطرة لتواصل سنوات من الإرهاب الحقيقي، الذي يمثله نظام بشار الأسد الذي يدار إيرانيا، كانت العقدة الأكبر في كل تلك المعادلة أن الأسد كان يحارب الإرهاب والإرهابيين.على بعد عشرات الكيلومترات من مقر أجهزة نظام الأسد في دمشق، باتجاه لبنان، يجثم على الضاحية جغرافيا، وعلى لبنان أمنيا وسياسيا ميليشيا حزب الله الإيرانية، تدير معاركها الطائفية في سوريا، وتؤجج خطاب الطائفية في المنطقة، وتفرض على لبنان واقعا ضعيفا لا سلطة فيه لدولة أو لنظام، وتمثل غرفة عمليات إيرانية لإدارة كل تلك الفوضى، وكل ذلك الإجرام والطائفية.في العراق، وبعد أن انتهى الطموح الذي رافق وصول حكومة جديدة للعراق خلفا لحكومة نوري المالكي ذات السمعة البغيضة كانت المعادلة تمثل ما يمكن وصفه بمحور إدارة وتخطيط الصراع والتدخلات من إيران تجاه كل المنطقة، فالعراق يكاد يكون الأرض التي استلمت بالكامل من قبل إيران، ولا يحظى الساسة فيها بأي استقلال، هناك في العراق ”داعش” التي بات واضحا للعيان أنها جهاز مستلب في أيدي الاستخبارات الإيرانية، تقدم مضامين سنية في خطابها لتحقق أهدافا إيرانية طائفية على الأرض، كانت ”داعش” تستولي على المدن والمحافظات أمام تمثيليات فرار وهروب جبان للقوات العراقية، وتمثل عذرا كبيرا للعراق في غياب استقراره، ومبررا لاستهدف المدن والمحافظات السنية، باختصار في حالة ”داعش” يجب ألا يكون السؤال: من يشتري نفط ”داعش”، بل السؤال: كيف أصبح ل”داعش” نفط أصلا؟أيضا في العراق وفي سوريا وفي المنطقة وفي الإعلام كانت ”داعش” تجتهد لتقدم أسوأ نموذج ضمن مشروع الشيطنة التي تتبعه ضد الإسلام السني؛ تجتهد في إحراق الضحايا وقتلهم والتنكيل بهم، ثم يخرج متحدث منهم ليقول حديثا يستدل به على ما فعل من جرم، بتلفيق واضح.جنوبا وفي اليمن.. كانت إيران تحاول استغلال آخر إفرازات ”الربيع العربي”: فوضى، ورئيس متواضع القدرات، وشعب يسعى لأقل حقوقه، ورئيس مخلوع مستعد للتحالف مع الشيطان ليجد موقعا له في مستقبل اليمن، وكان خياره الأول في ذلك هو: الحوثيون.أين إيران في كل ذلك؟ في الواقع هي الحاضرة في كل ذلك، لا بسبب قوتها، بل بسبب الفوضى الناجمة عن ربيع عربي متهالك وبغيض تتغذى عليه إيران، لأنه فصل من الفوضى التي تمثل مناخا فعليا لإيران.إذن فقد كان العنوان العريض للمرحلة هو: منطقة متهالكة هجرها الحلفاء الباحثون عما تقوله ”الصناديق”، واستقوت فيه شوكة العلة الحضارية الأبرز في المنطقة، المتمثلة في إيران، التي زرعت الفوضى في كل المنطقة، وضاعت فيه أوطان عربية عريقة، وتأهبت أخرى للضياع، وتصاعد الخطاب الطائفي مزاحما كل الانتماءات، مما مكّن الإرهاب من استقطاب مزيد من الأتباع.وسط كل ذلك الخراب المادي والمعنوي، ووسط كل ذلك الإحباط الذي يغذي بدوره ذلك الخراب، وسط دوائر تتسع من الهزائم المتنوعة في المنطقة، جاءت عاصفة الحزم.هنا أخذت كل تلك المعاني السلبية تنسحب مع انطلاق أول غارة جوية، وهنا كان التحالف انتصارا معنويا كبيرا لأمة أوشكت أن تفقد ثقتها بنفسها، وهنا التفت العالم فجأة لأمة لديها القدرة على التحالف وتشكيل القوى وتغيير الموازين، في عاصفة الحزم عنوان كبير كان هو كل ما تحتاجه المنطقة لتخرج من كل السيناريوهات البغيضة المحتملة، ولتستأنف مرحلة جديدة، لأن المنطقة بعد عاصفة الحزم لن تكون أبدا مثل المنطقة قبل العاصفة.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)