مع حلول نسائم فصل الشتاء الباردة تنتشر عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات خيرية عنوانها الأول جمع ألبسة وأغطية للمحرومين والمعوزين الذين لا يجدون مساعدة من محيطهم القريب، سواء من أقرباء او جيران، ما يعكس الانكسار الذي تعانيه العلاقات الاجتماعية وتحوّلها الى مجرد صلة دم لا ترقى لأن تكون صلة قرابة او رحم رغم ان كل العادات والتقاليد التي توارثناها جيلا بعد جيل تُكرس لرابط «قرابة» قوي يُؤسس لعائلة كبيرة تمتد الى الجد والعم والخال.اليوم مع كل ما عرفه المجتمع الجزائري من تحوّلات أصبحت العائلة تعيش حالة من الاغتراب جعل افرادها في عزلة تامة عن الآخر، ما أدى الى اختزال العائلة في اسم يشترك فيه بعض الأفراد والمنزل الى مجرد
«مرقد» لا أكثر ولا أقل، اما المناسبات العائلية فصارت مجرد «واجب» او لنقل اعلام حضور وفقط، هكذا هي علاقاتنا الأسرية في أغلبها ولعلّه السبب في ازدياد حالات الانتحار والهروب من المنزل وارتفاع نسبة المدمنين بل أصبحنا ننام لننهض على أخبار آباء ذبحوا ابناءهم وزوجاتهم من الوريد الى الوريد.
سيقول البعض انها حالات انهيار عصبي او انحراف حاد في السلوك الإنساني، ولكن الحقيقة ان الروابط الأسرية ودفئها تبعد الانسان عن الشذوذ في مشاعره، لأنها وببساطة تعطي المرء شعور بالأمن والحب، لم يكن ذهاب أكبر الاخوة لتفقد اخوته واخواته في الماضي سلوكا اعتباطيا بل هو تعبير عن خوف وحب يعطي الآخر شعورا بالراحة لأن الانسان خلق ليكون وسط مجتمع لا يعيش كامل انسانيته الا مع الآخر، اما العزلة والانحصار في الزاوية، فهما أول خطوة نحو الانحراف في السلوك والمشاعر.
الغريب ان الأخ أصبح يساعد اخاه من خلال تلك المبادرات الخيرية في تناقض صارخ مع كل معاني العائلة، كيف لأخ يرفض ان يقدم يد المساعدة لأخيه لأسباب تافهة نختصرها في «زوجة وتباهي» ان يقدمها في مبادرات خيرية وجدت أساسا لأن هذا «الأخ» تخلى عن مسؤولياته اتجاه «أخيه»... معادلة صعبة كتلك التي نراها عبر مختلف القنوات التلفزيونية التي أصبحت تتاجر بمآسي ومشاكل الأسرة الجزائرية والتي أصبحت تروّج الى علاقات إنسانية جديدة مبنية على الفضيحة و»الدفع» مقابل إرجاع الأمور الى «نصابها»، ما زاد من هشاشة العلاقات الاجتماعية التي تتخلى مع مرور الوقت عن جوهرها الإنساني لتصبح مجرد عملية حسابية فيها ربح وخسارة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 19/11/2019
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فتيحة كلواز
المصدر : www.ech-chaab.net