الجزائر

الظاهر بيبرس ينهي الحُلم الصّليبي فتح أنطاكية



الظاهر بيبرس ينهي الحُلم الصّليبي                                    فتح أنطاكية
كانت الفترة التي تلت رحيل لويس التاسع عقب أسره في مصر إلى أن تولّى بيبرس سلطنة مصر والشام، فترةَ هدوءٍ ومسالمة بين الصليبيين والمسلمين؛ لانشغال كلّ منهما بأموره الداخلية، على أنّ هذه السياسة المسالمة تحوّلَت إلى ثورة وشدّة من قبل المماليك، بعد أن أخذ الصّليبيون يتعاونون مع المغول ضدّ المماليك.
قد أصبح على المماليك أن يدفعوا هذا الخطر الداهم، وبدلاً من أن يُواجهوا عدوًّا واحدًا، تحتّم عليهم أن يصطدموا مع المغول والصّليبيين معًا، وكان بيبرس بشجاعته وسياسته قد ادخرته الأقدار لمثل هذه الفترات التاريخية الحرجة من تاريخ الأمّة.
بدأت عمليات بيبرس العسكرية ضدّ الصليبيين في سنة 663ه/1265م، فتوجّه في 4 من ربيع الآخر 663ه/ 1265م إلى الشام، فهاجم ''قيسارية'' وفتحها عنوة في (8 من جمادى الأولى)، ثمّ عرج إلى أرسوف، ففتحها في شهر رجب من السنة نفسها. وفي السنة التالية استكمل بيبرس ما بدأ، ففتح قلعة ''صفد''، وكانت معقلاً من معاقل الصّليبيين. وكان بيبرس يقود جيشه بنفسه، ويقوم ببعض الأعمال مع الجنود إثارة لحميتهم، فيجرّ معهم الأخشاب مع البقر لبناء المجانيق اللازمة للحصار. وأصاب سقوط صفد الصّليبيين بخيبة أمل، وحطّم معنوياتهم؛ فسارعت بعض الإمارات الصّليبية إلى طلب الصلح وعقد الهدنة.
ثمّ تطلّع بيبرس إلى الاستيلاء على أنطاكية التي تحتل مكانة خاصة لدى الصّليبيين لمناعة حصونها، وتحكمها في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام، وكان بيبرس قد استعد لهذه الموقعة الحاسمة خير استعداد، ومهّد لسقوط الإمارة الصّليبية بحملاته السابقة، حتّى جعل من أنطاكية مدينة معزولة، مغلولة اليد، محرومة من كلّ مساعدة ممكنة، فخرج من مصر في 3 من جمادى الآخرة 666ه/ 1268م ووصل إلى ''غزّة''، ومنها إلى ''يافا'' فاستسلمت له، ثمّ نجح في الاستيلاء على ''شقيف أرنون'' بعد حصار بدأه في 19 من رجب 666ه/1268م، وبفتح يافا وشقيف لم يبق للصّليبيين جنوبي عكا التي كانت بأيديهم سوى قلعة عتليت.
ثمّ رحل بيبرس إلى طرابلس، فوصلها في 15 من شعبان 666 ه، فأغار عليها وقتل كثيرًا من حاميتها، وقطع أشجارها وغور مياهها، ففزعت الإمارات الصّليبية، وتوافد على بيبرس أمراء أنطرسوس وحصن الأكراد طلبًا للأمن والسّلام، وبهذا مهّد الطريق للتقدم نحو أنطاكية. وقد رحل بيبرس من طرابلس في 24 من شعبان 666ه/ 1268م دون أن يطّلع أحد من قادته على وجهته، واتّجه إلى حمص، ومنها إلى حماة، وهناك قسّم جيشه ثلاثة أقسام؛ حتّى لا يتمكّن الصّليبيون من معرفة اتجاهه وهدفه، فاتّجهت إحدى الفرق الثلاثة إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين أنطاكية والبحر، وتوجّهت الفرقة الثانية إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام لمنع وصول إمدادات من أرمينية الصغرى. أمّا القوّة الرئيسية وكانت بقيادة بيبرس فاتّجهت إلى أنطاكية مباشرة، وضرب حولها حصارًا محكمًا في (أول رمضان سنة 666ه)، وحاول بيبرس أن يفتح المدينة سلمًا، لكن محاولاته تكسّرت أمام رفض الصّليبيين التّسليم، فشنّ بيبرس هجومه الضاري على المدينة، وتمكّن المسلمون من تسلّق الأسوار في (الرابع من رمضان)، وتدفّقت قوات بيبرس إلى المدينة دون مقاومة، وفرّت حاميتها إلى القلعة، وطلبوا من السلطان الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وتسلّم المسلمون القلعة وأسروا مَن فيها. وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة، بلغ من كثرتها أن قسّمت النقود بالطاسات، وبلغ من كثرة الأسرى ''أنّه لم يبق غلام إلاّ وله غلام، وبيع الصغير من الصّليبيين باثني عشر درهمًا، والجارية بخمسة دراهم''.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)