الجزائر

الطوابير تتحول إلى مصدر رزق في المسيلة شباب يتخذون من تأجير دورهم في الطابور مهنة للتخلص من البطالة



سعر الدور من 300 إلى 8 آلاف دينار والبلديات والبنوك ومصانع الإسمنت مواقع عمل بامتياز  ليس غريبا أن تذهب يوما إلى مصلحة الحالة المدنية بالبلدية التي تقطن بها، بغية استخراج وثيقة ما، فتفاجأ عندما تقع عيناك على طابور طويل وعريض لمواطنين ينتظرون دورهم، وهاجسهم قضاء مصلحتهم في أسرع وقت ممكن، بشاب يقترح عليك أن يتنازل لك عن دوره مقابل مبلغ مالي. وللوقوف على ظاهرة تأجير الطوابير وجب الرجوع إلى نقطة البداية، وتحديدا عند محيط بنك الفلاحة والتنمية الريفية الواقع بالحي الإداري في وسط مدينة المسيلة، حيث عكفنا على محاولة فهم أسباب تنامي هذه الظاهرة. ففي تمام الرابعة والنصف مساء يتحول محيط الحي الإداري برمته إلى فضاء موحش وكأن صدى الأصوات والضجيج الذي كان قائما مع صباح كل يوم والذي ينطفئ مع هذا الوقت بالذات عادة ما يوحي بأن هذا الحيز من المدينة ظل مهجورا منذ سنوات. غير أن الاستثناء الوحيد في كل هذا الذي يجعلك تشعر بدبيب الحياة هناك عندما تعرج على محيط البنك الذي في الغالب ما تبدأ فيه مع نهاية المساء حياة أخرى يصنعها شباب هاجسهم الوحيد أخذ مكان لهم في الطابور، يجلبون معهم طعامهم وغطاءهم وكل ما تيسر لهم إلى غاية الصباح اليوم الموالي، حيث يجد كل منهم زبونا تتوفر فيه مواصفات العصبية والعداوة مع طول الانتظار وعدم الصبر على الوقوف وفي الغالب ما يكون هؤلاء من المسنين وذوي النفس الضعيف وأصحاب الحساسية من الطابور ليبيعونهم دورهم وكل يحدد سعره وفق الجهد الذي كابده طوال الليلة السابقة وهكذا دواليك. مواقيت العمل تبدأ مع إيذان ساعة العمل في المساء وتنتهي مع بداية الصباح والكل مستفيد والكل يعمل والمنفعة متبادلة بين البائع والشاري والدور يبقى هو المهنة الجديدة لمن لا مهنة له. حاولنا الولوج إلى عالم الطوابير والقائمين عليه وكيفية الانخراط فيه وتسييره ومن هي الجهات التي تشرف عليه ومن يقبض وعلى أي أساس يتم تحديد سعر الدور... كثير من الأسئلة والاستفهامات، إلى أن وجدنا أحد الغارقين في تسيير هذه المهنة وأحد مكتشفيها. إنه محمد، شاب في العقد الثالث من العمر، بطال في الحقيقة وعامل منتج في الواقع، سرعان ما استرسل في القول: ''لقد عانيت الأمرّين في سبيل إيجاد منصب شغل بالشهادة التي أملكها والتي تعادل تقني سامٍ في المحاسبة، جربت طويلا ووقفت طويلا أمام المرافق العمومية والخاصة من أجل الظفر بمنصب شغل، ولكنني في الأخير أيقنت بأنني أطارد طواحين الهواء وأجري وراء سراب مهنة قد لا تتوفر على مدى سنوات، حينها خطرت لي فكرة، وهي أن أبيت في طابور بنك الفلاحة والتنمية الريفية الذي يبدأ من الرابعة والنصف مساء إلى غاية صباح اليوم الموالي، عندها أبيع مكاني لأحد الشيوخ المسنين أو لأي كان من البشر الذين لا تستهويهم متعة الصبر لساعات طوال في الطابور وأجدني أتحصل على قوت يومي وأعيد الكرّة وهكذا دواليك. إنها مهنة لا تتطلب إلا قليلا من الجهد وكثيرا من الصبر على قر الشتاء وحر الصيف والمبيت خارج المنزل''. وعن أجرته اليومية يقول إنها تتغير حسب الزبون وقيمة المصلحة التي ينشدها ومدى أهمية الوقت لديه، فغالبا ما يشترك عدة شباب كل ليلة ومن ثم يتقاسمون الغلة فيما بينهم. ويرى محمد أن مواقع هذه الطوابير لها أهميتها من إدارة لأخرى، ''فمثلا موعد صب منح المتقاعدين على مستوى بنك الفلاحة والتنمية الريفية يعد موسم العمل بالنسبة لي ولأقراني ممن يمارسون مهنة بيع الدور في الطابور، وهناك مصالح الحالة المدنية خلال موسم استخراج الوثائق وتكوين الملفات، وعادة ما يفوق سعر الدور لاستخراج شهادة ميلاد فحسب الـ 300 دينار، أما إذا تعلق الأمر بشهادة ميلاد بيومترية فالسعر يتضاعف وقد يصل أحيانا إلى ألف دينار''. ولعل المتحكمين في طابور مصنع الإسمنت بحمام الضلعة يفرضون أعلى الأسعار وعادة ما نشبههم بعمال سوناطراك، إذ يتجاوز سعر الدور في طابور هذا الأخير 8500 دينار لأجل التنازل عن هذا الأخير والإفراج عن شاحنة أحد التجار مهما كان دوره، المهم في كل ذلك من يدفع يتخلص من عذاب الانتظار ويفرج عنه بأقصى سرعة. ''غير أن العائق الوحيد في المقابل، يقول أحد هؤلاء العاملين في الطوابير،   هم أولئك الذين لا يروق لهم الدفع ويتفننون في تعداد متع الطابور بالقول إنها تربطهم بعلاقات مصلحة مع هذا وذاك وهناك من صاهر آخر نسج معه حديثا لا ينتهي في الطابور وهناك أمثلة وأمثلة يمكن تدوينها في كتاب''. ومع ذلك تبقى الطوابير عنوانا لمصدر رزق من نوع خاص قد يحتاج في يوم من الأيام، هو الآخر، إلى مسابقات التوظيف أو عدّه تخصصا جديدا يدرس في الكليات وتمنح لأجله شهادات تخرّج. إلى حين ذلك يبقى هذا الواقع منفذا وبديلا إلى غاية إشعار آخر للآلاف من الشباب البطال الذي لم يجد من مصدر مؤقت للعيش الكريم غيره.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)