الجزائر

الطرق التقليدية وندرة منابع الري وغياب الدعم أضر بإنتاج الزيتون ارتقاب غلاء زيت الزيتون واستيراده غير مستبعد



يعرف مزارعو الزيتون ومنتجو زيوته بولاية البويرة، هذه الأيام حالة من الإحباط  والقلق بسبب المؤشرات الطبيعية التي تدل على أن الإنتاج هذا العام سيكون ضعيفا، في ظل غياب الدعم  اللازم الذي سيمكّنهم من النهوض بهذا النوع من الفلاحة التي يقتات منها سكان معظم المناطق الشرقية للولاية.
 تعرف معظم المناطق الجبلية بولاية البويرة، بجودة زيوت زيتونها التي تعدت شهرتها حدود الوطن، لاسيما زيت منطقة أمشدالة الواقعة أسفل سفوح جبال جرجرة بالجهة الشرقية للولاية التي صنفت من بين أحسن الزيوت جودة عالميا، بسبب قلة نسبة الحموضة بها وانعدامها تماما في بعض المنتوج.
ولعل ما جعل المنطقة تتمتع بهذه السمعة العالمية، هو طبيعة مناخها وتضاريسها الجبلية ذات التربة الخصبة ونوع زيتونها المعروف باسم ''الشملال'' الذي إن تمت معالجة أشجاره وجنيت ثماره في الوقت المناسب في ظل توفر الماء، ينتج زيتونا خال تماما من الحموضة، أي زيتا من أجود الزيوت العالمية.
وفي هذا الصدد يذكر عمي ''المولود'' وهو فلاح ويملك معصرة للزيتون في منطقة واد البارد بامشدالة، أنه أثناء الحقبة الاستعمارية استثمر العديد من المعمّرين الأوروبيين في زراعة الزيتون وإنتاج الزيوت في المنطقة وكانوا يصدّروها الى أوروبا ووفروا كل الظروف الحسنة التي تسمح بإنتاج وفير عال الجودة، حيث قاموا بإنشاء حاجز مائي في أعالي المنطقة ومددوا قنوات السقي لتصل الى كل البساتين المنتشرة بكثرة في منطقة أمشدالة. وفي ظل توفر اليد العاملة الرخيسة كانت وفرة الإنتاج وجودة نوعيته محل فخر المعمّرين .
غير أن تلك الوفرة بدأت تتضاءل شيئا فشيئا بعد الاستقلال، بعدما غيّبت الرعاية بهذا النوع من الزراعة الذي كان من الممكن الوصول بمنتوجها على مستوى الولاية الى تغطية السوق الوطنية  وتسويق بعضه الى الخارج لو توفرت الظروف اللازمة لتحقيق ذلك.
الطرق التقليدية ومياه الأمطار يحدان من وفرة المنتوج
قد يتساءل الكثير عن سبب غلاء أسعار زيت الزيتون في بلادنا بعدما وصلت هذا العام الى 400 دينار جزائري للتر الواحد، رغم وفرة إنتاج العام الماضي، حيث لا تزال كميات هائلة من الزيوت مخزنة لدى المنتجين، بل أن العديد منهم عجزوا عن تسويقها بالسعر المذكور.
ولإيجاد تفسير لهذه المفارقة المناقضة لقوانين السوق والتجارة والإطلاع على أسرار هذا النوع من الزراعة في الجزائر، توجّهنا الى منطقة امشدالة التي تعتبر نموذجا يمكن إسقاطه على كل مناطق زراعة الزيتون بالولاية وحتى الوطن. فالملفت للانتباه بهذه المنطقة المعروفة باسم الساحل  أنه لا يمكن أن تعبر تلالها وهضابها دون أن تتراءى لك بساتين أشجار الزيتون التي تغطي معظم أراضيها .
وحسب ما علمناه من أحد أعضاء الغرفة الفلاحية بالولاية، فإن مجموع المساحة المغروسة بأشجار الزيتون بأمشدالة يقدر بـ 2500 هكتار تعتمد على السقي و500 هكتار تسقى بمياه الأمطار وهي تابعة كلها للمستثمرات الفلاحية.
أما الخواص فيحوزون على أكثر من 1000 هكتار، غير أنه أثناء وقوفنا في المكان علمنا أن عددا قليلا فقط من البساتين يسقى من بعض الآبار. أما معظم المساحات، فقد أصبحت تعتمد على مياه الأمطار، مما جعل مردود الإنتاج رهين بما تجود به الطبيعة. وفي هذا الصدد، يذكر الفلاحون الذين صادفناهم هناك أنه بعدما طال الإهمال الحاجز الذي تركه المعمرون وجفّ تماما، رصدت الدولة خلال سنة 1984 غلافا ماليا قدره 14 مليار سنتيم لتوفير مياه السقي، لكن وبعد مرور عشر سنوات أهمل المشروع تماما وتُرك الماء يتدفق في مجرى واد البارد. وحتى بعدما استفادت المنطقة من سد تلسديت الذي بلغ مخزون حوضه من الماء 165 مليون متر مكعب، لم يتم التفكير في استعمال مائه في سقي هذه الثروة الهائلة.
إهمال مشروع بغلاف مالي قدره 14 مليار سنتيم لتوفير مياه السقي
إهمال هذا الجانب المهم جعل المنتجين يرهنون كل عام مصير محصولهم  بما تجود به عليهم السماء، ولعل ذلك ما يفسر أسباب التفاوت في الإنتاج بين عام وآخر.
كما أن عوامل ضعف الإنتاج كثيرة يلخّصها فلاحو المنطقة في منح مساحات شاسعة من البساتين الى المستثمرات الفلاحية التي لا يهتم بها معظم أفرادها كما ينبغي، فضلا عن استعمال الطرق التقليدية في جني المحصول، حيث لا يزال الكثير من المزارعين يستعملون الهراوات وبعض الأدوات الطويلة لإسقاط الزيتون من الأغصان، مما يؤدي الى إتلاف الكثير منها.
وبشأن استعمال آلات الجني المستعملة في الدول المتقدمة، أكد لنا بعض المزارعين بأنها لا تصلح في المنطقة بسبب ضخامة الأشجار وطول جذوعها، حيث أكد لنا أحد المستثمرين بأنه استعمل كل الآلات المعروفة ولم تنجح ، مما جعله يعود الى طرق الجني التقليدية بالاعتماد على اليدين، كما استدعى تشغيل عمال وبالتالي الرفع من تكاليف الانتاج، وهو ما يساهم في رفع أسعار الزيوت، حسب المتحدث.
بعد عام سخي من حيث وفرة المنتوج، فإن هذا العام سيكون شحيحا على منتجي الزيتون، هكذا قال لنا معظم الفلاحين الذين زرناهم في بساتينهم. فالتجربة أثبتت لهم بأنه كلما كان المحصول وافرا، فإن العام الذي يليه يكون محصوله ضعيفا. وقد بدأ ذلك يظهر خلال شهري أفريل وماي الماضيين عندما تسببت الأمطار في سقوط الأزهار المثمرة من معظم الأغصان، كما تسببت الحرارة الشديدة التي شهدها شهر سبتمبر وتأخر سقوط  الأمطار في اصفرار أوراق الأشجار، مما يعني أن الكثير منها لن يثمر وحتى ثمار الزيتون المنتظرة ستسود في القريب العاجل، مما يعني أن منتوجها من الزيت لن يتعدى 20 بالمئة، وهي نسبة ضعيفة جدا لن تغطي حتى تكاليف المنتجين.
ومن هنا يتبين مدى أهمية الاعتماد على السقي. وعليه، فقد تأسّف جلّ الذين تحدثنا إليهم، سيما أولائك العاملين بحقول ''أغيل حماد'' الواقعة في منطقة صحاريج التي يصل مردود منتوج زيتونها الى 23 لتر في القنطار الواحد.
الإجراءات البيروقراطية تحرم أصحاب المعاصر من القروض البنكية
ولايمكن أن نتحدث عن مشاكل الفلاحين دون التطرق الى المشاكل التي يعاني منها منتجو زيت الزيتون المنتشرة معاصرهم في هذه المنطقة وكافة مناطق الولاية المغروسة بأشجار الزيتون. والملفت للانتباه أن كل المعاصر التي زرناها لا تزال  تعمل بطرق يمكن اعتبارها تقليدية، عدا استعمالهم لآلة عصر تعتبر قديمة مقارنة بالآلات المستعملة في الدول المنتجة لزيت الزيتون. ومع ذلك، يقول أصحابها أنها تكلّفهم الكثير بسبب غلاء أسعار قطع غيارها. فأبسط قطعة منها تباع بنحو 5 آلاف دينار. كما أن قفف العجين التي يستعمل منها المنتجون من 4 إلى 5 علب خلال كل موسم وصل سعر العلبة الواحدة منها الى 7500 دينار، يضاف الى ذلك أجور العمال، حيث يقبض الواحد منهم 120 دينارا لساعة عمل واحدة.
وأمام كل هذا تحرم هذه الفئة من برامج الدّعم والقروض التي تقدمها البنوك للفلاحين، بسبب الإجراءات البيروقراطية التي ترغمهم على استخراج وثائق كثيرة، ثم ينتظرون أكثر من ثلاثة أشهر ليقبضوا القرض أي بعد نهاية الموسم.
أما العائق الأكبر الذي يواجهونه مع البنوك، هو شرط تقديم الضمان وفواتير شراء الزيتون، بحيث لا يمكنهم تقديم أي شيء كضمان، كما أنهم يقتنون الزيتون من الفلاحين  نقدا ودون فواتير.
وحتى بعض المستثمرات الفلاحية ترفض الفوترة تهربا من الضرائب، وهو ما جعل أصحاب المعاصر يحرمون آليا من الاستفادة بقروض البنوك.
ويعتبر ضعف إنتاج الزيتون وقلة جودته أكبر مشكل يواجهه منتجو الزيوت، بحيث كلما قل المنتوج يحالون إلى شبه بطالة إجبارية، إذ يكتفون بإنتاج كميات قليلة من الزيت ليبيعونه بأسعار تعتبر خيالية بالنسبة للمستهلك. وفي هذا الصدد، تنبأ صاحب معصرة حدّثناه حول المردود المنتظر لمنتوج الموسم المقبل بأن يتعدى سعر لتر من الزيت 500 دينار. منتج آخر قال لنا بأنه إذا استمر الوضع على حاله دون أن تجد الدولة حلولا لمشاكل الرّي وتخزين الزيت وتسويقه  سيضعف الإنتاج الى درجة تجعلنا نلجأ الى الاستيراد.
وأثناء طرحه مشكل التخزين، أكد بأن معظم صهاريج التخزين المتوفرة لدى أصحاب المعاصر، غير مناسبة فمعادنها تتأكسد وترفع من نسبة حموضة الزيت، مما يقلّل من جودتها.
كما أن عدم وضع سوق لبيع الزيتون ورّط المنتجين مع الفلاحين وحرمهم من حق اختيار المنتوجات الجيدة وحرمهم الاستفادة من قروض البنوك.
محاولة تصدير فشلت رغم كثـرة الطلب
أثناء وجودنا في امشدالة، دلّنا بعض السكان على أفراد عائلة ''سعودي'' الذين أنشأوا معصرة بآلات عصرية وخاضوا تجربة في تصدير زيت المنطقة الى الخارج. ولدى اتصالنا بأحد أفراد هذه العائلة أدخلنا إلى معصرته التي قال لنا بأنها الوحيدة من نوعها على مستوى الولاية، حيث تبيّن فعلا أنها  تحوي آلات حديثة وتعمل بطريقة السلسلة الآلية. كما أظهر لنا عيّنات من منتوجه موضوعة في قارورات زجاجية  مختلفة الأحجام والأشكال تستوفي شروط التسويق والتصدير، ثم راح يحدثنا عن تجربته مع التصدير، حيث أكد لنا بأنه كان يصدّر هذا النوع الصافي من زيت الزيتون الذي لا تصل نسبة حموضته الى 2 بالمائة إلى فرنسا ابتداء من سنة .2005 وفي سنة 2008 أجبر على توقيف التصدير لأنه لم يتمكن من الالتزام ببنود العقود التي كان يبرمها مع المتعاملين في الخارج بسبب ضعف إنتاج الزيتون والحصول على نفس النوعية المطلوبة للأسباب التي سبق ذكرها. وأضاف بأنه تلقى عروضا لتسويق منتوجه في اليابان وكوريا الجنوبية والصين وانجلترا وفرنسا، لكنه وجد نفسه عاجزا على تلبية كل تلك الطلبات.
كما تلقى دعوات للمشاركة في معارض ليعرف بمنتوجه بأمريكا وكندا وعدة دول أوروبية. ولذات السبب رفض المشاركة، ليكتفي بتسويق منتوجه الى غرب ووسط البلاد، حيث يبيع الزجاجة ذات اللتر الواحد بـ 450 دينار.
ومحاولة منها لإعادة الاعتبار لهذا النوع من الفلاحة ومواصلة عملية غرس أشجار الزيتون في مختلف مناطق الولاية بمن فيها التي كانت تفتقر لهذا  النوع من الأشجار، يبدو أن الدولة وجّهت سياستها الى إقامة التعاونيات لإذلال مختلف العراقيل التي يواجهها المنتجون، حيث تقرّر إقامة تعاونية اختير لها اسم ''تعاونية الزيتون القبائلي'' بعاصمة الولاية دعّمها الاتحاد الأوروبي بمبلغ 900 مليون سنتيم.
أخيرا نشير الى أن العاملين في إنتاج الزيتون، أكدوا لنا بأنه خلال سنة 2005، زار المنطقة عملاء شركات تونسية واقتنوا أطنانا من الزيت، مثلما فعلوا في جل مناطق الوطن المنتجة للزيتون وعادوا بها الى بلدهم، ثم صدّروها على أساس أنها إنتاج تونسي، وهو ما يعني، حسب هؤلاء، أن بلادنا غنيّة بهذه المادة من حيث الكم والجودة، ويبقى فقط تسطير سياسة ناجعة للنهوض بالانتاج.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)