الجزائر

الطبيب الجزائري الذي استشهد سنة 2011



الطبيب الجزائري الذي استشهد سنة 2011
"لم أشهد في حياتي، وأنا الشيخ الهرم، جنازة بمثل هذه المهابة و هذا الخشوع ولا بما يضاهي عدديا هذه الحشود المشيعة منذ جنازة العلامة ابن باديس !" ... كانت هذه كلمات شيخ تسعيني تناهت إلى مسمعي وميزتها من بين الهتافات الحماسية التي انطلقت بها حناجر المشيعين من مثل " يا حسين يا شهيد"...الخ.قد يتعجب القارئ الذي لم يشهد ولم يسمع عن البروفيسور، حسين بن قادري، المحبوب، اختصاصي أمراض الأنف، الأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي الحكيم بن باديس بقسنطينة كيف يكون قد نال الشهادة والتحق بالعظماء سنة 2011 !! ؟؟ لقد استحق محبة من حوله بيواقيت قريضه التي لُحنت وأُديت في المحافل الثقافية الرائعة، بروحه الإيجابية الوثابة التي دفعته إلى التفكير وإنشاء ناد للتفكير وإلى الفعل الإيجابي الذي يعبر عنه "غرامشي" ثم "حنة أرندت" وأقطاب مدرسة فرانكفورت النقدية بال"براكسيس" المرتبط بالمثقف العضوي الحامل لهموم شعبه... بتواضعه ودماثة خلقه، فقد لمست شخصيا محبته لطلبته حيث أخبرني بأنه قدم لهم كتابه في التخصص مجانا ليستعينوا به في مسارهم الدراسي وقد أهداني نسخة منه مازلت أفخر بها رغم كوني بعيدا عن مجال تدريسه وممارسته... لكن بماذا استحق الشهادة ولم يخض حربا ضد أجنبي غاز ولم يُقتل في معركة حامية الوطيس ...؟ !! مخطئ من يحصر الحرب في بعدها العسكري وفي حالة الغزو المباشر الأجنبي، وبالتالي يوقف حركة الشهادة والاستشهاد في سنة 1962... لأن الجهاد الأكبر كان قد انطلق بعد الحصول على الاستقلال السياسي من أجل تحقيق التحرير الشامل، والبروفيسور حسين أحد الأبطال الذين حاولوا الوقوف في وجه كل من يمس بمصالح الجمهورية ومقدرات الشعب.. وفيما يلي نرصد بعض إنجازاته في الأشهر القليلة العدد، الكثيرة العمل والعظيمة الفعالية التي كان خلالها على رأس المستشفى الجامعي بقسنطينة:- ساعد الكثير من العجزة والمعوزين والغرباء ممن لا ( معريفة ) لديهم على تلقي العلاج والفحوص مجانا وحافظ على كرامتهم- أرسى قواعد جديدة في التعامل مع جميع العاملين بالمستشفى ( أطباء، ممرضين، إداريين وأعوانا ) مبنية على الاحترام الكامل للأشخاص وللقوانين- اعتمد الكفاءة معيارا في تقليد المسؤوليات مما أزعج الكثير من الكسالى المعتمدين فقط على الأقدمية- استند إلى الشفافية التامة في تسيير الميزانية الأمر الذي أصاب مصاصي دماء المرضى بالسعار وداء الكَلَب وبالمقابل أراح المرضى الجزائريين الذين أحسوا بقيمة المواطنة بل بكرامتهم الإنسانية عندما وفر لهم الهدوء بمنع دخول السيارات، والمياه المعدنية والأكل الصحي والفواكه النقية من تفاح وموز بمنع إدخالها حيث تكفلها مصالح المستشفى بالمجان ...- اهتم اهتماما بالغا بالذوق الجمالي وتوفير أسباب الراحة النفسية للمرضى كما اعتنى بالنظافة وأولاها أولوية قصوى وكثف نشاطه في هذا السياق منذ اللحظة الأولى لتعيينه. فقد روى لي شخصيا بأنه كان في جولة تفقدية مصحوبا بكبار الأطباء ورؤساء المصالح فرأى جرذا ميتا بإحدى المصالح التي تتطلب مستوى متميزا جدا من النظافة والنقاء بالنظر إلى خطورتها فاندهش مما رأى ولكن دهشته تضاعفت عندما أنكر رئيس المصلحة وجود فأر ضخم ميت ( وهو طبيب برتبة بروفيسور كان قد تقلد منصب المدير العام للمستشفى لسنوات عديدة ) حيث رفع رأسه إلى السماء حتى يتبعه الآخرون بأنظارهم قائلا: أين هو هذا الجرذ المزعوم ؟ ثم ركل الفأر برجله فأوقعه في حفرة قريبة .... !!!؟؟؟؟- ظل قدوة حسنة إلى آخر أيامه، فهو الذي فتح مصلى المستشفى المغلق منذ بداية المأزق الأمني والتزم فيه بالصلوات الخمس وقد أكد لي بعض العمال بأنه كان سباقا إلى صلاة الفجر، وهو المحسوب على العلمانيين، وكان متسامحا، بساما، طلق المحيا، فكسب القلوب ودعا له الجميع بكل الخيرات وتأثر الكل بوفاته فبكته قسنطينة التي أحبها وأحبته وقد رأيت في جنازته، رحمه الله، مساعدته الممرضة السيدة فريدة تبكيه بحرقة وكأنها فقدت أباها .... !!- لقد أحدث ثورة حقيقية في التسيير الفعال والحوكمة المحلية الرشيدة فتعامل مع الزمر الفاسدة التي دمرت الولايات و مختلف القطاعات بشجاعة قل نظيرها وحكمة صارت مضربا للأمثال إلى أن ألحقته السكتة القلبية، جراء الضغط الرهيب المتصاعد، بالرفيق الأعلى ودُفن، رحمه الله، بالمقبرة المركزية أين نقله العمال والممرضون والأطباء وعموم المواطنين على أكتافهم متأثرين باكين وهاتفين بصوت واحد " يا حسين يا شهيد" .... !!! ما أحوج الجزائر الحبيبة إلى مسيرين في مستوى حسين بن قادري: خلقا و نزاهة، علما و كفاءة... وحبا صادقا للوطن.*أستاذ بكلية العلوم السياسيةجامعة قسنطينة3 / رابح بيطاط




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)