الجزائر

الطاهر وطار ومحمد حنكور يتباريان في الجمهورية. !



كان للروائي الطاهر وطار علاقة خاصة بمدينة وهران، تبدأ من طريقة رسمه لكلمة «وهران». إنه الوحيد الذي يكتب وهران بدون الألف. «وهرن». هكذا. من دون الآخرين !!حين اختار وطار جريدة الجمهورية لنشر رواية « العشق و الموت في الزمن الحراشي»، (الجزء الثاني لرواية اللاز)، كان يدرك جدا بفطنته ذلك الحضور الوازن لجريدة الجمهورية في الأوساط الثقافية و الإعلامية، كما يعلم مساحة الحرية التي كانت توفرها للأدباء. لقد كانت صوتا ثقافيا متعددا و متنورا. بذكاء اغتنم وطار الهامش ليصبح المركز.
لم تغب من ذاكرتي تلك الجلسة غير رسمية للطاهر وطار، حين زار مدينة وهران لاستكمال إجراءات نشر روايته مسلسلة، مع إدارة جريدة الجمهورية.
استقبل يومها من قبل جمع من مثقفي المدينة، بكثير من الترحيب الأدبي و الضيافة العالية، كيف لا.. ووطار آنذاك كان يمثل بحق النموذج الذي كان جيل كامل يسعى أن يضحى على شاكلته. ثم إن في «وهرن» الثقافية و الجامعية، كانت للطاهر وطار صورة متميزة . اجتمعنا بالطاهر وطار في مقهى بكاناستيل شرق مدينة وهران. جلسنا في حلقة حوله بمقهى على سطح جميل يطل على البحر، و من بين الحضور المرحوم بلقاسم بن عبد الله، المثقف المحوري. إليه يعود الفضل في إقناع الطاهر وطار بنشر روايته مسلسلة بجريدة الجمهورية، و يرجع إليه دور الوسيط بين الجريدة و الروائي، بلقاسم بن عبد الله مهندس الجلسات بامتياز، إلى درجة أن من يدخل وهران عليه أن يمر ببلقاسم بن عبد الله. حضر أيضا القاص عمار بلحسن. كانت تربطه علاقة خاصة جدا بالطاهر وطار. كنت أشعر و كأنه ابنه أو فرد عزيز من أسرته. ومن أقطاب الجلسة المبدع عمار يزلي، كعادته و بثقافته الواسعة وعفويته و ذاكرته القوية، لا يتحدث عن أمر إلا و روى نكتة، أو قلد صوتا. يومها، و في تلك الجلسة، اكتشفت بأن عمار يزلي ممثل قدير و مسرحي خسره الركح. و من الحضور، فيما أذكر، أيضا كانت السيدة أم سهام ذات الحضور الأدبي الجميل، الذي كان يتكرس ويتجذر شيئا فشيئا في المدينة، و ظلت للآن وفية للأدب و للكتابة. حديثها عن الأدب فيه كثير من الحماس و المحبة و الصدق الطفولي الذي لم تفقده يوما. و مميزا كان حضور الأديب الشاعر حميد سكيف، مدير وكالة الأنباء الجزائرية مكتب وهران . على الرغم من أنه مفرنس اللغة، إلا أنه معجب جدا بروايات وطار، فقد قرأها مترجمة إلى الفرنسية. حميد يصر على الحديث بالعربية الفصحى، و لا يترك فرصة الحديث لأحد. في تلك الجلسة تكلم بكثير من الإعجاب عن جون سيناك، صاحب «أنطولوجيا الشعر الجزائري» سنة 1971، فخورا كان لأنه ضم اسمه، و نموذجا من قصائده إلى جانب أسماء ستصبح لاحقا مركز المشهد الشعري الجزائري، أمثال رشيد بوجدرة، و يوسف سبتي، و حميد ناصر خوجة، و الطاهر جاووت. ثم كيف لي أن أنسى حضور أمين الزاوي الذي كان يشرف على الصفحة الثقافية لجريدة الجمهورية في تلك الفترة.
وإذ كنا نحيط بوطار، كان الكاريكاتوريست و الفنان محمد حنكور يجلس في صمت. يتابع الأحاديث اتي تذهب في كل اتجاه. ما شدّ انتباهي في شخص الفنان محمد حنكور أنه كان لا يتكلم إلا بالفرنسية، وإذا ما حدث وتكلم بالعربية، فإنه يلجأ إلى اللهجة المسيردية وحدها لا شريك لها. فتتحول القاف على لسانه كافا. الحق يقال كان لحديثه وقع خاص، يختلف عن أحاديث بقية الميالين إلى الخطاب الأدبي والثقافي، هو..يشغله الفن التشكيلي بشكل عام و عالم السينما. فجأة خاطب وطار:
- « إذا لم تأخذ السينما الجزائرية في حسبانها نصوصا مثل نصوصك و نصوص محمد ديب و آسيا جبار و عبد الحميد بن هدوقة... فإنها ستظل سينما سطحية».
وحين سألتُ وطار عن الشعر، اكتشفنا جميعا بأنه شاعر أيضا، يكتب شعرا شعبيا. طلبت منه إسماعنا القليل منه فقرأ مقطعين من قصيدة شعبية، ثم استفاض في الحديث عن إعجابه بشعر عيسى الجرموني..
تحدث وطار عن روايته « العشق و الموت في الزمن الحراشي» التي سيشرع في نشرها قريبا على صفحات جريدة الجمهورية، فقد سبق وأن سلمها للإدارة قبل فترة. كان وطار يعيد التعبير عن أسفه لوفاة الرئيس هواري بومدين مبكرا، و يقول إنه يشعر بعد رحيله بنوع من اليتم في الخصم، فقد كان يعدّ «الهواري» كما كان يسميه، خصمه و صديقه و محرك الكتابة لديه...»
و في خضم الحديث عن برمجة نشر الرواية، تدخل بلقاسم بن عبد الله بصوته الهادئ، و أكد أن كل شيء جاهز، و أن الجريدة ستبدأ في نشر حلقاتها ابتداء من الأسبوع القادم، ثم وبكثير من حس المفاجأة الذي كان يطبع شخصية بلقاسم بن عبد الله، فتح محفظته بهدوء، و هو يستعد لإخراج شيء مهم. تشرئب الأعناق. ماذا سيطلع من جوف المحفظة يا ترى. إنه ظرف بني، يفتحه بن عبد الله ببطء، يخرج صورة كاريكاتورية، يقدمها لوطار قائلا:
- «هذا هو اللاز كما تخيله محمد حنكور.. إنها الصورة الأساسية التي سترافق حلقات الرواية». !
سلم الرسم إلى الطاهر وطار، تناولها من بين يديه. ظل يحدق فيها طويلا. ثم علق بضحكته الجوانية تلك :
- «لقد رسمته أحسن مني يا حنكور...» !
ضحكنا، و علق حميد سكيف قائلا:
- أهي غيرة أم إعجاب، يا السي وطار؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)