قبل آلاف السنين اعتبر الصينيون أن صورة واحدة تعادل ألف كلمة، كما أكد أرسطو أن التفكير مستحيل من دون صور. فالصورة موجودة في كل مكان في حياتنا اليومية، ولا تكف عن التدفق والحضور في البيت، في الشارع والعمل و السوق، في الواقع والأحلام.إننا نعيش في عصر الصورة ونعيش في حضارة الصورة، كما قال الناقد الفرنسي”رولان بارت”، وأصبحت الصورة مرتبطة بكل جوانب حياة الإنسان .إن الحرب التي تدور في الراهن بين الدول المتقدمة وبقية العالم من أجل السيطرة والهيمنة على الآخر تحت مفاهيم متعددة، هي حرب صور. ومن يمتلك التفوق في الإنتاج من الصور التلفزيونية عبر الأقمار الصناعية إلى الصور الثابتة عبر الإشهار والإعلانات والكتب والمجلات.. إنها حرب صور ليست محايدة، كما قال أستاذ السيميولوجيا قدور عبد الله من جامعة وهران.حيث تلعب الوسائل البصرية دورا أساسـيا في تشكيل الوعـي والفكر الإنساني، وتوجيهه وفق دلالاتها. إن التدفق المستمر للصـورة، وعبر أنماط متعددة وخاصة بعد حصول التطور التكنولوجي المذهل في الميدان السمعي البصري (التلفزيون، السينما، الفيديو الانترانت، فنون الإعلان، النقال..) كلها وسائط تعتمد على سلطة الصورة.ولعل أقرب الصور التي مازالت راسخة في الأذهان صور الهجوم على برجي نيويورك 11 سبتمبر، وما تبع ذلك من تحولات سياسية وأمنية، وما أريد له أن يكون وفق مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا” الذي برر غزو أفغانستان، ثم العراق.. والصور التي كانت تجتهد الآلة الغربية في صناعتها وتسويقها للعالم باسم نشر الحرية و قيم الديمقراطية، وصور إعدام الرئيس صدام حسين -بغض النظر عن أسلوبه في الحكم - لم تكن صدفة، بل كانت مقصودة لتمرير خطاب معين هدفه كسر كبرياء تلك الشخصية التي رسمها في مخيال الجماهير العربية، كما أنها كانت تهدف إلى إساءة للشعوب الإسلامية وإذلالها عبر إهانة هذه الشخصية الرمزية من خلال ضخ مستمر لتلك الصور لتفوقها الكاسح في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال والشركات الإعلامية المتعددة الجنسيات، عبر أرمادة من الصحفيين والمراسلين . إن مواجهة حرب الصور يتطلب امتلاك آليات فهم لتفكيك عناصر الخطاب البصري، ودراسة الأنساق العلاماتية البصرية وفق التحليل والمقاربات السميولوجية لتعرية الأبعاد الدلالية.. ذلك أن الصورة تمثل حقلا دلاليا ملغما يرتكز على عناصر فنية وتقنية وأبعاد أنتروبولجية وسياسية وفكرية، تقرأ ضمن مستويات متعددة تشتغل على آلية التأويل لكشف المضمون دونما الوقوف عند المنطوق، بل استنطاق ما لم يقله الخطاب البصري.إن الصورة الفوتوغرافية في الجرائد الوطنية خصوصا بعد مباريات كرة القدم الجزائر - مصر تمركزت حول اللعبة، وتنافست الجرائد لإبراز على صفحاتها الأولى عناصر الفريق الوطني، واستثمرت في هذا الاتجاه وما تزال. فإذا كان منطقيا التركيز على صور الفريق لتشجيعه خلال فترة المباريات على الصفحة الأولى، فبعد ذلك غير مبرر تهميش جبهات أخرى تناضل لتسوية وضعيتها وتكافح لرفع المعاناة عنها.. حيت عرفت الكثير من القطاعات حراكا اجتماعيا له أهمية أساسية من الناحية السسيولوجية، حيث مكنت مختلف الأنساق الاجتماعية من تفعيل دورها وممارسة وظيفتها واستعراض إمكاناتها النضالية.. ولم يسلط عليها الخطاب البصري الضوء بالقدر الوافي لتنوير الرأي العام، ويحررنا من قيد وفخ لعبة كرة القدم وتداعياتها.أردت في هذه الورقة المقتضبة أن أشير إلى أهمية الخطاب البصري وما يثيره على المتلقي. آمل أن تنخرط الأقلام والكتابات لتوضيح الصورة.. الصورة التي تبرز في صفحات الجرائد القاتل وكأنه بطل “موسطاش” دونما مراعاة للقيم الأخلاقية والإنسانية . بقلم : احمد بجاج
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 29/03/2010
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com