في ظلال عرش الله
الصدقة بين الإسرار والجهر
إخفاء الصدقة حين تكون تطوعاً أولى وأحب إلى الله وأجدر أن تبرأ من شوائب التظاهر والرياء
فأما حين تكون أداء للفريضة فإن إظهارها فيه معنى الطاعة وفشو هذا المعنى وظهوره خير . . ومن ثم تقول الآية :
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271)..
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع لان الاخفاء فيها أفضل من الإظهار وكذلك سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها لانتفاء الرياء عنها وليس كذلك الواجبات.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الاشياء كلها.
وفى صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك.
وفى الحديث: صدقة السر تطفئ غضب الرب .
إذن فالجهر يكون أفضل في عدة حالات :
1. أداء فريضة الزكاة وإعلانها كشعيرة من شعائر الإسلام وهذا مستفيض من حال الصحابة مع رسول الله في أدائهم الزكاة فعن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : اللهم صل على آل فلان . فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى . رواه البخاري ومسلم .
2. المصلحة العامة للمسلمين كالنفقة في سبيل الله أو بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى ...الخ وهو الظاهر من النصوص أن الإعلان عنها أفضل إذا كان الأمر يتعلق بمجموع المسلمين من باب التنافس على الخير والمسابقة للخيرات كما في غزوة تبوك حينما دعا النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم فأنفق كل حسب مقدرته.
وكان عثمان صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق فهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال:
شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله
ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول:
ما على عثمان ما عمل بعد هذه ما على عثمان ما عمل بعد هذه) سنن الترمذي
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال:
جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها بيده ويقول: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم -يرددها مرارًا- ) مسند أحمد (5/63).
وأما عمر فقد تصدق بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبا بكر بذلك وهذا الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله
قال: وأتى أبو بكربكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
وروى أن عبد الرحمن بن عوف أنفق ألفي درهم وهي نصف أمواله لتجهيز جيش العسرة.
3. فتح باب الخير بالتنافس على الإنفاق حينما يكون الأمر متعلقا بكفالة بعض المنكوبين من المسلمين كما في حديث جرير وهذا مثل الذي تقوم به بعض الهيئات والجمعيات الخيرية من كفالة الأيتام ومساعدة الفقراء والمعوزين وضحايا المذابح والحروب كما في فلسطين والعراق ...نسأل الله أن يرفع عنهم البلاء وأن يحقن دماء المسلمين في كل مكان .
عن جرير بن عبد الله قال : كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار (جمع نمرة وهي : كساء من صوف مخطط لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم)متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر : فتمعر(تغير ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة : فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب : فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ) إلى آخر الآية : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) والآية الأخرى التي في آخر الحشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد ) (الحشر:18) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال : ولو بشق تمرة ) فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة (يشبه الذهب من الفرح ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) . رواه مسلم.
4. الإظهار ترغيبا للناس في الإقتداء وخاصة ممن يقتدي بهم من أهل العلم والفضل وسن السنة الحسنة ليقتدي بها فيهتدي وفي صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء .
وقد أمر الأنبياء والرسل بالإظهار للطاعات لأن الله تعالى جعلهم أسوة لأتباعهم كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
ومثل الأنبياء: خلفاؤهم وورثتهم من العلماء والدعاة والصالحين من كل من يقتدي به.
ولا ننس أن الله أثنى على المنفقين سرا وعلانية فالعبادة بالإنفاق تكون علانية كما تكون سرا قال تعالى ( الذين_ينفقون_أموالهم_بالليل_والنهار_سرا_ سورة البقرة (سورة رقم: 2) آية رقم:274 الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) البقرة الآية 274.
وقال علي رضي الله عنه: تصدقت بدرهم في ليل وآخر في النهار وبدرهم سرًا وآخر علانية عملاً بالآية .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/01/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com