الجزائر

الصحـفي بين الرقابة والحرية


 إلى أي حد يستطيع الصحفي أن يتحدى حواجز الرقابة الإدارية والرقابة الذاتية أثـناء أداء مهامه الشاقة والشيقة؟ هل في استطاعته أن يتقمص مؤقتا دور الشرطي أو الجاسوس للوصول إلى مصادر الخبر؟ وما مقدار كمية أكسجين الحرية الممنوحة للصحفي المحترف في وطني العزيز لممارسة مهنة المتاعب بكل صدق ومصداقية؟ تساؤلات مثـيرة للجدل واجهتني وصافحتني هذه الأيام، قبيل ظهور قانون الإعلام الجديد، وما قد يتضمن من نص خاص برفع التجريم عن الجنح الصحفية.
ويتحرك شريط الذكريات ليتوقف هذه المرة عند قضية حيوية حساسة، حدثـت مباشرة بعد زلزال 10 أكتوبر 1980 بمدينة الأصنام التي استعادت اسم الشلف، حيث كلفت بمهمة صحفي مبعوث خاص لوكالة الأنباء الجزائرية سذء لمدة أسبوعين متتاليين وسط خيام المنكوبين، أتابع عن كثـب حجم المأساة وقوة التضامن، وأرسل الأخبار الجوارية والتحقيقات الميدانية في حينها، على وقع دوّي عشرات الهزات الارتدادية في اليوم الواحد.
ومباشرة بعد انتهاء هذه المهمة الشريفة، عدت إلى مقر عملي بالمكتب الجهوي لوكالة الأنباء بوهران، وسرعان ما وجدت نفسي في زحمة ضيوف الرئيس الأسبق أحمد بن بلة الذي أطلق سراحه بمناسبة أول نوفمبر 1980 ومنع من أي تحرك سياسي، وكنت أول صحفي جزائري يتقرب منه وقتئذ، ويتحدى الحصار، قابلته مرتين، وأجريت معه حوارا هاما كاد أن يعرّضني لعقوبة السجن. وفي اليوم الموالي، تملكتني جرأة وحماس وخبرة (ج ح خ) الشباب، فبادرت بإرسال نص الحوار المطول إلى المدير العام لوكالة الأنباء ليبث في أمر نشره أو رفضه، وألحقته بمجموعة من الانطباعات والأصداء حول إقامة الرئيس أحمد بن بلة وتحركاته بولاية وهران.
وبعد أيام قليلة، تعرّضت لاستنطاق لطيف ظريف من طرف عناصر الأمن بوهران، ثـم استدعيت بعدها من طرف المدير العام لوكالة الأنباء وقـتـئذ، السيد المحترم محمد السعيد الذي ترشح ولم يفز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لشهر أفريل .2009 واجهني بأسئلة محرجة حول ظروف وملابسات مبادرتي بإجراء أول حوار من نوعه مع الرئيس بن بلة، وأجبته بكل عفوية وذكاء، وحذّرني بضرورة استشارة المسؤولين قبيل القيام بمهمة صعبة لا تخلو من خطورة، فقلت ما معناه: أعتقد أن الصحفي مثـل المحارب، عندما يجد نفسه في غمرة المعركة، لا ينتظر حينها الاستشارة أو التوجيهات الفوقية.. وأغلق الملف مؤقتا.
وقد تحدثـت مطولا عن هذا الحوار الهام وتساؤلاته ودلالاته في محاضرة ألقيتها بمدينة مغنية الحدودية بمناسبة إقامة أسبوع تكريمي للرئيس أحمد بن بلة منتصف ماي .2005 كما نشرت الحوار كاملا مع بعض الانطباعات والأصداء في نفس الفترة بكل من الجرائد الوطنية، وظلت عدة تساؤلات عالقة حاولت أن أجيب عنها في كتابي الجديد ''مرافعات ومتابعات''، الذي ينتظر أن يصدر قريبا إن شاء الله. وكان الذي كان، والحكاية تطول والأمثـلة تتعدد. ومع ذلك، يعود التساؤل الشرعي لينتصب من جديد: وهل تكفي كمية أكسجين الحرية الممنوحة للصحفي المحترف في وطني العزيز لممارسة مهنة المتاعب بكل صدق ومصداقية؟
*  كاتب
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)