اعتبر المشاركون في ’’ندوة افافاس ’’، حول أسباب عودة الاضطرابات لقطاع الصحة بعد شهور من الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، بأن الوزارة الوصية تخلت عن مستخدمي القطاع لما قررت عدم استعمال ’’ورقة التحكيم’’ من أجل ضمان عدم ’’عبث’’ مصالح الوظيف العمومي بمشاريع القوانين الأساسية ونظام التعويضات لكافة الأسلاك. وقال هؤلاء إن القطاع دخل في ’’مرحلة حرجة’’، تقتضي مراجعة عميقة لسياسة الحوار مع النقابات، تفاديا لمزيد من التعفن الذي سيضر بالطبيب والمريض على حد سواء.
الأطباء ينتقدون تشكيلة اللجنة التي ستكلف بمناقشة الموضوع إلغاء الخدمة المدنية يحتاج إلى ’’إرادة سياسية’’ المقيمون: ’’سنة بيضاء أفضل من سنوات سوداء في المستقبل’’
أجمع الأطباء المقيمون والأطباء الأخصائيون، على أن قرار إلغاء إلزامية الخدمة المدنية في ’’يد’’ وزارة الصحة ولا تحتاج إلى إشراك أي جهة أخرى فيه، مؤكدين بأن هذا النظام أثبت فشله في الميدان والتشخيص ظاهر والحلول موجودة، لكن لا وجود لإرادة سياسية للفصل في هذا الملف. وندد رئيس النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين، الدكتور محمد يوسفي، بإقصاء وزارة الصحة الأخصائيين من المشاركة في اللجنة التي كلفت بدراسة مطلب إلغاء إلزامية الخدمية المدنية بعد تنصيبها الاثنين القادم، وقال إن تنظيمه ’’ناضل’’، طيلة السنوات العشر الماضية، من أجل إلغاء هذا القانون وتعويضه بمقترحات تعتمد على تحفيز الأطباء على العمل في الجنوب والمناطق النائية. وشكك ضيف ’’ندوة الخبر’’ في نوايا السلطات في حل هذا المشكل الذي يعدّ السبب الرئيسي في الإضراب المفتوح الذي يشنه الأطباء المقيمون منذ شهرين. وأضاف بأن تشكيلة اللجنة المذكورة، تجعلهم يعتقدون بأن في الأمر ’’إنّ’’. وما لم يفهمه الأخصائيون، حسبه، الدوافع الحقيقية وراء إشراك نواب البرلمان والمنتخبين المحليين في ذات اللجنة، في حين أن الحل بيد الوزارة، على اعتبار أنها تمثل الجهة التي أعدت قانون إلزامية الخدمة المدنية في 2001 وعرضته حينذاك على البرلمان للمصادقة عليه، وانطلاقا من هذا ’’بإمكانها التقدم بمقترحات جديدة تعوض هذا القانون’’. في سياق ذي صلة، تساءل نفس المسؤول عن ’’مغزى’’ تمسك السلطات بالخدمة المدنية التي تتراوح مدتها بين سنة إلى 4 سنوات، ينقل بمقتضاها الطبيب ’’إجباريا’’ بمجرد إنهائه التخصص إلى أي ولاية في المناطق الداخلية والجنوب دون أية خبرة مهنية، ليجد نفسه مضطرا إلى إجراء عمليات جراحية لا يتقنها ’’هذا عيب وحرام أن يعتبر سكان هذه المناطق فئران تجارب’’. ويتابع بأن الجميع يعلم بأن تكوين الأخصائيين حديثي التخرج ولاسيما في السنوات الماضية، كان ’’عصاميا’’ نتيجة غياب تأطير حقيقي من قبل الأساتذة، ما يجعلهم في حاجة ماسة ’’لمرافقة’’ خلال المرحلة التي يشرع فيها الأخصائي في ممارسة عمله في الميدان. ويتفق مندوب التكتل المستقل للأطباء المقيمين، الدكتور مروان سيدعلي، مع رئيس نقابة الأخصائيين في قضية ضعف التكوين أثناء فترة التخصص قائلا: ’’هذا بالضبط ما دفعنا إلى مطالبة وزارتي التعليم العالي والصحة بتحسين ظروف التكوين الميداني لأن المسألة تتعلق في نهاية المطاف بصحة وحياة المريض’’، وهذا جانب أهمل تماما في السنوات الأخيرة، كما يقول، بفعل اللامبالاة وغياب الرقابة والمتابعة لما يجري على مستوى المستشفيات العمومية. وفي المقابل ’’يجد الطبيب نفسه بعد 12 أو 14 سنة دراسة في مواجهة عقوبة ’’الخدمة المدنية’’ التي تتعارض، حسبه، مع قوانين الجمهورية، فضلا عن كونها لم تحل مشكل سكان المناطق النائية في التداوي، بدليل الأعداد الهائلة للمرضى التي تصل إلى مستشفيات ولايات الشمال قادمين من هذه المناطق’’. وبنظر محدثنا، فإن إصرار وزارة الصحة على مواصلة العمل بنظام الخدمة المدنية له تفسيران، فإما أنه يخدم مصالح جهات معينة أو يعني صراحة بأنها ’’راضية’’ عن الوضع الصحي الكارثي في تلك المناطق. وفي هذه الحال، أوضح الدكتور مروان بأن احتجاجات الأطباء المقيمين لن تتوقف حتى وإن كان ذلك على حساب الدراسة والتخصص. وختم قائلا: ’’سنة بيضاء اليوم أفضل لنا من سنوات سوداء في المستقبل’’.
الوزير يعتبره نتيجة تنازلات والنقابات تربطه بالإخلال بالوعد التوتر بين الوزارة والشركاء يخلق أزمة ’’احترام’’
أثارت مسألة الاحترام بين وزارة الصحة والشركاء الاجتماعيين، جدلا واسعا خلال المرحلة الأخيرة التي تشن فيها النقابات حركات احتجاجية، وتسارع فيها الوصاية لامتصاص الغضب بحقن مهدّئة، يعتبرها الشركاء منتهية الصلاحية، ما أدى إلى اتساع دائرة الشقاق واتهام كل طرف للآخر بعدم احترامه. فوزير الصحة وإصلاح المستشفيات جمال ولد عباس ردد في الفترة الأخيرة عبارة ’’يجب احترام الوزارة لأنها الوصية على عمال قطاع الصحة’’، في إشارة منه إلى حجم الإساءة التي تتعرض لها الوزارة وحتى شخصه كوزير. حدث هذا أثناء إجابته على أسئلة النواب الأسبوع الماضي في مجلس الأمة، وكذا خلال اللقاء الأخير مع المقيمين لدى إعلانه عن إصدار قانون أساسي خاص بهم. من جهتها، ردت نقابات الصحة على هذا الإشكال، بانشغال مماثل وهو أن الوزير هو من لم يعد يحترمها كشريك اجتماعي، وأنه وإن حدث فعلا ما يتكلم عنه الوزير فالسبب هو تماطل الوصاية في حل المشاكل العالقة، ما يعطي الحق للنقابة، حسب رئيس نقابة الأخصائيين محمد يوسفي، للمقاضاة وفق ما ينص عليه القانون، مؤكدا أن مشكلتهم ليست مع ولد عباس كشخص وإنما معه كوزير، لأن العمل مقابل الإخلال بالوعود نتيجته لا محالة فقدان الاحترام، وهو ما ذهب إليه رئيس نقابة الأطباء النفسانيين خالد كداد الذي أشار إلى أن عدم الإبقاء على مواقف واحدة تسبب في اهتزاز الثقة بينهما ومن ثمة فقدان الاحترام. نفس الطرح ذهب إليه ممثل الأعوان المساعدين في التخدير والإنعاش عبد القادر مكيد، حيث قال إن الوزير قبل أن يقول إن الشركاء لا يحترمونه، عليه أن يجيب على تساؤلاتهم حول الاستهزاء بمطالبهم، وإلا ما تفسير أن تتحاور الوصاية مع عدة أطراف ينتمون لسلك واحد لإحداث البلبلة وإثارة الفتنة، ليجد العمال أنفسهم أمام حتمية الاحتجاج وفق هذه المعطيات.
الأطباء يردّون على التقصير في المستشفيات ’’امنحونا حقوقنا ثم حاسبونا’’
أجمع ممثلو النقابات المشاركة في ’’ندوة الخبر’’، على وجود تقصير في أداء السلك الطبي، مرده الأوضاع التي يعيشها هؤلاء، وسعيهم للظفر بحقوقهم ما هو إلا طريق لتحسين التكفل بالمرضى. وفي ردهم على سؤال ’’الخبر’’، عن التقصير المسجل من قبل السلك الطبي في التكفل بالمرضى على مستوى المستشفيات، اعترف ممثلو النقابات بوجود اختلالات، دون الاعتراف المباشر بمسؤولية الأطباء. فقال السيد محمد يوسفي، رئيس نقابة الأخصائيين: ’’يجب منح كل عمال القطاع من البواب إلى مدير المستشفى حقوقهم، ثم فرض رقابة وتقييم أدائهم’’. وعن التجاوزات المسجلة في احترام المناوبة الليلية، امتنع المتحدث عن توجيه انتقاد مباشر لزملائه، حتى وإن اعترف ضمنيا بوجود اختلال في هذه النقطة، وعرج للحديث عن المشاكل التي يواجهها الأطباء في ولايات داخل الوطن مستدلا ’’كيف تريدون أن يحترم طبيب يعد الوحيد في مرفق استشفائي في ولاية مثل تمنراست أو تندوف، المناوبة، سيكون مضطرا لأن يقوم بالمناوبة كل يوم، وهذا غير معقول’’. ليقاطعه الطبيب المقيم مروان سيد علي، أحد ممثلي التكتل المستقل للأطباء المقيمين، ليروي حادثة تعرضت لها طبيبة كانت تعمل في ولاية جنوبية، قائلا: ’’كانت الطبيبة الأخصائية الوحيدة بالمستشفى، فكانت مجبرة على القيام بالمناوبة كل يوم، وفي أحد الأيام اضطرت للتنقل إلى المنزل، حينها قدم مريض، وفي الوقت الذي استغرقته السيارة لإحضار الطبيبة توفي المريض، وواجهت بعدها متابعات قضائية. ففي مثل هذه الظروف، لا يمكن الحديث عن مسؤولية كاملة للأطباء’’. ويسترجع الدكتور يوسفي الكلمة ليتحدث عن اللوبيات التي تعكر الجوّ في قطاع الصحة ’’لما نتحدث عن التقصير يجب أن نتحدث عن الجميع، فهناك لوبيات تفعل ما تشاء في القطاع، فلا يمكن أن نطالب طبيبا مقيما أو طبيبا أخصائيا بالقيام بعمله على أكمل وجه، في حين هناك آخرون يحظون بمعاملة تفضيلية وامتيازات ولا يقومون بما يحتم عليهم القانون’’. من جهته قال بن طويل محمد، عضو اللجنة الممثلة للأعوان المساعدين في التخدير والإنعاش: ’’نحن مثلا نقوم بعمل الإنعاش والتخدير، بطريقة مخالفة للقانون بعلم الوزارة التي تغض الطرف عن هذا بسبب نقص أطباء التخدير والإنعاش. لكن في حال وقوع خطأ، سيتم جرنا أمام المحاكم. هناك عدم توازن بين ما يطلب منا وما نحصل عليه من حماية وغيرها’’.
قالوا عن أسباب استمرار الإضرابات
رئيس النقابة الوطنية للأخصائيين النفسانيين الدكتور كداد خالد ’’احتجاجاتنا مستمرة إلى أن نحصل على موافقة الوزارة على تعديل القانون الأساسي’’، يقول المتحدث، مضيفا بأن هذا القانون لا يفرق في الراتب بين النفساني الحاصل على ليسانس أو آخر متحصل على شهادة ماجستير أو دكتورا ه. ووصف الحوار مع الوزارة بغير البناء و’’فيه الكثير من التحايل على الشركاء الاجتماعيين’’. مستشهدا على ذلك برفضها لحد الساعة استخدام حق ’’التحكيم’’ الذي يخوّلها إياه القانون من أجل معارضة عمل لجنة الوظيف العمومي التي تعطي لنفسها حق ’’التصرف’’ في مشاريع القوانين الأساسية ونظام التعويضات دون إيلاء أدنى اعتبار لما جرى الاتفاق عليه بين الوزارة والشريك الاجتماعي.
الأعوان المساعدون في التخدير والإنعاش لخص أحد ممثلي هذه الفئة مكيد عبد القادر أسباب لجوئهم إلى التوقف عن العمل في أيام احتجاجية متفرقة ومتكررة، بعدم جدية المفاوضات مع وزارة الصحة حول مطلب اعتماد قانون أساسي يضمن التغطية القانونية لعملية التخدير التي يجريها هؤلاء منذ الاستقلال بصفة ’’غير قانونية’’ لكن بعلم السلطات الوصية، حيث إن قانون الصحة يفرض عليهم أداء هذه العملية الطبية في حضور الطبيب المختص في التخذير. وقال هؤلاء بأن مطالبهم لم تلق أي صدى لدى الوزارة في مقابل تنامي الشعور لدى الأعوان بوجود نوع من ’’الاستهتار’’ بهم والتناقض الصريح بين ما يعد به وزير القطاع وما يناقش داخل اللجنة المشتركة التي يتغيّر أعضاؤها في كل لقاء يجمعهم بأعوان التخدير والإنعاش.
التكتل المستقلّ للأطباء المقيمين أرجع الأطباء المقيمون تمسكهم بالإضراب المفتوح ومقاطعة الدراسة منذ شهرين، لكونهم لم يلمسوا أي تقدم في جلسات الحوار الجارية مع وزارة الصحة حول المطالب المهنية والاجتماعية المرفوعة، سيما مطلب إلغاء إلزامية الخدمة المدنية. وزاد في اضطراب العلاقة بين الطرفين، قرار الوزارة تنصيب لجنة لدراسة هذا المطلب يراها الأطباء برأي الدكتور مروان سيدي علي محاولة ’’للهروب إلى الأمام’’، سيما أن المعنيين لم يفهموا ما إذا كان المطلوب من هذه اللجنة إعادة هيكلة الخدمة المدنية. وفي هذه الحالة ’’سنلجأ’’ إلى التصعيد، يقول مندوبو التكتل، لأنها مجرد ’’مراوغة’’ ونطالب بموافقة مبدئية من الوزير على إلغاء هذا الإجراء التعسفي والمخالف للتشريعات.
النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين قال الدكتور يوسفي محمد، بأن وزير الصحة التزم فعلا منذ مجيئه على رأس الوزارة بالحوار مع نقابته، كما أنه رفع انشغالات الأخصائيين إلى رئيس الجمهورية، لكنه في الأخير ’’رضخ للوبيات القطاع من داخل الوزارة وخارجها’’. وأهم ما ميّز حالات خرق الالتزامات ومخالفة الوعود،على حد تعبيره، قيام الوزارة بإرسال مشروع نظام التعويضات الخاص بهم قبل صدور القانون الأساسي المعدل وهي الوثيقة التي لا تزال مجمدة على مستوى مديرية الوظيف العمومي لأسباب مجهولة. وعاد نفس المصدر لتجديد التأكيد على أن الإضراب المفتوح المقرر بدءا من 16 ماي الجاري، قائم إلى غاية الإفراج عن القانون الأساسي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/03/2012
مضاف من طرف : chelifien
صاحب المقال : هواري قدور
المصدر : جبهة القوى الاشتراكية بالشلف