الجزائر

الشعر الشعبي بين الأمس واليومتجويد أم تردٍّ؟




أكد أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني أنه يؤيد إرسال قوات عسكرية عربية إلى سوريا للحيلولة دون تواصل أعمال العنف في هذا البلد. وأكد الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني في حديث لقناة ''سي. بي. اس'' التلفزيونية الأمريكية يبث مساء اليوم الأحد بخصوص سؤال حول ضرورة إرسال قوات عربية إلى سوريا أنه ''من أجل وضع حد للمذبحة فإنه يتعين إرسال قوات لوقف حمام الدم المراق هناك''.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها إبداء موقف مؤيد لفكرة إرسال قوات عسكرية عربية إلى سوريا بعد عشرة أشهر من المواجهات الدامية بين عناصر القوات النظامية والمتظاهرين المطالبين برحيل نظام البعث الحاكم.
وينتظر أن تثير تصريحات أمير دولة قطر زوبعة من ردود الفعل لدى السلطات السورية التي رفضت إلى وقت قريب استقبال ملاحظين عرب للوقوف على حقيقة ما يجري هناك فما بالك بإرسال وحدات عسكرية عربية إليها.
بل أن مثل هذا التصريح قد يدفع بالحكومة السورية الى إعادة النظر في موقفها إزاء الملاحظين العرب أنفسهم وهي التي قبلت بهم على مضض واعتبرت تواجدهم بمثابة تدخل في الشأن الداخلي السوري فكيف عندما يتعلق الأمر بإرسال قوات عسكرية.
ويحمل تصريح الأمير القطري دلالات ذات أبعاد قد تخلط كل الحسابات بما فيها خطة تعاطي الجامعة العربية مع الوضع السوري في ظل انتقادات طالت وفود ملاحظيها الذين يواصلون مهمتهم في مختلف مناطق التوتر في هذا البلد. ولكن ألا يكون مثل هذا التصريح اعترافا من دولة قطر وهي التي ترأس اللجنة العربية المكلفة بمتابعة الوضع في سوريا بفشل مهمة الملاحظين العرب وان الوضع بلغ نقطة اللارجوع ويتعين الانتقال إلى المرحلة الثانية في كيفية التعاطي مع هذا الوضع بإرسال قوات عسكرية ؟
وهو موقف يصب في سياق تصريحات سابقة للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي تساءل ما إذا كان من المجدي إبقاء بعثة الملاحظين العرب في سوريا في ظل تواصل عمليات القتل ضد المدنيين.
والمؤكد أن تصريحات الأمير القطري ستكون لها انعكاسات قادمة على الموقف السوري وعلى الوضع العام وقد تعيد الوضع إلى نقطة البداية بالنظر إلى الحساسية المفرطة التي تبديها دمشق لكل ما له صلة بالتدخل في شؤونها الداخلية. 
ويكون ديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي الممثل الخاص للرئيس الروسي للعلاقات مع حلف الناتو قد تكهن لمثل هذا الموقف وأكد أمس أن ''أي تدخل في الشؤون السورية ستترتب عنه عواقب كارثية''. وأضاف أنه ''كان من شأن مثال ليبيا خفض حماس الجميع فيما يتعلق بالتدخل في حروب لها طابع داخلي''، مشيرا إلى انه ''لا يوجد أبطال في الحروب الأهلية ومن يتدخل فيها هم أبطال سلبيون''.  وجدد تأكيد روسيا على ترك ''سوريا وشأنها والعمل على مساعدة الأطراف المتنازعة على إيجاد مخرج من المواجهة نحو الحوار السياسي'' وقال ''انه ليس هناك طريق آخر غير الحوار بين إطراف النزاع''.
من جانبه قال رئيس الوزراء الروسي الأسبق والأكاديمي ايفغيني بريماكوف إن روسيا ''لن تسمح بتمرير السيناريو الليبي في سوريا من خلال مجلس الأمن الدولي''.
وأوضح بريماكوف الخبير في شؤون الشرق الأوسط أن ''الآلية التي طبقها حلف الناتو للإطاحة بحكم القذافي تمثل سابقة خطيرة للغاية واستخدم قرار غير واضح  لمجلس الأمن الدولي لإضفاء الشرعية على التدخل العسكري من أجل دعم طرف في حرب أهلية اندلعت في دولة مستقلة''.

من المتفق عليه أن الثقافة تزيد ثراء وإضافات كلما تعاقب عليها المبدعون عبر العصور والأزمان، فالشعر الجاهلي رغم روائعه ومعلقاته ورواده، إلا أنه لم يكن في ذات مستوى الشعر في العصر الأموي والعباسي، وهكذا فإن الشعر في مجراه ومعناه يتطور ويوظف أدوات عصره ويحولها إلى أدوات فنية، مثلما فعل نزار بمنفضة السجائر وأعقابها، وأدوات الزينة وغيرها من الأشياء التي لم تكن تراعي انتباه الشعراء، فهل تطور الشعر الشعبي عندنا أم تدهور؟
الجزائر كانت ومازالت غنية بالشعراء المبدعين الذين لعبوا دورا في الماضي، واستطاعوا توعية الشعب وإعداده للمخاطر التي تحدق به خصوصا في مواجهة الغزاة، وهذا ما نجده في شعر الشاعر الكبير سيدي لخضر بن خلوف في مواجهته لغزو الإسبان وتخليده لمعركة مزفران، أما مديحه الديني، وكان هذا الفن هو السائد في عصره خصوصا مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حقق فيه شوطا كبيرا وأصبح يتردد هذا الشعر في كل مكان ويتغنى به الشعراء والرواة، كما أن المطربين عبر الأزمنة إلى يومنا هذا، اتخذوا من قصائده ومدائحه سلما للشهرة وللذكر الطيب.
أما إذا انتقلنا إلى الشعر الغنائي، فهناك فحول تركوا بصمات محفورة على هذا الفن ومازالت قصائدهم تتردد إلى يومنا هذا من خلال كبار المطربين أمثال؛ الحاج محمد العنقا، الهاشمي قروابي، أحمد وهبي، بلاوي الهواري والكثير من المطربين الذين اكتسبوا شعبية كبيرة من خلال هؤلاء الشعراء الذين أطلقوا عليهم اسم الشيوخ، فمن منا لا يسمع رائعة بن مسايب ''يا لوشام''، والتي غناها الكثير من المطربين وعلى رأسهم الشيخ بلاوي الهواري والتي يقول فيها:
'' يا الوشام دخيل عليك
كن حاذر فاهم نوصيك
اخفض والخفض يواتيك
مُنْيتي بالك تذيها
يا الوشام''
ومن بن مسايب ننتقل إلى الشاعر الشعبي الكبير الذي عاش محنة سقوط عاصمة الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي سنة ,1830 هذا الشاعر الرقيق والقوي والمعتد بنفسه، حيث مثّل شخصية الجزائري الرجولية بصدق وبعمق وبفن رقيق وقوي، ويتجلى ذلك في قصيدته الخالدة ''مطول ذ الليل كطوال'' والّي يقول فيها  مصطفى بن ابراهيم:
''ما اطول ذا الليل كيطوال
وأنا في بيت غير وحدي
غزلي مبني على الخبال
ما صبت أسلاك كينسدي
جاني مرسول بعد حال
دقدق فالباب قال سيدي
قلتلها أهلا والسهال
بقدومك يا الريم عندي
نترجى فيك ذا الشحال
يا طفلة فيك خاب سعدي''
وقد أبدع المطرب الجزائري المرحوم أحمد وهبي في تلحين وأداء هذه القصيدة الجميلة، حيث اشتهرت كثيرا ومازالت لحد الساعة محبوبة من طرف الجماهير، وتظهر خلال هذه القصيدة الرائعة رجولة الجزائري ''فنتازيته'' حين يقول الشاعر مصطفى بن ابراهيم:
''الحب يذوّب الرجال
يصفّي مولاه للحادى
نصطاد الوحش والغزال
نأكل ملي جابها زنادي
نفرز الجيفة من الحلال
خايصه وحبارى ورمدي
الصابر بلا غنى ينال
غير أنا يا طوال وعدي
يا بنت أثراية الأغوال
أهل قفاطن والجريدي
من بكري يركبوا الطوال
يحلفوا ألاّ بْراسْ عودي''
كما بقي الشعر الملحون بفحوله من أمثال عبد الله بن كريو الشيخ السماتي، بن قيطون وكثيرون من الشعراء جاءوا من بعدهم، وقد تغنى بقصائدهم المطرب البارز خليفي أحمد، وخلد لهم عدة روائع بصوته الرائع رفقة عازفي ألة ''القصبة'' الناي الفنانين قدور وسعد.
وإذا ذهبنا إلى القصيد الشعبي المعاصر، فإننا ولاشك نجد الحكمة والرجولة والمميزات الشخصية الجزائرية في قصائد دحمان الحراشي رحمه الله، أضف إلى ذلك فناننا الحاج رابح درياسة أطال الله عمره، والحاج محمد الغافور وغيرهم ممن ولعوا بالقصيدة الشعبية والملحونة.
أما اليوم، فإننا نسمع شعرا نشازا ينحدرون بالشعر إلى الهاوية، فيفسدون المعنى والوزن والإبداع، إلا من رحم ربي وتمكن من الإطلاع  الواسع على الشعر العربي فصيحه ودارجه، واستطاع من خلاله أن يتشبع بروح الفن والجمال والذوق الجميل.
الشعر اليوم يعاني في كلماته وفي ألحانه وفي أصواته، فأصبحت كلمة شاعر في غير محلها، وأصبح كل من يكتب جملة غير صحيحة يصعد بها إلى المنابر الثقافية ويليقها وكأنها حقيقة شعرا.
ومايزيد الطين بلة أنه يُقابَل بالتصفيق من طرف الجمهور، مما يزيد تشجيعه على الرداءة وإحداث مجزرة في الشعر والفن والذوق على السواء.
ولم تبق الرداءة محصورة في القصيدة الشعبية الحالية، بل تجاوزتها للقصيدة الفصيحة، فكل من يخطر في باله خاطر ويترجمه إلى جمل مفككة يدعي أنه يكتب شعرا، فإن كان لا يحسن العروض يدعي أنه يكتب الحر، وإن لم يكن يفقه في التفعيلة يدعي أنه يكتب القصيدة النثرية، وهكذا أصبح للرداءة والتردي مبررا تهما الفنية على حساب الذوق السليم والقصيدة الشعرية المقبولة، والتي يمكن أن تتذوقها.
ويبقى السؤال مطروحا؛ هل يبقى الشعر على ما هو عليه من رداءة وتردٍّ في غياب النقد وعدم المجاملة والقول للموهوب أنك تملك الموهبة وعليك بصقلها وتنميتها، وللغاوي بأنك من الغاوين والأحسن أن تبتعد عن بساتين الشعري حتى لا ترمي فيها أشواكا تدمي الأذواق والأسماع.
هذا الموضوع أحسست به وأنا بالجمعية الثقافية الجاحظية، حين تقدم عدد كبير من ''الشعراء'' إلى منبر عمي الطاهر، عدد تجاوز الـ50 شاعرا، وليس فيهم من الشعر إلا بعض الرائحة القليلة، شعراء الجملة شعراء يصعدون إلى منبر ربما يخشى فطاحلة الشعراء الصعود إليه، لما للكلمة من ثقل ولما للشعر من قيمة رفيعة، فرحم الله الشعراء الذين أبدعوا وبقيت قصائدهم خالدة بعيدة عن الرداءة والتردي.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)