حسين آيت أحمد يعد آخر مجاهد يترأس حزبا سياسيا، وسيترك رئاسته، تلقائيا خلال المؤتمر القادم للأفافاس، لمن سيخلفه، من الرعيل الأول لما بعد الاستقلال، ليتأكد أن ''الشرعية الثورية'' لا تحتاج إلى قرار سياسي للتخلي عنها، ولكن ''دورة الحياة'' تذيبها شيئا فشيئا، وهو الحاصل.
''دورة الحياة'' التي تحدث عنها آيت أحمد في تبرير تخليه عن الزعامة على الأفافاس، تحيل إلى قراءة تفيد بأن ''الشرعية الثورية'' مرهونة، هي الأخرى بحياة محددة في الزمن، ما لم يضف من سيحكم البلاد غدا، إليها خطابات هذه الشرعية، دون الخلط بين ''الشرعية الثورية'' وبين ''مبادئ الثروة التحريرية'' التي تشكل العمود الفقري لدستور قال عنه قبل أيام قليلة، الوزير الأول عبد المالك سلال إنه سيكون بمنأى عن أي مس، يخص ثوابت الأمة.
وحتى وإن كان آيت أحمد يمثل شرعية، أقوى من الشرعية الثورية، وهي ''الشرعية التاريخية''، فإن تنحيه عن رئاسة أول حزب معارض في الجزائر، يعد بشكل من الأشكال التخلي عن الشرعية الثورية في إدارة شؤون الحزب، ويقابل هذا الفعل، بداية نهاية العد التنازلي للحكم باسم الشرعية الثورية، داخل نظام الحكم وداخل المؤسسات الدستورية وفي الإدارات، بحكم الطبيعة، وبلا حاجة إلى قرار سياسي، سبق وأن أعلن عنه الرئيس بوتفليقة في خطابه أمام مؤتمر المنظمة الوطنية للمجاهدين، عام 2005، لما وقّع شهادة وفاة هذه الشرعية، في خطاب، بقدر ما أغضب الأسرة الثورية، بقدر ما أفرح جيل ما بعد الاستقلال، اعتقد مخطئا أنه ''أخيرا عادت الكلمة لنا''، بيد أن مشعل التسيير والحكم، انطفأ بين يدي الثوريين ولم يسلم إلى اليوم وإن انطفأ.
''ثوري كبير لا يعني مسيّرا كبيرا''، عبارة رددها رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، الذي دافع عن الزج بالجيل الجديد داخل مراكز صنع القرار، وهو يعرف أكثر من غيره، أن جيل الثورة أغلق على نفسه داخل مراكز القرار، منذ أن تمكن الراحل هواري بومدين من رد الاعتبار لحكم ''الثورة'' فيما سمي ''بمجلس الثورة''، ورتب لذلك انقلابا ضد ''الشرعية التاريخية'' ممثلة في كاريزما أحمد بن بلة لفائدة ''الشرعية الثورية'' المنصهرة في شخصه وشخوص كل من حمل السلاح ضد فرنسا، وقال بومدين قولته الشهيرة ''عليكم أن تختاروا بين الثورة والثروة''، في قراءة واضحة تفيد أن الثورة في نظر الهواري كانت المركز، وما دونها يظل يحوم حولها، وفعلا استمرت حركة الدوران حول كل ما هو ثوري إلى الآن، في صور متجانسة سواء ما تعلق برخصة مجاهد من أجل الحصول على رخصة ''تاكسي'' أو فتح ''مقهى'' أو ''محطة بنزين'' في الطريق السريع.
''الشرعية التاريخية''، كان الثوريون يتحسسون منها، لأن القلة القليلة منهم كانوا موسومين بها، على غرار آيت أحمد وبن بلة وبوضياف، غير أن بومدين تمكن من إزاحتها، بمجرد انقلاب بينما بقيت الشرعية الثورية مرجعية الحكم في البلاد إلى الآن، بلا زحزحة، تنتظر ''دورة الحياة'' التي تحدث عنها آيت أحمد، خارج من يتحدى هذه الدورة ويدعو الرئيس بوتفليقة إلى الترشح لعهدة رابعة وحتى وإن قالها صراحة ''طاب جناني''.
حاليا، انسحب معظم كوادر الثورة الذين حكموا أو مارسوا المعارضة أو الموالاة في السياسة بعد الاستقلال، من المشهد السياسي، أو الإداري، فرحل عبد الحميد مهري الذي انتقد هو الآخر احتكار جيل الثورة للحكم، كما رحل الرئيسان أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد، وقبلهما، رحل سليمان عميرات والرئيس الأسبق محمد بوضياف، كما رحل الشيخ محفوظ نحناح، والعشرات من المجاهدين الذين غيّبهم الموت في الخفاء.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 24/12/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد شراق
المصدر : www.elkhabar.com