الجزائر

الشاعر قاسم شيخاوي في حوار لـ"الفجر الثقافي" الخصوصية المحلية هي التي تحافظ على الشاعر الشعبي والوراثة قتلته



الشاعر قاسم شيخاوي في حوار لـ
يؤكد أنه اختار الشعر الشعبي لأنه يتحدث إليه كما يتحدث إلى نفسه بذات العامية التي يفهمها الشعب والقلب، لكنه في ذات الوقت لا يجد من يطربه من شعراء في الشعر الشعبي، ويتأسف على عصره الذهبي قبل قرنين من الزمن، يملك ثقافة كبيرة في تاريخ الشعر الشعبي الجزائري وأصر أن يكون هو الجزء الأكبر من هذا الحوار حتى يعرف القارئ تاريخه ولو على حساب نقل تجربته الشعرية. قاسم شيخاوي شاعر شعبي من فيلار، أو تسمسيلت حاليا، في هذا الحوار لـ"الفجر الثقافي". هل يمكننا في البداية الجزم أن الشعر الشعبي هو الأكثر مقدرة على الخصوصية المحلية للشاعر الجزائري؟ في الحقيقة الخصوصية المحلية ثابتة ويمكن نقلها عبر طرق كثيرة والشعر الشعبي واحد منها، لذا ليس الشاعر الذي يحافظ على الخصوصية المحلية وإنما هي التي تحافظ على وجود الشاعر في حد ذاته، تحافظ على مقدرته اللغوية في تصوير تلك الخصوصية وتقريبها من جديد إلى المجتمع في قالب شعري عامي يوافق اللسان اليومي، وعليه كل شاعر يتدرج شيئا فشيئا إلى التمسك بهذه الخصوصية من خلال مسيرته وتجربته، وتعمقه في التراث الجزائري الذي هو نبع الشعر الشعبي ولكن يمكن التجديد والتجديد لا يعني ضياع الخصوصية، على العكس في السابق كان لزاماً على الشاعر الشعبي البدء بالبسملة والختم بذكر اسمه، وكذا تتبع نظام قافية ثنائي أو ثلاثي والقفل بقاضية رابعة. الآن تكسرت هذه القواعد ولم تغيب الخصوصية عن الشاعر الشعبي.  تاريخيا.. يرتبط الشعر الشعبي بمناطق معينة في الجزائر كانت بمثابة عاصمة الشعر الشعبي، وبشعراء أيضا غطت كثافتهم الشعرية عن غيرهم؟ الشعر في الجزائر بدأ منذ قرون خلت، ربما بدأ تاريخيا مع سقوط غرناطة، عندما سقطت فكرة الملك وشعر البلاط وعاد ملوك الأندلس وشعرائهم إلى المغرب والجزائر.. ربما الجميل في تاريخ الشعر الشعبي هو أنه نتاج ثورة ورفض حقيقي من طرف الشاعر في بقائه شاعر للبلاط والملوك ورغبته الحقيقة في العودة إلى الشعب، وهنا يظهر ذلك تاريخيا مع الشاعر أبي عثمان المنداسي، الذي بدأ يكتب شعرا جديدا يحاكي الشعب ولهجته حيث قال مثلا:  رحلوا من سقط اللوى بضعايم سحن   وقت لكان الشمل يا سلمى ملموم  في هذه البدايات كان الشعر قريبا من الفصيح، ولكنه أخذ ينهل شيئا فشيئا من مفردات عامة الشعب ويتوجه إليهم. في ذات السياق كان لحضر بن خلوف يحاكي تجربة مختلفة ولكنها في ذات المنحى لأنه أيضا شاعر منعزل عن الدولة ودواليب السياسة، وشعره الصوفي متصل بالروحيات لكنه يصب دائما في خروج الشعر من بلاط الحكام والتمسك بمفردات الشعب، ثم من  أبي عثمان المنداسي إلى مصطفى بن براهيم في سيدي بلعباس، حيث انتقل معه الشعر الشعبي بالكامل إلى سيدي بلعباس.. ومع مصطفى بن براهيم صار الشعر الشعبي بالفعل مبتغى العامة وبهجتهم حيث يقول مثلا: بالحمى شهرين نودي حتى ذبت ذواب الملحة   من الغرب إلى الجنوب، حيث نجد عبد الله بن كريو، الذي كان حالة خاصة لأنه كتب روائع الغزل.. كما قدمت منطقة بسكرة فحول الشعر الشعبي أمثال بن ڤيطون وغيره. لكن لماذا ازدهر الشعر الشعبي؟ السبب هو وجود ملتقيات أو تقاليد تجمع الشعراء تشبه العكاظيات مثلا كان يجتمع شعراء الجزائر قاطبة  في مازونة وكانوا لا يعترفون لأي شاعر ببساطة.. أما الذي يعترفون به فيحمل على الأكتاف.. أبي عثمان المنداسي لما كتب العقيقة حُمل على الأكتاف، وظلت مازونة تقليدا شعريا، حيث تحتفظ مازونة بشاعر ثورة بوعمامة محمد بلخير الذي يعتبر من أهم شعراء الشعبي في ذلك الوقت والقادم من البيض، ولعل قصيدته في مدح الرسول والمغناة في النوع الشعبي كفيلة أن تختصر موهبته الفذة والتي مطلعها: ألف صلاة وسلام عليك يا المدني زين النور لما دخل الأتراك انتقل الشعر إلى معسكر، كما يمكننا هنا أن نلتفت إلى الشعراء الشعبي ذوي الأصول التركية أمثال قدور العلامي، ولد العربي، والذين كتبوا شعرا شعبيا راقيا، إذن قلنا انتقل الشعر الشعبي إلى معسكر، بل وانتقل بقوة، لأن مؤسس الدولة الجزائرية كان نفسه شاعر، والمحيطين به تقريبا كانوا شعراء أيضا أمثال ولد محمد بمقاب الذي هجاه بقصيدة مطلعها:"يا قريب الضحكة وبعيد في رضاك" وكان قائد الجيوش وابن خالته، كذلك قاضي القضاة الطاهر بن حوا، وما أدراك ما الطاهر بن حوا في الشعر الشعبي، في هذه الفترة صار الشعر الشعبي كامل التأسيس. كما أن الخارطة ليس كما هي الآن وعندما نقول معسكر نعني بذلك كامل الإقليم والمدن المجاورة من عين تموشنت وسعيدة ووهران. من معسكر خرج فيما بعد الخالدي، وهو مدرسة في حد ذاتها، انتقل الشعر الشعبي بعد ذلك إلى مستغانم مع الشاعر الشارف بخيرة الذي يملك أبلغ ما قيل في الخمريات الشعبية، حيث يقول: الكأس بينا فيه نزاهة    في حب نشوة وتياهة فيه طرب قصبة بغناها فيه لعب محنة وقرايح وتوالت بعد ذلك التجارب، ولكن هؤلاء الذين ذكرتهم هم أعمدة الشعر الشعبي، وأضافوا الكثير خاصة فيما يخص الأساليب، هم الذين وضعوا قواعده من الهدة والفراش وغير ذلك، الآن ومع الجيل الجديد لا يمكننا أن نقيس تجاربهم بتجاربنا على الإطلاق... الآن لا يوجد شعراء كبار للأسف.  نعود إذن إلى الجيل الجديد وإليك بالذات، كيف قدمت إلى الشعر الشعبي؟ بداياتي الأولى كانت مع الفصيح، ولكنني عرفت منذ البداية أننا مهما كتبنا من شعر فصيح لن نصل أبدا إلى مستوى المشارقة، لن يكون لدينا نزار قباني ولا محمود درويش ولا حتى حداثة أدونيس، لذا عرفت قدري منذ البداية وقدمت إلى الشعبي، ولكن هذا ليس السبب الوحيد.. لقد وجدت نفسي في اللهجة التي أتحدث بها مع نفسي، كما أنني كنت عاشق كبير للأغنية البدوية، ومعروف أن أساسها هو الشعر الشعبي التراثي، فكنت أهتم كثيرا للكلمات، وأحفظها عن ظهر قلب، حفظت الكثير في عمر مبكرة، كما أنني كنت أميل في طفولتي إلى أحاديث الكبار وأحب مجالستهم وطالما نهروني، أحيانا كنت أسترق السمع من الأبواب لأحاديثهم وأحب المعاني التي يتحدثون بها، من هنا جاء شغفي للشعر الشعبي، الآن وبعد 25 سنة من الحياة مع الشعر الشعبي، أحاول بعد أن أكون شاعرا شعبيا، قدمت ديوان شعر موسوم بـ"الشمس اليتيمة"، وأعمل دائما على فضاءات جديدة لم يتناولها الشعر الشعبي. كيف جاءت مواضيع قصائد ديوانك الأول؟ لا أعرف هل يمكنني أن أقول لك إنه ديوان غزلي، وأنا لا أقتنع بالجنس الغزلي أو الرثائي أوأي نوع أخر، بالنسبة لي القصيدة يمكنها أن تخطف من كل شيء القليل ويمكنها أن تذوب في روحها، مثلا يمكن لقصيدة واحدة أن تحمل حب الله والمرأة والوطن، ولهذا لا يتعارض مع الشعر بل الأساس هو هذا، لأنك عندما تكتب القصيدة لا يمكنك أن تدرك مسبقا وجهتك، لذا أحب أن يذوي كل شيء في القصيدة مثلما يذوي كل شيء في قلوبنا، القصيدة عندي رمزية ولا أحب أن تكون مفضوحة  بلونها في البداية. لقد تجاوزت ذلك وأكثر ما يهمني في القصيدة هو لغتها الشعبية، ربما كنت جريئا قليلا في بعض القصائد ولكنني هكذا أرى الشعر الشعبي الجديد المفتوح على كل شيء ولا أحب التقيد على الإطلاق. كما أنني ناقد لاذع لشعري والقصيدة لدي تمر بمرحلتين المرحلة الأولى وهي كتابتها، وهنا لا أراقب نفسي على الإطلاق، ولا أضع لها حواجز، فالشعر في النهاية حرية، والمرحلة الثانية هي عندما أنهيها وأقرأها لنفسي للمرة الأولى، هنا تكون العملية شبيهة بالمحاكمة، وطالما انتهت تلك المحاولة بالإعدام، نعم أعدمت الكثير من قصائدي وضحكت منها على نفسي. الآن.. ما هو تقديمك لواقع الشعر الشعبي في الجزائر؟ يؤسفني أن أقول لك إن الساحة مملوءة بالرداءة، والذي يوجعك أن بعضهم رديء، ولكن لا يعرف أو يعترف بذلك، كل الشعراء يخرجون من الملتقيات والمهرجانات بشهادة شرفة متساوية ولا يوجد تقييم، والحقيقة أن الشعراء هم الذين أساؤوا للشعر الشعبي، في بدايات حماسي للشعر الشعبي كنت صريح وأقول لبعضهم أن هذا ليس شعرا ولكنني كنت أجنى العداوات والمكائد التي أنا في غنى عندها.. لذا تأكدي أننا ننافق بعضنا كثيرا. ماذا يعني هذا.. هل حال الشعر الشعبي سيئة لهذا الحد؟  أنا أراها كذلك، ولا يمكنني أن أكذب على نفسي أو على قارئ هذا الحوار، بل والله والله أحيانا أبحث عن شاعر يطربني ولا أجد، فتجدني أحاول الاتصال هاتفيا ببعض الشعراء وأطلب منهم أن يسمعوني آخر ما كتبوا حتى لا يضيع أملي بالشعر الشعبي، مرات أهاتف عبد القادر عبيد من أدرار ومرات الرابحي عبد القادر من الأغواط، ومرات كثيرا تفرحني أبيات الشاعرة الشعبية عائشة بوسحابة من تلمسان.. في رأيك إلى ماذا يعود هذا؟؟ نعم سنحاول تفكيك الأمر جديا، النقطة الأولى كما قلت لك سابقا إننا ننافق كثيرا، ولا نصارح بعضنا بمستوياتنا الحقيقية، وأن المهرجانات والملتقيات جعلتنا جميعا في كفة واحدة، والنقطة الثانية هي الأبوة في الشعر الشعبي. وهذه النقطة شائكة جدا وليست كما تطرح في الأدب مثلا، لأن الشاعر الشعبي في الغالب يتمسك بأب ما وأقصد شاعر ما، وينحت نحته بل ولا يخرج من شرنقته، وبالتالي لا يمكنه على الإطلاق التفوق على قدوته المفترضة ولا رؤية وجهه الحقيقي،. والنقطة الثالثة هي الوراثة، عدد كبير من شعراء الشعبي يحترفون ذلك لأن آباءهم وجداتهم مثلا كانوا شعراء، ولا يريدون التنازل عن ذلك المكسب القديم الذي حققه آباؤهم فتجدهم يحفظون قصائدهم ولا يزيدون عليها إلا القليل. أين نحن من الحبيب بن ڤنون..؟ ومن فطاحل الشعر الشعبي؟ ليس لدينا شاعر ينافس عمر الفرة، أو محمد فواد نجم أو الأبنوذي.. لذا لابد لحالة النفاق في الشعر الشعبي أن تختفي. في القديم كان المجتمع شفويا، وكانت القصيدة تتناقل، الآن هل تشكو القصيدة الشعبية من محدودية انتشارها؟ نعم.. كان المجتمع شفويا، ولكن أصل القصيدة الشعبية هو الإلقاء، وعلى العكس اليوم ومع التطورات يمكن أن نحتفظ بها طويلا، في سي دي، في مواقع الأنترنت، أنا لا أخاف على القصيدة الجيدة، لأنها تجد طريقها إلى القلوب لا محالة. ذكرت أنك تستمتع بشعر عائشة بوسحابة، هل من مكان للمرأة في الشعر الشعبي؟ بل الخطر قادم يا معشر الشعراء، وأقول الحقيقة أن لا مكان لنا معهن، بل هن أشعر منا بكثير، المرأة الجزائرية في الشعر الشعبي حالة استثنائية وتحمل الكثير من الصفاء، وأنا متفاءل بها كثيرا. هاجر قويدري


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)