نزل الشاعر بوزيد حرز الله أول أمس ضيفا على المقهى الأدبي لدار الحكمة، ليقدم إصداره الجديد ''بسرعة أكثر من الموت''، في ديوان يستشرف الشاعر فيه المصير، لذلك تمرد على كلاسيكيته المعهودة في النظم ولجأ إلى نوع شعر الومضة في تجربة جريئة تدعم بها الرصيد الشعري بالجزائر.
في عرضه المقتضب للديوان، قال الشاعر أن كل القصائد التي يضمها مؤلفه تنطلق من ذاته ويوجهها إلى ذوات الآخرين، هي عصارة تجاربه ومواقفه في الحياة من انكسارات ونجاحات، وبمعنى آخر، بوزيد حرز الله يكتب نفسه، وقد اختار عنوان ''بسرعة أكثر من الموت'' في إشارة إلى شكل الكتابة الشعرية القصيرة جدا، تسمى بشعر الومضة، كما يشير إلى إحساسه بقرب وفاته.
في تجربة جديدة يدخل الشاعر حرز الله، رحاب الكتابة الشعرية ويتجرد من النمط القديم في كتاباته من إيقاع وطول، وتخلص من تفاصيل الشكل الخارجي على قالب الشعر وعموده، ويتجلى ذلك من خلال قراءة ''قرار'' أو ''زاوية الشيخ'' أو ''الصخرة'' أو ''عادة'' أو ''تلاش'' وغيرها، إذ سيلمس القارئ التمرد على النمط الكلاسيكي الذي عرف به بوزيد حرز الله، وجعل من السرعة دافعا لميلاد المجموعة الصادرة عن ''دار الحكمة'' في الجزائر وفي الوقت نفسه عن دار النشر العين بمصر.
تعانق القصيدة عند الشاعر بوزيد حرز الله تفاصيل أخرى، وهي تقرأ بالوعي الشقي من كتاب الحياة الواسع ومن كتاب الرحلة على وجه الخصوص، حيث تحضر التجربة الوجودية مستترة أحيانا وواضحة في بعض المفاصل، ونقرأها أيضا في أسماء الكثير من أصدقاء الشاعر، وقد أهدى لهم نصوصه أو كانوا حاضرين بأسمائهم في بعض المتون وهم من شهود التجربة الشعرية بكل تمردها وقسوتها وحميميتها.
وبالمناسبة، فتحت الجلسة الأدبية لقراءة بعض القصائد، التي استهلتها ابنته شيراز بقصيدة تحمل عنوان ''شيراز''، وتقول على لسان قلم أبيها:
لشيراز أمنح ما يعجز البحر عن شرحه
للنوارس منسابة في السماء.
لشيراز أعقل كل الفصول
لشيراز أوقد هذا الفضاء.
ثم قرأ بوزيد حرز الله قصيدة ''وديع'' مرفوعة لابنه، يقول فيها:
''لوديع
ما في رجفة الجفن المشرد بالسؤالات السخية
بالذهول وبالهطول..
له المسافة والضباب.. النور والفيء الرحيم،
له الصبايا الحور ...''.
ثم توالى كل من الشاعرة عفاف فنوح والشاعر إبراهيم صديقي والشاعر والروائي عبد الرزاق بوكبة، ليتلوا على مسامع الحاضرين بعضا من قصائدهم الجديدة+.
الجمعية الثقافية ''الجاحظية'' كانت حلما كبيرا يراود المثقفين وبدأوا في تأويله من خلال النشاطات الكبرى التي كانت تقوم بها في عهد شيخ الروائيين المرحوم الطاهر وطار، فهل تختفي جائزة الشعر ''مفدي زكريا''؟ وهل ''الجاحظية'' تمضي الى سقوط حرّ بعد انسحاب الرواد الأوائل الذين دأبوا على ترقيتها.
جائزة ''مفدي زكريا'' للشعر تعد من أهم الإنجازات التي حققتها الجمعية والتي من خلالها نالت بعدا مغاربيا ثم تحولت فيما بعد إلى جائزة عربية، فأصبحت من أهم الجوائز الثقافية التي يتم تنظيمها في الجزائر، بعد أن جمدت جائزة مالك حداد التي تبنتها وزارة الثقافة مؤخرا والتي كانت ترعاها من قبل الأديبة الجزائرية اللامعة أحلام مستغانمي.
جائزة ''مفدي زكريا'' للشعر لم تعرف تعطيلا أو تجميدا في عهد عمي الطاهر الذي أوصى أركان ''الجاحظية'' خيرا بالجمعية، وهاهي (الجمعية) تترنح وتفقد توازنها الذي كانت عليه في عهد عمي الطاهر، وهاهو المستوى الثقافي في تدن ملحوظ رغم المحاولات التي يقوم بها الأستاذ محمد تين لإعادة الجمعية الى مسارها وتوهجها الثقافي. جائزة ''مفدي زكريا'' للشعر التي أعلن عنها في ملتقى الطاهر وطار الأول وأحرز عليها الشاعر التونسي مكي الهمامي الذي لم يسعفه الحظ للتنقل الى الجزائر نظرا للظروف التي كانت تجتازها تونس الشقيقة، إلا أنه بقي في اتصالات مع لجنة التحكيم التي قررت بالإجماع فوزه بهذه الجائزة العربية للشعر، كما بقي في اتصال مع الجمعية، إلا أنه لم يلق تجاوبا لدعوته لاستلام جائزته هذه.
ورغم الظروف الصعبة التي انشئت فيها الجاحظية، حيث كانت الجزائر تمر بأحلك أيامها، إلا أن الروائي الطاهر وطار جعل من الجاحظية شمعة تنير الحلكة وتتحدى العواصف ورياح الأزمة، وأكد من خلالها أن الثقافة لا تموت وأن الأقلام يمكنها أن تبرز عملاقة من تحت الأنقاض.
أركان ''الجاحظية'' بعد الطاهر وطار تزعزعت، وأوتادها الذين شيد على صلابتهم وثباتهم خيمة الشعر ومدينة الرواية، تخلوا عنها وانسحبوا منها في صمت تاركين الجمعية لمصير مجهول.
كانت الجمعية في عهد عمي الطاهر تستقطب كبار الأدباء والمثقفين والشعراء من داخل الجزائر ومن الوطن العربي، وكانت عجلة مطبعتها تدور والإصدارات للناشئين من الكتاب تتواصل والمحاضرات سواء الأسبوعية أو الشهرية تمضي بانتظام كبير، وكبارالنقاد والروائيين والمبدعين الجزائريين يتوافدون على منبرها، هكذا كانت ''الجاحظية'' تنحت حياتها بالأقلام والأظافر وبالطاقة التي كان يشحنها بها عمي الطاهر.
''الجاحظية'' اليوم في خفوت ويكاد يصيبها السبات السلحفاتي، فلم تعد تتزين بتلك الوجوه الثقافية ولا بتلك الركائز من الأقلام سواء الجامعية منها أو التي أودع فيها الله موهبة.
ويبقى السؤال مطروحا: هل بعد رحيل عمي الطاهر تم تقييد جائزة ''مفدي زكريا'' للشعر العربي في سجل الوفيات؟ وهل الشاعر التونسي مكي الهمامي يكون آخر شاعر تطوى باسمه جائزة الشعر ويستلم جائزته، أم أن القائمين على هذه الجائزة سيدركون الخطر الذي يهدد الجمعية ويعيدونها الى الحياة بعودتهم إليها وفاء لعمي الطاهر الذي أوصاهم بالجاحظية خيرا؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/03/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : ابن تريعة
المصدر : www.el-massa.com