الجزائر

السياسة: بين الضحالة والمؤامرة! كلام آخر



السياسة: بين الضحالة والمؤامرة! كلام آخر
هل يمكن أن تقوم ساحة سياسية من غير سياسيين؟ وهل يمكن أن تقوم دولة من غير رجال دولة؟ وهل يمكن أن تتجسد حرية من غير وجود ساعين إليها؟ وهل يمكن أن يقوم عمل سياسي من غير نضال ومن غير أخلاق؟ طبعا لا يمكن أن نطمح إلى رؤية حياة سياسية فعلية تقوم من غير نخبة مستعدة للتضحية من أجل الحرية وقادرة على إنتاج الأفكار وعلى اقتراح بدائل الحلول. فهل مشكلة السياسية في بلادنا هي غياب السياسة أم انعدام السياسيين وضآلة البرامج ودناءة الممارسة؟ دعنا نتمعن جملة من معطيات الواقع. النضال هو التربة الوحيدة المنتجة للسياسة والسياسيين، والنضال يعني الكثير من نكران الذات ومن الاستعداد النضالي لخدمة فكرة أو مصلحة. لكن عمليا لو جمعنا عدد الذين انتسبوا للمجلس الشعبي الوطني ولمجلس الأمة لاستنتجنا أنهم الآلاف، ومع ذلك، كم منهم صار”رجل سياسة” أو يمكن أن نضعه في تلك الخانة؟ كم اسما يمكن أن نذكره ونذكر معه فكرة أو قضية رفعت، أو قانونا سن؟ تفاؤلا نرد: القليل القليل. لهذا فالمجلس ظل، في الغالب، مجلس جلوس بمقابل مادي مريح جدا. كما يمكن أن نتساءل كم من الوزراء يمكن أن تنطبق عليه صفة رجل دولة؟ لماذا هذا “الفراغ” ولماذا لا تجتمع صفتا المعرفة العلمية الأكاديمية والنضال السياسي، إلا نادرا، ولماذا تظهر الساحة السياسية فقيرة من حيث الأفكار، ومن حيث من يجيدون التعبير عن هذه الأفكار؟ ولماذا تظهر السياسة وكأنها مجرد مؤامرات ومناورات متواصلة أو شعارات وخطب جوفاء؟ تشكل الأحزاب ثم المجالس المنتخبة، والمجلس الشعبي الوطني بالخصوص، المجال الذي يكون رجال السياسة أو يستكمل تأهيلهم وشحذ خبرتهم، لكن للأسف الشديد، فإن المجلس ظل يضم، في الغالب، أعضاء مجلس وليس نوابا، وظل يضم، في الغالب، مستفيدين غير مفيدين للعمل السياسي والعمل البرلماني. لن أتطرق في هذه الوقفة إلى كيف يأتي أعضاء المجلس ولا لصفتهم التمثيلية المطعون فيها، بل إلى ما ستفيدونه من وجودهم داخل المجلس، وما الذي يفيدون به التجربة البرلمانية أو حتى السلطة وتحسين “ثقافة التبرير” لديها؟ الرّداءة والطعن في الشرعية وقلّة المصداقية، كلّها طغت على المجالس المتعاقبة، واكتشفنا أن مجالس الأحادية أو مجالس بداية التجربة التعددية، أفضل من مجالس اليوم التي كان من المفترض أن تكون محصلة لتراكم التجربة، وتعبيرا عن ارتفاع المستوى الثقافي للمجتمع. تلك كارثة أخرى من كوارث البلاد، وذلك جانب واضح آخر من تغييب الذكاء. البعض يرد ذلك للمستوى التعليمي المحدود للكثير من مكونات هذه المجالس وما ينجم عنها من ممارسة برلمانية يغيب فيها الجدل السياسي الحقيقي، إلا في حدود ضيقة وفي عدد محدود من القضايا، وبصيغ ذات طابع شعاراتي أو إجرائي، والبعض الآخر يرده ل”سياسة إرادية” في تغييب السياسي لصالح البيروقراطيات المختلفة. لماذا لم تكن مشاركة البرلمانيين كبيرة في الحكومات؟ ولماذا لم تبرز زعامات سياسية من بين البرلمانيين؟ وفعلا وإذا ما استثنيت أسماء قليلة وعدد قليل من الزعامات الحزبية، وليس السياسية، فإن الأمر يستدعي علامات استفهام كثيرة وغريبة. إن ذلك يفسر بشكل من الأشكال فقر الساحة السياسية، لأن حال إدارة السلطة والنظام السياسي، مازال لا يعتبر العمل السياسي وظيفة ينبغي أن تقوم وأن تتحول لفاعل أساسي. مازالت البيروقراطيات هي “المعوّل عليها” لإدارة شؤون الدولة ومؤسساتها وحتى لإدارة العلاقة مع الناس ومع مختلف المصالح، بتوظيف “سياسيين موسميين” أو “كومبارس سياسي” محدود الكفاءة والقدرة على التدخل ومنعدم الأثر السياسي والمعنوي. فكيف يمكن انتظار أن تقوم حياة سياسية؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)