الجزائر

السياسة الروسية الشرق أوسطية في عهد بوتين بين العرب وإسرائيل



السياسة الروسية الشرق أوسطية في عهد بوتين بين العرب وإسرائيل
بقلم عميرة أيسر*تُعتبر روسيا فلاديمير بوتين من أهم الدول الكبرى التي لها مصالح جيواستراتيجية واقتصادية وحتى أمنية وثقافية كبرى في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر بوابة لنصف الكرة الأرضية بموقعها الاستراتيجي والجغرافي والمناخي المتميز خاصة وأن روسيا الفدرالية التي تعتبر الوريث الشرعي للإمبراطورية السُّوفيتية المتفككة وتريد أن تستعيد مناطق نفوذه القديمة وحتىَّ حلفاءه الذين تربطهم به علاقات تاريخية وسياسيَّة طويلة وممتدة منذ عهد (أسرة رما نوف) التي حكمت روسيا القيصرية قبل اندلاع شرارة الثورة البلشفية التي غيَّرت وجه العالم في القرن المنصرم وبوتين بحنكته ودهائه السِّياسي وخدمته في دواليب الدَّولة الروسية من خلال عمله في جهاز المخابرات الروسية الذي أصبح مسئولاً عنه في فترة سابقة قبل أن يصبح رئيساً لروسياَ يعرف أكثر من غيره مدى أهمية الشرق الأوسط لمن يريد التَّحكم والسيطرة على السِّياسة العالمية وصناعة القرارات الدَّولية لذا سعت روسيا منذ سنة 2001إلى إعادة بلورة سياسة خارجية نشطة على المستوى الدِّبلوماسي في الشرق الأوسط وسعت روسيا إلى عقد تحالفات وتوقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية بمليارات الدُّولارات مع دول كمصر وسوريا والعراق فالروس الذين يريدون استعادة دورهم المحوري فيه والتَّصدي لهيمنة الأمريكية التي عملت في سنوات التململ والانهيار السِّياسي والتراجع الاقتصادي والعسكري الروسي في حقبة غورباتشوف و بور يس يلسن على التغلغل وإقامة قواعد عسكرية دائمة لها في دول كإسرائيل والأردن وحتى مصر أما دول الخليج العربي فأصبحت كلها عبارة عن محميات عسكرية أمريكية وأحد أدوات السِّياسة الخارجية الأمريكية الإمبريالية وقد ظهر ذلك في عدَّة أماكن بشكل مفضوح وأهمُّها في سوريا.مصالح متشابكةفالرئيس بوتين يريد إدارة مرحلته الرئاسية الثَّالثة بحكمة ومحاولة ترويض واحتواء الهيمنة والنُّفوذ الأمريكي وهذا ربما يفسر لنا الدَّور الروسي الُمتعاظم في دول المشرق العربي بعد ثورات الربيع العربي التي دعمتها روسيا ولكن بحذر شديد قبل أن تتراجع عن ذلك في سوريا بالتَّحديد بعد أن تبيَّن لخبراء الروس أنًّ منظومة ثورات الربيع العربي ليست إلاَّ مخططاً غربياً أمريكياً الهدف من ورائه إعادة رسم المنطقة سياسياً واستراتيجياً بما يخدم المشاريع الأمريكية الاستعمارية ولكن تحت ذريعة إزالة النُّظم الديكتاتورية والرجعية التي دعمتها وسلَّحتها لعشرات السنين وباتت عائقاً أمامها في الوقت الراهن وخطاب أوباما الرئيس الأمريكي السَّابق سنة 2008زفي البيت الأبيض كان مقدِّمة لكل ذلك عندما قال: بأنَّ على أمريكا أن تتوقَّف عن دعم أنظمة الشرق الأوسط التي أثبتت فشلاً ذريعاً في تحقيق التنمية الاقتصادية وإرساء قواعد الدِّيمقراطية وحقوق الإنسان وبأنَّ علينا أن نعمل على تعزيز الحريات الفردية وحقِّ الشعوب العربية في اختيار من يمثلها في سدَّة الحكم وهذا ما قامت روسيا باستغلاله إذ عملت على تقريب وجهات النَّظر بينها وبين حلفائها من الأنظمة العربية ودون التدخُّل في شؤونهم الوطنية والتذكير دائما بأنَّ روسيا كدولة حرة متمسكة بكل القوانين والمواثيق الدَّولية التي تمنع أي دولة من الاعتداء على الدُّول الأخرى حتى إعلامياً وحاولت لعب دور الدَّولة المساندة للقضايا العربية المحقَّة إذ لازالت روسيا تعترف بحقِّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعلى حدود سنة 1967مع الاعتراف بكامل البنود والقرارات الصَّادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الصدد ولكن رغم ذلك فإنَّ فلاديمير بوتين بعد تدخله عسكرياً في سوريا أقرب حلفائه تاريخياً من العرب إلى روسيا بطلب رسمي من الدَّولة السورية عمل في ذات الوقت على تعزيز علاقاته مع الكيان الصُّهيوني الغاصب وتعتبر الفترة الحالية هي الفترة الذَّهبية في العلاقات بين هذا الكيان اللقيط والكرملين حيث قام بن يامين نتنياهو بزيارة إلى موسكو مثلما يقول سفير لبنان في روسيا البيضاء السيِّد شوقي أبي نصار 4مرات متتالية في ظرف عام ونصف تقريباً وهو ما لم يقم بفعله أيُّ رئيس لكيان الصهيوني منذ إنشائه فروسيا الاتحادية التي قامت بإعادة تفعيل العلاقات الدِّبلوماسية بينهما بعدما تمَّ قطعها مباشرة بعد العدوان الغاصب من الكيان على دولة مصر الشقيقة سنة 1967وبقيت كذلك حتىَّ بداية سنة 1992أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك جمهورياته السابقة تل أبيب التي حاولت طعن الروس في الظهر إبَّان الأزمة مع جورجيا حيث قامت بتزويد الجيش الجورجي بأسلحة جدُّ متطورة مثلما يؤكد على ذلك السيِّد عبد الله الحوسيني سفير سلطة عمَّان السَّابق في روسيا ووقتها هدَّد بوتين بأنه سيقدم صواريخ قادرة على إصابة العمق الصُّهيوني لأعدائه التقليديين كسوريا-وإيران-وحزب الله وبالتالي تراجعت عن ذلك. ونظراً للتطور المُطّ رد لعلاقات الكيان الصُّهيوني وموسكو والتنسيق بينهما في الملف السُّوري لكي لا تحدث صدامات عسكرية بين الطَّيران الإسرائيلي والروسي فإنَّ تل أبيب لازالت تدعم الموقف الروسي فيما يخص الأزمة الأوكرانية. إذ تعتبر دولة الكيان المُغتصب المحتل لفلسطين الدَّولة الوحيدة في المحور الغربي التي رفضت فرض عقوبات اقتصادية على روسيا أو تأييد العقوبات التي فرضتها دول كأمريكا ومنظومة حلف الناتو وأوروبا عليها ورأت في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي فالتَّواجد الروسي بموجب الاتفاقيات الأمنية الموقَّعة بين دمشق وموسكو أصبحت روسيا بموجبه مُتمركزة بشكل دائما في أراضي الدَّولة السورية في ميناء طرطوس السُّوري وكذلك قاعدة حميميم الجوية التي تعتبر أهمَّ مراكز القيادة والسَّيطرة الروسية في الشرق الأوسط وفيها يجري التَّخطيط العسكري لشنِّ أهمِّ وأكبر الحملات العسكرية ضدَّ تنظيمات جهادية أصولية وهابية تكفيرية تخشي روسيا من أن تنتقل إليها بعد أن تنجح في تحويل الدَّولة السورية إلى دولة مدمَّرة وفاشلة حسب توصيفات مصطلحات العلوم السِّياسية.حقائق وأرقام- فالتقديرات الاستخباراتية الروسية تأكد بأنَّ هناك أكثر من3500من مواطنيها قد ذهبوا إلى الجهاد في سوريا وهؤلاء إن عادوا إلى روسيا بعد كل الخبرات القتالية التي اكتسبوها فإنهم قد يشكلون تهديداً جدِّياً للأمن القومي الروسي وتجربة الشِّيشان لازالت ماثلة أمام ناظري الدُّب الروسي إذ تكبَّد الجيش الأحمر خسائر كبيرة جداً في الأرواح والعتاد من جراء الذين يوصفون بالمتشدِّدين الإسلاميين في جمهورية الشِّيشان التابعة لروسيا الاتِّحادية وهذا الأمر تدركه موسكو وتسعى جاهدةً إلى التَّخلص منه ومحاربته قبل أن يستفحل أمره فسوريا تعلم بأنَّ روسيا لن تتخلى عن دعمها وتقديم كل التسهيلات العسكرية لها وكذلك توفير الغطاء والحاضنة الدَّولية لدرء هذا التهديد المشترك عنهما فتبادل المصالح والمنافع على كلا الجهتين هو أهمِّ ضمانات التَّحالف الاستراتيجي بين موسكو ودمشق وحلفائهما في وجه الجماعات المسلحة الإرهابية التي لم يقف خطرها على سوريا بل امتدَّ إلى مناطق ودول تربطها بروسيا بوتين علاقات مصلحيه وأمنية واقتصادية. ومنها مصر التي كان للاتحاد السوفيتي فيها حضورٌ قوي ومتميز إبَّان الحقبة الناصرية على وجه الخصوص وحتىَّ في وقت الراحل أنور السَّادات ولا يخفى على أحد الدَّور الذي لعبته المُخابرات السُّوفيتية وكذلك وزارة الدِّفاع وقتها والجهد الجبَّار والهائل الذي قامت به من أجل مُساعدة المصريين وقامت بتزويدهم بأسلحة سوفيتية متطورة ومعلومات مخابراتية مكَّنتهم من قلب نتيجة الحرب لصالحهم أي حرب سنة 1973 ولكن هذه العلاقات سرعان ما تدهورت بعد أن وقعت مصر اتفاقية-كامب ديفيد مع الصَّهاينة ودخلت في المحور الأمريكي الغربي ولكن الرئيس الحالي عبد الفتاح السِّيسي الذي انقلب على رئيس منتخب شرعي يحاول كسب التَّأييد الدولي الذي تعتبر روسيا أهمَّ قواعده ودوله الأساسية بات يدرك أكثر من أيِّ وقت مضى بأنَّ الرضى الروسي يجب أن يتمَّ تعزيزه وتكثيف مجالات التعاون مع الكرملين والانخراط ولو بشكل حذر في صفقات عسكرية وأمنية واقتصادية مع روسيا وهذا ظهر بالعيان بعد زيارة السيسي لمُوسكو والتقائه بفلاديمير بوتين فالروس بفضل الخبرة العتيدة المُكتسبة في التعاطي مع الجماعات الجهادية وامتلاكهم سلطة القرار الدَّولي مع الشريك الأمريكي وقوتهم ونفوذهم الإقليمي يستطيعون تقديم مساعدات مشروطة طبعاً إلى الجيش المصري من أجل القضاء والتخلص وبصفة جذرية من تنامي عدد الجيوب والجماعات الإرهابية في منطقة-سيناء المصرية التي ترى فيها موسكو تهديداً ليس لمصر لوحدها وإنَّما لمستقبل وجودها كقوة عظمى في الشرق الأوسط تريد أن تبقي بوتين إذن في علاقاته المتوازنة نوعا ما مع العرب الذين رغم اختلافاتهم وحروبهم لا يزالون يخشون مع أن تقوم الجماعات الإرهابية أو الولايات المتحدة الأمريكية بزعزعة عروشهم والإطاحة بهم وهي التي برهنت لهم تجارب الدَّهر وأيامه وفواصل التاريخ ودوراته بأنها دولة براغماتية حتى النُّخاع ولا أمان لها وتتخلى عن من خدموها لعشرات السِّنين ودون مقابل وترمى بهم إلى المزبلة بعد أن يقوموا بأداء دورهم المنوط بهم على عكس روسيا التي رفضت كل العروض والإغراءات الغربية والأمريكية من أجل التنازل عن حماية سوريا ورئيسها. وهدَّد بوتين في أكثر من مناسبة بأنه مستعد لدخول الحرب إن استلزم الأمر ذلك دفاعاً عن حليفه الرئيس بشار الأسد.إذابة الجليد-فروسيا قامت بمشاريع كبرى في عدد من الدُّول العربية ونقلت إليهم خبرات مهندسيها وتكنولوجيتها من أجلِ أن تطور بلدانهم على عكس أمريكا التي كان طوال الوقت تدعم احتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم وتشجع إسرائيل في كل حروبها وعدوانها المُستمر على حقوقهم الشَّرعية فأمريكا قد استعملت الفيتو أكثر من 80مرة بالسَّلب وذلك لتسقط قرارات في مجلس الأمن تضمن حقَّهم وتدين الاحتلال الصُّهيوني لأراضيهم وهو عدد لم تصل دول مثلا كبريطانيا وفرنسا إلى نصفه في تصويتهم ضدَّ العرب ومع ذلك ومع كل ما حدث لازال هناك بعضهم كدول الخليج ترى في أمريكا الدَّولة الوحيدة التي تستطيع تخلصيها من الإرهاب وتوابعه رغم أن كل التقارير المخابراتية تؤكد على أنها من صنعت أكثر مجموعاته فتكاً ودموية وشراً وقتلاً وأنها وظفتها منذ حرب أفغانستان إلى اللحظة لإسقاط وإضعاف كل من يهدِّدها أو يقف ضدَّها ويحاول إعادة الحقوق العربية المُغتصبة وعلى رأس هذه الدُّول دول الخليج العربي إلا سلطنة عمان طبعاً التي يشهد تاريخهاَ الدبلوماسي أنها وقفت دائما موقف الدَّولة الحيادية في معالجتها للقضايا الخلافية والصِّدامية وقد لعبت دوراً مهماً في تقريب وجهات النَّظر بين كل الأطراف المُختلفة والمُتحاربة.فروسيا التي تريد أن يكون لها مُستقبل مُشرق في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عليها أن تعمل على إذابة الجليد الذي يطبع علاقاتها مع دول ترى في روسيا دولة تريد أن ترث الإمبراطورية الأمريكية التي تنسحب تدريجياُ بعد أن أمَّنت المنطقة عن طريق قواعدها المنتشرة في معظم الدول العربية واستغنت عن نفط العرب وإن بصورة جزئية حالياً فكل المؤشرات والقراءات السِّياسية تصب في النهاية في رغبة واشنطن في ترك الأزمات عالقة في هذه المنطقة من العالم وترك هذه الرقعة الجغرافية الملتهبة إلى روسيا لتتحمل مسؤوليتها باعتبارها قوةً عالميةً صاعدة تريد أن يكون لها موطئ قدم في قلب العالم القديم فالإستراتيجية الروسية التي بدأت تتَّسع رقعتها وأضحت كلعبة الشطرنج في لعبة المصالح الدَّولية لابدَّ أن تعمل أولا وقبل كل شيء على كسب صداقة الدُّول العربية ذات الوزن والثقل التاريخي والدِّيني والديمغرافي الكبير وأن تحاول الاستفادة من ماضيها الدِّيني الكاثوليكي كي تمدَّ جسوراً من التواصل بينها وبين دول عريقة في هذا المجال وتعتبر مثالاً للتنوُّع الطائفي والعرقي كلبنان وفلسطين مهد عيسي عليه السلام وهذا ما أكد عليه الدكتورأوليغ ايفانوفيتش نائب المركز الروسي للمحافظة على التراث الروحي والثقافي للقدس فهذه الجمعية الروسية-التي تعنى بالتراث المسيحي-الكاثوليكي للقدس هي من أهمِّ الدلائل على عمق التجذُّر الروسي الوجداني في أطهر أرض بعد الحرمين الشَّريفين فالمسيحي الروسي لا يعتبر نفسه مسيحياً كاثوليكياً حقاً إلاَّ إذا حجَّ إلى كنيسة القيامة التي يرى فيها خلاصه ونجاته بالمعنى العقائدي الكنسي وعلينا نحن العرب في اعتقادي أنَّ نحاول قدر المستطاع استغلال هذه العلاقات والوشائج الدِّينية من أجل التَّأثير في المجتمع الروسي إيجابياً ليدعم قضايانا المُحقة ولا نتكّل على المعونة والسَّند الغربي الذي كان في كل مرة يخيب أمالنا التي عقدناها عليه لعشرات السُّنون والنتيجة كوارث تعصف بنا على كل المناحي وفي كل الجهات وعلى مختلف الأصعدة وأنّ نأخذ في الحسبان بأنَّ روسيا يتواجد بها أكثر من20إلى28مليون مسلم يحملون الجنسية الرُّوسية ويعيشون في أراضيها وهم يشكلون ما نسبته حوالي20بالمئة من التعداد السُّكاني في هذا البلد الذي أصبح لاعباً دولياً سيشكل مصيرنا في السَّنوات القادمة وعلينا أن نعمل كما يعمل الروس بالمقابل ونقوم باستغلال هذه الكتلة الثقافية والدِّينية والانتخابية الضخمة من أجلِ التَّأثير إيجابياً في اللعبة السِّياسية الداخلية الروسية فالسِّياسة الدولية هي مصالح ومنافع متبادلة وعلينا أن نستغل كل هذه الأوراق المُتاحة لخدمة مصالح دولنا وشعوبنا وأن لا نكرر أخطاءنا التي كانت لنا مع أمريكا في الماضي التي كانت في أيدينا أوراق ضغط كبيرة وهامَّة للغاية في المجتمع الأمريكي ولم نحسن توظيفها لخدمة دولنا. فالروس هم المُستقبل وعلينا أن نكسبهم لصفِّنا ونكون بديلاً لهم عن الصَّهاينة في حماية وخدمة مصالحهم الإستراتيجية ولكن في مقابل أن يساعدونا عن إزالة هذا الورم السَّرطاني الخبيث الذي يسمى إسرائيل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)