الجزائر

السود في تلمسان



لا شك أن الرقيق الأسود كان موجودا بين العناصر الاجتماعية المختلفة، التي عرفتها مدينة تلمسان في العهد الزياني، وان أغلبهم كانوا من الخصيان، الذين يعملون في القصور، والحقول والجيش، ومن الجواري اللائي كن يسخرن للخدمة في المنازل (149).
وقد وجد صفوان السودان، ووصيفاته بين مختلف الطبقات الاجتماعية بمدينة تلمسان، كما استخدمت الإماء للفراش ولإرضاع البنين (150)، وتشير الوثائق إلى أن عددهم، قد تضاعف في عهد بني زيان (151)، لأن الحياة الاقتصادية في المدن والحقول، تعتمد على اليد العاملة المستأجرة وكانت تجارة الرقيق الأسود، في بلاد المغرب نافعة مزدهرة، تأتي في الدرجة الثانية بعد تجارة الذهب (152).
فقد كانوا يجلبون من بلاد السودان، المصدر الرئيسي لهذا النوع من الرقيق حيث كانوا بصطادون من حافات الغابات الإفريقية، فقد كان أهل غانة والتكرور يقومون بالغابات المستمرة على سكان هذه المناطق، فيسبون الرجال والنساء والأطفال ويبيعونهم لتجار المغرب واليهود، الذين ينقلونهم إلى الشمال الإفريقي (153)، ومنها إلى العالم الإسلامي، وإلى أوروبا، وبعد اكتشاف القارة الأمريكية ازداد إقبال الأوروبيين، على طلب الرقيق الأسود لاستغلالهم في الزراعة والتعدين (154).
وكان عبيد هذه المناطق مرغوبا فيهم، لإتقانهم الأعمال المنزلية في الحقول والجيش، وكانت أثمانهم مرتفعة ما بين 25 إلى 60 دينارا (155).
وقد لاحظ الأصطخري، بأن الأمة السودانية بيعت في بلاد المغرب بألف دينار وأكثر (156)، واشترى ابن بطوطة جارية في منتصف القرن الثامن هجري الرابع عشر ميلادي، بخمسة وعشرين دينار وقال بأن ثمنها مرتفع جدا (157)، وكان سعر العبد في قصور توات، التابعة لنفوذ بني زيان في المتوسط، يساوي أوقيتين من الذهب (158)، ويخضع سعر العبد إلى عمره وحالته الصحية وقوته البدنية، وإلى جنسه وحدقه بالمهن والصناعة (159)، وكان التجار المغاربة يستبدلون العبيد بسلع أخرى، أو يشترونهم من أسواق السودان، بأثمان بخسة فقد كانت الفتاة التي لا يزيد عمرها عن خمس عشرة سنة تساوي ستة مثاقيل (160)، وكذلك الفتى أما الأطفال والمسنون فيقدر ثمنهم بنصف ذلك، وكان عبيد شمال نيجيريا يستبدلون بالخيول، بحيث كان الفرس الواحد يساوي من 15 إلى 20عبدا (161)، وتجدر الإشارة هنا، بأن الدين الإسلامي أكد صراحة على حرمة الإنسان وكرامته، وحرم استعباد المسلم، وبين حقوقه أمام سيده، بحيث يجب عليه أن يعامله بإحسان، وإذا أساء إليه يمكن للقاضي أن يعتقه من رقه، وأوضح بأن للعبد الحق في التملك والتصرف في أمواله وممتلكاته، وكثيرا ما كان ابعبيد يشترون حرياتهم بأموالهم الخاصة، وعندما يعتنق العبد الإسلام دينا له، يصبح حرا ويعتق من الرق، إلا أنه يبقى تابعا لسيده أي يصبح مولى له، وكانت مهنة النخاسة من أهم المهن وأكثرها ربحا في المدن الإسلامية، وقد خصصت سوق في مدينة تلمسان لمثل هذا النشاط التجاري، الذي أغدق ثروات هائلة على أرباب هذه المهنة، ويبدو أن السلطان الزياني، أبا حمو الثاني (760/791هـ/1359-1389م)، قد استخدم عنصر السود في جيشه وكان يطلق عليهم "الوصفان" لسواد بشرتهم جنبا إلى جنب مع المماليك، الذين كانت تتشكل منهم بعض الفرق العسكرية في الجيش الزياني، مخصصة للتدخل السريع، وقد حددهم أبو حمو الثاني في مصنفة "واسطة السلوك" بالاعلاج والنصارى والأغزاز والوصفان، وكان الشديد (162)، وكانت مهمتهم في الغالب حماية السلطان، بحيث لا يفارقونه طرفة عين، ولعل اهتمام أبي حمو الثاني بالجيش، والتأكيد على العناية به نابعة من تجربته السياسية والتنظيمية، خلال حكمه الذي زاد عن ثلاثين سنة (163). إن كثرة الحركة التجارية، ونشاطها المستمر، وازدهار تجارة الرقيق الأسود، واتساع دائرتها، واستمرارها عبر أجيال وقرون عديدة بين بلاد المغرب وبلاد السودان، ساعد إلى حد كبير، على وجود عدد كبير من هذه العناصر، في مدينة تلمسان وغيرها من المدن الزيانية، حتى صار في كل بيت من البيوتات التلمسانية، خاصة والمغاربية على وجه العموم، أكثر من وصيف ووصيفة (164).
ولا شك أن الإماء والجواري السودانيات مثل الأوروبيات، قد أنجبن من أسيادهن جيلا من المولدين، وصارت كل واحدة منهن تدعى أم ولد، فانصهر هذا الجيل في الوسط التلمساني، مع العناصر التي تمكنت مدينة تلمسان من استيعابهم وإدماجهم في حياتها اليومية، وطبعتهم بطابعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بالرغم من تعدد انتماءاتهم العرقية والقبلية والجغرافية، واختلاف فئاتهم الاجتماعية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)