الجزائر

السليكوز يحوّل تكوت إلى مدينة للأرامل و الأيتام



السليكوز يحوّل تكوت إلى مدينة للأرامل و الأيتام

يصنع داء السليكوز مأساة الكثير من العائلات بمنطقة تكوت بولاية باتنة، أين أصبح الموت البطيء مرادفا لمهنة يراها الكثيرون خلاصا من الفقر ، لكنها تظل تحصد الأرواح. صقل الحجارة دفع بمائتي شخص إلى الهلاك فيما يصارع 900 مصاب الداء، لكن الموت ما هو إلا بداية لمعاناة يتامى وأرامل وأمهات ثكلى، تركوا في مواجهة حياة صعبة وظروف نفسية أصعب، لم تحد شباب آخرين من المجازفة بعد أن فتح أطباء في دول مجاورة باب وهم العلاج.تحقيق وتصوير: ياسين عبوبوالمهنة ورغم أنها موروثة عن الأجداد اتخذت ثوبا عصريا حوّلها من مدعاة للفخر إلى هاجس يطارد كل من يقترب من حجارة تزين فيلات الأغنياء وتفتح قبورا للفقراء. النصر تنقلت إلى منطقة تكوت لنقل صورة عن جحيم اسمه السليكوز، اقتربت من أرامل يخضن يوميات صعبة ويتامى يتجهون نحو المجهول، نقلت تخوفات دفعت ببطالين إلى البحث عن موارد أخرى لتأمين العيش، كما توقفت في هذا التحقيق عند حالة شاب عاد من حيث لم يعد غيره بعد أن استبدل غبار الحجارة بالفلاحة.من مصدر رزق إلى طريق للموتلم يكن يدري شباب تكوت اليوم، بأن مهنة الأجداد التي تعاقب على ممارستها عدة أجيال، ستتحول من مصدر رزق إلى سبب في الموت، ليتبادر السؤال لماذا تقتل المهنة على اعتبار أنها ليست بجديدة، وقد توارثتها أجيال عبر عقود من الزمن بمنطقة تكوت، ولماذا ظهر داء السليكوز الناجم عن هذه المهنة قبل نحو 15 سنة فقط، وراح يفتك بكل من مارس هذه المهنة، فتحول الداء إلى شبح يسقط الضحايا تباعا. ويرجع السبب في ظهور الداء حسب الأطباء المختصين في الأمراض التنفسية والصدرية، بينهم البروفيسور جبار رئيس سابق لمصلحة الأمراض التنفسية بباتنة، والذي كان قد تابع حالات المرضى بالمنطقة، إلى الطريقة المستحدثة في العمل عن طريق الآلات التي باتت تستخدم في المهنة والتي ينجم عنها جزيئات دقيقة لغبار السليس تترسب إلى الرئتين ما يؤدي إلى جفافهما التدريجي، عكس ما كان يمارسه القدامى الذين كانوا يصقلون الحجارة بوسائل تقليدية، ويرجع أخصائيون آخرون سبب الداء إلى نوعية الحجارة التي تستخدم في الصقل والتي يتم جلبها من منطقة إعكورن بتيزي وزو. حالات الإصابة بالسليكوز وإمكانية العلاج والشفاء منه، تتفاوت حسب الأطباء المختصين بحسب تقدم درجة الداء الذي في أغلب الأحيان ينتهي بالموت المحتوم ، هذه المأساة التي حلت بأغلب من مارس صقل الحجارة خاصة الذين مارسوها لمدة طويلة، جعلت عديد المصابين يتعرضون ناهيك عن مرضهم العضوي، إلى الهوس النفسي، بحثا عن سبل للعلاج حتى أن الكثير منهم توجه إلى تونس في فترة ما.وكان العديد من المرضى، يعتقدون أنهم سيشفون بعد أن ظهر بعض التحسن بمجرد عملية غسل الرئتين، لكن سرعان ما عاد المرض لأجسامهم، وكان أخصائيون جزائريون بينهم البروفيسور جبار، قد حذَروا من التوجه إلى تونس حتى لا يقعوا ضحية تجار يستغلون مرضهم ليسلبونهم أموالهم بداعي إمكانية التداوي والتماثل للشفاء.مهنة صقل الحجارة كانت في سنوات مضت، تستقطب جل شباب منطقة تكوت الذين يمارسونها وفي مختلف ولايات الوطن، كونها كانت تدر أموالا كبيرة تسمح للشاب بتحقيق حلم تشييد مسكن أو الزواج أو شراء سيارة وغيرها من الأمور التي يمكن أن تحسن وضعيته المعيشية والاجتماعية، غير أن البعض يبرر التوجه نحو هذه المهنة بانعدام مصادر أو نشاطات أخرى يمكن التوجه إليها لممارستها بمنطقتهم.خلال تواجدنا ببلدية تكوت وفي جولة لنا بشوارعها، تحدثنا إلى بعض الشبان بينهم سامي صاحب 29 ربيعا، والذي قال لنا بأنه لم يمارس صقل الحجارة ولا ينوي ممارستها وحتى أنه لم يفكر فيها، وكشف لنا عن توجهه لمركز التكوين المهني بعد فتح أبوابه بتكوت، خاصة وأن الحظ لم يسعفه لنيل البكالوريا، وقال لنا بأنه سجل في الإعلام الآلي حتى يتسنى له مواصلة تقديم خدمات مكتبية في مكتبته الخاصة.ولم يختلف كذلك رأي الصديقين أسامة صاحب العشرين سنة وعماد البالغ 23 سنة من العمر عن رأي سامي، فكلاهما فضلا الالتحاق بالتكوين المهني بعد أن سجلا في تخصص حماية النباتات، غير أن عماد بدا غير متفائل، وقال لنا بأن فرص العمل ببلديته تكاد تكون منعدمة، وأضاف بأنه لا يلوم الشباب الذين يتوجهون لممارسة صقل الحجارة في ظل البطالة وانعدام فرص الشغل.وقد أكد لنا عديد المواطنين بالمنطقة، بأن صقل الحجارة نشاط بات يعرف عزوفا ليس فقط لكونه يؤدي إلى الموت، ولكن لتراجع مردوده المالي عما كان عليه في سنوات سابقة. فتح تخصص تكوين في صقل الحجارة دون أخطاراستفادت بلدية تكوت، من مركز للتكوين المهني والتمهين فتح أبوابه سنة 2014، خصيصا لامتصاص الشباب البطال، حتى يكتسب مهنة تبعده عن صقل الحجارة التي تحولت إلى شبح يخيم على المنطقة، بسبب داء السليكوز الناتج عنها والمتمثل في ترسب حبيبات الغبار على الرئتين، وهو الداء الذي فتك حسب إحصائيات محلية بأزيد من 158 شخصا، ويبقى عداد الضحايا مفتوحا نظرا للعدد الكبير من المرضى بالداء الذين يقبعون في ديارهم وفي مستشفيات باتنة وأريس وبسكرة.مركز التكوين المهني المنجز بتكوت، يتسع حسب مسؤولي القطاع لكافة شباب البلدية وما جاورها، غير أن الملاحظ أن التكوين المهني لا يستقطب شبان المنطقة، حيث سجلت مصالح قطاع التكوين المهني والتمهين عزوفا من طرف الشباب في الالتحاق بالمركز منذ فتح أبوابه، وهو ما جعلها تفتح أبواب الحوار مع عدد من ممثلي المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات بالمنطقة خلال افتتاح دورة فيفري من سنة الجارية.وكانت مشاركة ممثلي المجتمع المدني محتشمة في النقاش المنظم مع المسؤولين المحليين ومسؤولي قطاع التكوين المهني والذي حضرته النصر، تحسبا لدورة فيفري، حيث اقتصر الحضور على عدد قليل، وطالب خلالها ممثلو المجتمع المدني الحاضرون بتوسيع دائرة التخصصات التكوينية، وفتح الفروع التي يتطلبها السوق الاقتصادي والتي يمكن أن تتناسب مع المنطقة على غرار تخصصات سياحية للترويج السياحي لمنطقة غوفي وما جاورها من أماكن سياحية تزخر بها المنطقة، فيما أشار البعض إلى أن الإشكالية وراء العزوف، هو غياب فرص العمل بعد التخرج ما يحبط معنويات الشباب مطالبين بإنشاء مناطق صناعية تبعث آمال الشباب على الالتحاق بالتكوين المهني.من جهته مدير قطاع التكوين المهني والتمهين لولاية باتنة، كشف خلال اللقاء، عن استعداد مصالحه لفتح التخصصات التي يسجل عليها طلب كبير، داعيا ممثلي المجتمع المدني للتنسيق مع مصالحه من أجل استقطاب الشبان، وكشف مسؤول قطاع التكوين عن فتح تخصص لصقل الحجارة وفق الطرق العلمية والوقائية باستخدام الماء في عملية الصقل والنحت بواسطة آلات حديثة ومتطورة لا تترك الغبار في أثرها، وذلك عن طريق التمهين، أي بموجب عقد بين مؤسسة مستخدمة والمتربص ومؤسسة التكوين، وقال بأن مصالحه تعتزم مستقبلا فتح ذات التخصص ليكون تكوين إقامي بعد توفير التجهيزات والإمكانيات اللازمة. 900 مصاب يصارعون المرضخلال إجرائنا للاستطلاع، حول وضعية الأرامل والأيتام الذين هم ضحايا السليكوز أيضا ، بعد أن هلك ذويهم بسبب الداء الناتج عن صقل الحجارة ، لم نتمكن من الحصول على إحصائيات دقيقة حول عدد الضحايا، أو عائلاتهم سواء من مصالح البلدية أو الصحة، غير أن المؤكد حسب مصادر محلية، هو أن عدد الضحايا بات يقارب مائتي شخص، حسب ما كشف عنه لنا رئيس الجمعية المحلية كافل اليتيم بتكوت ، والذي أكد بأن الرقم تجاوز 185 ضحية، كما أشار رئيس البلدية إلى إحصاء حوالي 900 مصاب بالداء لا يزالون يصارعون المرض، وهو ما يجعل عدد الضحايا مرشحا للارتفاع مستقبلا بالتالي يتضاعف عدد الأيتام والأرامل.و فيما لا يزال عدَاد ضحايا السليكوز مرشحا للارتفاع، والموت يبقى يترصد من مارسوا صقل الحجارة بتكوت، يعقد السكان آمالا على انتهاء أشغال إنجاز المستشفى الذي يسع طاقة 240 سريرا في التخفيف عن معاناتهم في التنقل من أجل العلاج نحو أريس وباتنة وبسكرة، خاصة وأن الداء الفتاك يتطلب علاجا خاصا بتوفير قارورات الأكسجين التي يتم جلبها من المستشفيات الكبرى، وكان المستشفى الذي بلغت نسبة إنجازه حوالي 90 بالمائة قد توقفت به نسبة الأشغال عدة مرات من طرف مقاولات الإنجاز بسبب عدم دفع مستحقاتها المالية.التأخر المسجل في إنجاز المستشفى، دفع بمواطنين من المنطقة إلى الاحتجاج قصد المطالبة بالإسراع في إنجاز المشروع وتسليمه في أقرب الآجال، من أجل التخفيف ورفع الغبن عن الضحايا، وكافة سكان المنطقة على غرار القاطنين بالقرى والمداشر المجاورة، خصوصا وأن المنطقة ذات طابع جبلي وتضاريس صعبة تنتشر بها التجمعات السكانية هنا وهناك، ولا يقتصر تواجد المرضى ضحايا الداء على مركز بلدية تكوت وإنما على قرى وبلديات أخرى منها شناورة، وإينوغيسن وإشمول. وكان مشروع المستشفى محل زيارة والي الولاية عقب احتجاجات المواطنين، وأكد المسؤول الأول للهيئة التنفيذية خلال وقوفه على المشروع لممثلين عن المجتمع المدني، تسليم المستشفى في غضون أشهر قبل الدخول الاجتماعي لشهر سبتمبر من السنة الحالية. غياب التأمين ضاعف من معاناتهمأرامل و أيتام يعيشون على نفقات المحسنينوجدت العشرات من الأرامل، في جمعية كافل اليتيم المحلية التي تأسست منذ ثلاث سنوات بتكوت، ملجأ لها من أجل إعالة الأطفال اليتامى الذين تركهم آباؤهم ضحايا السليكوز، فالجمعية التي أسسها ويرأسها خير الدين بلطيب، وهو معلم متقاعد من المنطقة، تقوم بمجهودات كبيرة رغم أنه لم يمض على تأسيسها أربع سنوات، وعلى الرغم أيضا من الإمكانيات البسيطة للجمعية التي تعتمد على ما يقدمه ويتصدق به المحسنون من أفراد وجمعيات ومنظمات، إلا أنها استطاعت أن ترفع قليلا من الغبن عن الأرامل اللواتي وجدن في الجمعية سبيلا للبحث عن مصدر القوت.جمعية كافل اليتيم كانت إحدى وجهاتنا خلال تنقلنا من باتنة إلى تكوت لإجراء استطلاع حول الوضعية التي تعيشها أرامل ضحايا السليكوز، واللواتي ارتفع عددهن بارتفاع الضحايا ، ويتواجد مقر جمعية كافل اليتيم بتكوت القديمة أين تنقلنا رفقة رئيس الجمعية الذي كان في انتظارنا، وقد حدثنا عن النشاطات التي تعنى بها الجمعية وكيف بادر إلى تأسيس الجمعية. ويقول رئيس الجمعية في هذا السياق، بأن بلديته التي بات يفتك داء السليكوز الناجم عن صقل الحجارة بشبابها، وبعد أن لاحظ وجود خيرين يرغبون في تقديم المساعدة للأرامل وأيتام ضحايا السليكوز، وكانوا يقصدونه من أجل الوساطة لهم بحكم أنه ابن المنطقة ويعرف ناسها، ما دفعه ليبادر إلى تأسيس جمعية محلية للتكفل بفئة الأرامل والأيتام اقتداء ببرنامج تلفزيوني ديني كان يتابعه وقد أثر فيه حول كيفية ترك بصمة الخير، وأكد أيضا بأن الجمعية تعد إطارا قانونيا يسمح بجمع الأموال ومختلف التبرعات لتوجيهها فيما بعد لمستحقيها. وبعد وصولنا إلى مقر الجمعية الذي يبعد بنحو واحد كيلومتر عن مركز البلدية، وهو عبارة عن وقف استأجرته الجمعية عن مصالح الشؤون الدينية، التقينا بعدد من النساء الأرامل اللواتي يزاولن نشاطات حرفية مختلفة، كالخياطة والطرز وصنع مواد غذائية كالكسكسى من أجل بيعها وتحصيل مردود مالي يُعلن به عائلاتهن، وقد استقبلتنا الأرامل، غير أنهن رفضن في بادئ الأمر الإدلاء بأي تصريح، حيث وجدناهن محبطات نفسيا، وقلن لنا بأنهن صرحنا عديد المرات لوسائل الإعلام دون أن يتغير حالهن، متسائلات عن الفائدة من ذلك واعتبرن أن مأساتهن تحولت إلى مصدر استهلاك إعلامي لا غير.الأرامل اللواتي التقينا بهن بمقر الجمعية، كن منهمكات في ورشتهن بأشغال الخياطة، وبعد أخذ ورد معهن توصلنا إلى إقناعهن، بأن هدفنا نقل وإيصال أصواتهن ومطالبهن بأمانة حتى يطلع عليه الرأي العام والسلطات العمومية، وأن رجع الصدى والاستجابة ليست من صلاحياتنا، وبعد أن أبدينا استعدادهن للحديث حول وضعيتهن، كشفن عن معاناة طويلة يعشنها قبل وبعد وفاة أزواجهن وأشقائهن. فإحداهن وهي في مقتبل العمر فقدت زوجها وشقيقها معا وكلاهما لم يتجاوزا 33 سنة من العمر، وقد تحولت هذه الشابة إلى أرملة تحاول أن تعيل 4 بنات لوحدها منذ سبع سنوات، وقالت محدثتنا بأنها لم تكن تعلم بأن ممارسة صقل الحجارة، تسبب الداء القاتل وإلا لما تركت زوجها وشقيقها يمارسانها. شابة أخرى فقدت زوجها منذ عشر سنوات بسبب داء السليكوز، وهي اليوم تواجه الحياة لوحدها، من أجل إعالة بنتيها ، وأوضحت لنا بأن زوجها تحول إلى ممارسة مهنة سائق شاحنة بسبب ما لحقه من صقل الحجارة، لكن مقاطعته للنشاط كانت متأخرة، حيث نال منه الداء نتيجة ممارسته صقل الحجارة لسنوات، وكان زوجها قد فارق الحياة عن عمر ناهز 36 سنة بعد ملازمته لفراش المرض، ولم يختلف حال أرملة أخرى قالت بأنها تحاول ضمان قوت ابنيها اللذين تركهما لها والدهما المتوفي أيضا بسبب داء السليكوز الفتاك.الأرامل اللواتي التقينا بهن، وعلى اختلاف ما رصدناه من علمهن وعدم علمهن، بأن مهنة صقل الحجارة كانت تؤدي إلى الموت المحتوم، إلا أنهن أجمعن بأن أزواجهن وأفراد من عائلاتهن المتوفين لم يكن لهم البديل في التوجه نحو ممارسة نشاط آخر غير مهنة صقل الحجارة التي وجدنا فيها مصدرا لكسب القوت.ويذكر رئيس جمعية كافل اليتيم بتكوت، أعمال عديدة قامت بها الجمعية منذ تأسيسها بفضل مساعدات الخيريين من بينها مساعدة مكتب الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي ببسكرة، حتى أنه تم تخصيص في فترة ما منحة شهرية تصرف لهن عبر البريد تقدر بستة آلاف دينار بالنسبة للأرامل اللواتي تُعلن أطفالا يتامى وثلاثة آلاف دينار للواتي لم تنجبن، وهي المنحة التي توقفت بعد أن فضل محسنون اقتناء تجهيزات للخياطة وممارسة حرف تساعد الأرامل على كسب القوت بدل انتظار المنحة. الأرامل اللواتي التقيناهن عبَرن عن معاناتهن بعد أن خطف داء السليكوز أزواجهن منهن، فغالبيتهن دون تأمين اجتماعي، وهو ما أشار إليه رئيس الجمعية الذي أوضح بأن أزواجهن لم يكونوا مؤمنين ، وقالت الأرامل بأن ما كن يتقاضينه في وقت سابق كمنحة أو ما يحصلنه من مزاولة نشاطات بورشة الجمعية لا يسد احتياجات أطفالهن المتمدرسين، وقد طالبن بتوفير النقل على الأقل من أجل إيصالهن إلى مقر الجمعية التي تبعد بمسافة طويلة عن سكنات جلهن، كما طالب رئيس الجمعية بتدخل السلطات المعنية لإعفاء الجمعية من مستحقات الإيجار التي تدفعها شهريا من أجل استغلال وقف الشؤون الدينية. فريد أكساس.. شاب وجد الخلاص في الفلاحةيعد الشاب فريد أكساس البالغ من العمر 32 سنة، من أبناء منطقة تكوت الذين مارسوا مهنة صقل الحجارة لأزيد من عشر سنوات قضاها في مهنة الموت، التي يقول بأنه فتح عينيه عليها مثله مثل أقرانه من شباب المنطقة، وقد قرر فريد الذي لم تظهر عليه علامات المرض التخلي عن صقل الحجارة والتوجه نحو النشاط الفلاحي بمنطقة بولهيلات، حيث تفرغ لنشاط غرس الأشجار وتربية المواشي والنحل، وهي الأنشطة التي وجد فيها البديل، ويقول فريد بأنه لم يكن ليهجر صقل الحجارة رغم مخاطرها لو لم يجد البديل في النشاط الفلاحي.فريد أكساس مارس مهنة الموت منذ سنة 1999 إلى غاية 2014، وظل خلال تلك الفترة متنقلا بين عديد الولايات في مختلف أنحاء الوطن يقوم بصقل ونحت الحجارة لإنجاز مساكن وفيلات فاخرة في العاصمة، ووهران،وقسنطينة، ومستغانم وتيزي وزو، وأوضح فريد في حديثه مع النصر، بأنه لم يكن في البداية هو وعديد الشباب من تكوت يعلمون بأن عملهم هذا يسبب مرض السليكوز المؤدي إلى الموت، مشيرا إلى ظهور المرض حديثا، وقال بأن هناك من سبقهم من الآباء والأجداد في المهنة التي لم تكن سبب وفيات.ويتذكر فريد، بأن انتشار ممارسة صقل الحجارة خارج ولاية باتنة، كان بفضل المقاول المرحوم المعروف شعباني الوردي، الذي كان يُشغل أبناء المنطقة في مهن البناء وصقل الحجارة في مشاريع في مختلف الولايات، فوجد من اشتغل في صقل الحجارة أن ممارستهم للمهنة لوحدهم تمكنهم من العودة بمداخيل مالية كبيرة، وهنا أشار محدثنا إلى إمكانية أن تصل أجرة من يمارس صقل الحجارة في اليوم إلى عشرة آلاف دينار.ويقول فريد، بأن بداية ظهور داء السليكوز منذ سنة 2004 ومع ازدياد دائرة سقوط الضحايا، توقف كثيرون عن ممارستها قبل أن يعود معظمهم مجددا إليها حسبه، بسبب غياب بدائل في التشغيل، مقرا بأن ما تدره من الأموال تعد من الأسباب التي جعلت الكثيرين يتمسكون بها رغم مخاطرها المؤدية إلى الموت.ويقول فريد الذي توجه إلى النشاط الفلاحي بمنطقة بولهيلات، بأنه لم يكن ليستطيع إنجاز مستثمرته الفلاحية لولا ما جناه من أموال في صقل الحجارة، وكشف عن مواصلة شقيقه ممارستها من أجل تحصيل أموال يوجهونها للاستثمار الفلاحي، ففي الوقت الذي أجرينا اللقاء مع فريد، كان شقيقه الذي يكبره سنا متواجدا بولاية تيارت يمارس هناك صقل الحجارة، وقد أكد لنا فريد بأن الحل بالنسبة له يكمن في توفير بدائل شغل لشباب تكوت حتى يتوقفوا عن ممارسة مهنة الموت.البروفيسور عبد المجيد جبار رئيس مصلحة الأمراض الصدريةالسليكوز يشبه السرطان و عدد المرضى في تراجعأكد البروفيسور عبد المجيد جبار، رئيس مصلحة الأمراض الصدرية بالمؤسسة الاستشفائية العمومية بباتنة، بأن إحصائيات مرضى السليكوز تشير إلى تراجع عدد الضحايا، رغم استمرار تسجيل مرضى يخضعون للاستشفاء يعدون ممن مارسوا المهنة في سنوات مضت. وقال البروفيسور جبار، الذي يعد من بين أبرز الأطباء الذين تابعوا الحالات المرضية للسليكوز وسط ممتهني صقل الحجارة بتكوت، منذ ظهور الداء، بأن كافة سكان تكوت يدركون مخاطر ممارسة تلك المهنة دون شروط وقائية، بفضل حملات التحسيس التي مستهم، ومن بينها حملات قام بها هو شخصيا من أجل التصدي للتلاعب بعقول المرضى قبل سنتين من طرف جهات ادعت إمكانية الشفاء بالعلاج في تونس وقامت بسلب أموال كبيرة من جيوب المرضى.وأوضح البروفيسور جبار ل"النصر" بأن السليكوز داء خطير ومعروف في بلدان العالم قبل ظهوره بتكوت، مضيفا بأنه كان يُسجل وسط عمال حفر أنفاق القطارات والمناجم وكانت أعراضه تظهر بعد سنوات من ممارسة تلك النشاطات التي ينتج عنها ترسب جزيئات دقيقة للغبار والتي يتنفسها العمال، ويتمثل داء السليكوز حسب البروفيسور جبار في تكلس الرئتين وانكماشهما وفقدانهما للتوازن داخل جسم الإنسان المصاب بالمرض بسبب الجرثوم «بي كا». ظهور الداء بتكوت يعود إلى 15 سنة مضت حسب البروفيسور عبد المجيد جبار، الذي يتذكر بأنه حينها اكتشف أعراض المرض لدى أربعة مصابين من الشبان يجمعهم قاسم مشترك هو ممارستهم لصقل الحجارة، وأضاف بأن بعض الأطباء حينها كانوا يظنون بأن الأمر يتعلق بمرض السل (التيبركيلوز)، وقد حالت طرق العلاج دون تماثله للشفاء.وقال البروفيسور جبار بأن السليكوز وفي حالاته المتقدمة يستحيل الشفاء منه، وهو ما جعله يصف المرض في المجالات الطبية بشبيه السرطان المميت، نظرا للعوامل المشتركة بينهما في عدم إمكانية العلاج وكلاهما يؤديان إلى الموت الفوري في ظرف زمني قصير، معتبرا ما يتردد عن زرع الرئة بمثابة الآفاق الصعبة والبعيدة في الوقت الراهن.وفي رده على انشغال عدم تعرض بعض ممن مارسوا المهنة للمرض دون البعض الآخر، إلى وجود فارق واختلاف في المدة التي مارسها كل شخص، موضحا بأن عدد السنوات التي قد يقضي فيها شخص ممارسة صقل الحجارة لا يعني بأنه قضى كل تلك السنوات في ممارسة صقل الحجارة وإنما تختلف حسب كل شخص، مضيفا بأنه مهما اختلفت المدة إلا أن تلك الجزيئات الناتجة عن الغبار تبقى أجسام دخيلة على رئتي كل من مارس المهنة، و تهاجم خلايا الجسم. وأكد البروفيسور جبار، بأن ظهور داء السليكوز وسط ممتهني صقل الحجارة بتكوت في السنوات الأخيرة رغم قدم المهنة وممارستها من طرف السكان منذ القدم، راجع إلى التطور التكنولوجي للأدوات المستخدمة والتي ينتج عنها ميكروجزيئات حسب محدثنا، من الغبار الذي يترسب على رئتي من يمارسها في ظل شروط غير ملائمة ودون وقاية، مؤكدا إمكانية ممارستها بالطرق الوقائية دون أن تتسبب في المرض من خلال استخدام الماء الذي يحول دون تصاعد وتراكم الغبار ومن خلال استخدام الأقنعة والنظارات الواقية والألبسة الخاصة بالنشاط. رئيس بلدية تكوت انشغالات عائلات الضحايا أولوية رغم قلة المواردكشف رئيس بلدية تكوت عبد الناصر خلاف ل"النصر"، عن تخصيص مصالحه لشاحنة خصيصا لجلب قارورات الأكسجين من قسنطينة إلى تكوت لفائدة المرضى الذين يقبعون في منازلهم، مؤكدا تجنيد الشاحنة في كل الظروف المناخية من أجل توفير قارورات الأوكسجين، وقال المير بأن بلديته عاجزة ماليا وتعتمد على إعانات الدولة حتى في صرف أجور العمال والموظفين نظرا لغياب مصادر تمويل، وهو ما حال حسبه دون توفير عناية أكبر لمرضى السليكوز وعائلاتهم.وأكد رئيس البلدية بأنه وعلى الرغم من الإمكانيات الضعيفة إلا أن مصالحه تأخذ بعين الاعتبار انشغالات ومشاكل ضحايا السليكوز كأولوية، من خلال الشبكة الاجتماعية وتقديم الإعانات على غرار قفة رمضان وتوجيه إعانات المحسنين لفائدة عائلات المرضى، وفي ما يتعلق بانشغال توفير النقل فأكد بأن الأرامل مسموح لهن باستعمال حافلة النقل المدرسي خاصة بالنسبة للواتي تأتين من شناورة والمداشر البعيدة عن مقر البلدية.وأقر المير بانعدام فرص الشغل لشباب المنطقة كبديل لصقل الحجارة، وقال بأن البلدية سبق وأن اقترحت مساحة لتخصيصها كمنطقة نشاطات صناعية، غير أنها رُفضت بسبب طبيعة العقار، مشيرا إلى مشكل العقار الذي يعد من بين العراقيل التي اصطدمت بها مصالحه من أجل توفير الاستثمار، ما جعل البلدية تعتمد كلية على إعانات الدولة في تسيير الميزانية المقدرة بتسعة ملايير، مشيرا إلى عدم تغطية مداخيل استئجار سوق بمبلغ زهيد للمصاريف الكبيرة، وأضاف في ذات السياق بأن نفقات تصليح شبكة المياه تفوق مداخيلها.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)